بوتين يخلط الأوراق والعالم يدفع الثمن

21 سبتمبر 2022
مخاوف من الغاء بوتين اتفاق تصدير القمح الأوكراني/Getty
+ الخط -

في الوقت الذي كانت فيه أنظار العالم تتجه اليوم إلى مقر الاحتياطي الفيدرالي الأميركي في واشنطن حيث يعقد البنك المركزي اجتماعاً لبحث زيادة سعر الفائدة على الدولار في إطار مكافحة التضخم الحاد داخل الولايات المتحدة، إذا بتلك الأنظار تغير اتجاهها بسرعة متجهة نحو موسكو.

فقد أعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين التعبئة العسكرية الجزئية واستدعاء 300 ألف من قوات الاحتياط على الفور، كما هدد وللمرة الرابعة باستخدام السلاح النووي في وجه الولايات المتحدة وأوروبا، وذلك في تصعيد جديد للحرب في أوكرانيا.

لم تكتف موسكو بذلك، بل منعت تدفق إمدادات الغاز الروسي من خط "يامال-أوروبا"، ليتوقف تدفق الغاز كاملا لأوروبا حيث إن التدفقات عبر خط أنابيب "نورد ستريم 1"، الذي يمتد تحت بحر البلطيق من روسيا إلى ألمانيا، متوقفة تماما منذ يوم 31 أغسطس الماضي وباتت عند مستوى الصفر، وهو ما يهدد أوروبا بشتاء قارس.

بوتين رفع منسوب المخاطر الجيوسياسية حول العالم، ومستوى التوتر داخل أسواق الطاقة والحبوب والمال والبورصات والعملات والمعادن

بوتين خلط الأوراق ورفع منسوب المخاطر الجيوسياسية حول العالم، كما رفع مستوى التوتر داخل أسواق الطاقة والحبوب والمال والبورصات والعملات والمعادن.

وبعد أن كان العالم قد ألف أخبار حرب أوكرانيا وتراجع الاهتمام الدولي بها بعض الشئ، إذا بالرئيس الروسي يعيد الانتباه إليها بإعلان التعبئة العسكرية والتهديد بالسلاح النووي، ليرتد ذلك سلبا على الأسواق الدولية في صورة قفزات في الأسعار.

فقد قفزت أسعار الغاز الطبيعي بنسبة تبلغ نحو 10% ليزيد السعر 15% في يومين، كما زاد سعر النفط بنسبة تزيد عن 3% وسط مخاوف تصعيد الحرب في أوكرانيا وخشية أسواق الطاقة العالمية من حدوث أزمة نقص في إمدادات للنفط الخام والغاز الطبيعي عالميا، وبالتالي حدوث مزيد من التعطيل لإمدادات الطاقة، خاصة نحو أوروبا، وهو ما يغذي أزمتي التضخم والطاقة .

كما عاد التوتر لسوق الحبوب العالمي وسط مخاوف من قيام الجيش الروسي بمنع أوكرانيا من تصدير القمح والذرة والشعير والزيوت لدول العالم المتعطشة، واقدام بوتين على الانسحاب من اتفاق إسطنبول الذي أعاد قمح أوكرانيا للأسواق خاصة الدول الفقيرة، وزاد سعر الذهب الذي يحتمي به المستمرون وقت تزايد المخاطر.

عاد التوتر لسوق الحبوب العالمي وسط مخاوف من قيام الجيش الروسي بمنع أوكرانيا من تصدير القمح والذرة لدول العالم المتعطشة

وفي الأسواق العالمية زادت مخاوف المستثمرين لترفع منسوب التوتر الناتج أصلا عن رفع البنك المركزي الأميركي سعر الفائدة للمرة الخامسة خلال العام الجاري، وهو ما يهدد الاقتصاد الأميركي بركود تضخمي ويهدد البورصات بخسائر فادحة مع تراجع أرباح الشركات وإفلاس المصانع وزيادة البطالة.

ولم تسلم السوق الروسية من زيادة المخاطر الجيوسياسية، فقد تراجع سعر الروبل بنسبة 1% مقابل الدولار بعد تحسن لافت دام عدة شهور، وتهاوت الأسهم في بورصة موسكو وسط عمليات بيع مكثفة من قبل المستثمرين. كما تراجعت أسعار الأسهم في البورصات العالمية.

أوروبا لم تقف مكتوفة اليد تجاه التصعيد الروسي الأخير فقد جمدت الحكومة الألمانية أصولاً قيمتها 4.88 مليارات يورو لمستثمرين روس. ومن المحتمل تشديد العقوبات الغربية بحق الاقتصاد الروسي في الأيام المقبلة.

بوتين ضرب "كرسي في الكلوب" كما يقولون، وأعاد أجواء التوتر للأسواق العالمية وفي مقدمتها سوق الحبوب حيث تخشي الدول من عودة فرض روسيا حظرا على صادرات القمح الأوكراني، وقيام الدول المنتجة للغذاء بإعادة فرض حظر على الصادرات الزراعية والمنتجات الغذائية.

وفي النهاية فإن دول العالم، خاصة العربية والفقيرة، هي من تدفع ثمن الحرب الروسية الغربية المندلعة على أراضي أوكرانيا في صورة قفزات في أسعار سلع رئيسية مثل الوقود والحبوب والسلع الوسيطة ومدخلات الإنتاج.

المساهمون