صعد سعر الدولار إلى أعلى مستوياته، منذ التعويم الثالث للجنيه، نهاية أكتوبر/ تشرين الأول الماضي.
جاء الارتفاع طفيفاً في السوق الرسمية يوم الأحد، حيث بلغ 24.25 جنيهاً للبيع و24.31 جنيها للشراء من البنوك الخاصة، مع مراوحة في السعر تقل بنحو 4 قروش بالمتوسط في البنك المركزي والبنوك العامة.
تسبب الصعود المتتالي للدولار، مع صعوبة تدبيره عبر القنوات الرسمية من البنوك وشركات الصرافة، في ترويج تجار عن تداول الدولار بأسعار تزيد ما بين جنيهين و4 جنيهات عن السوق الرسمية، في حركة التعاملات التجارية على السلع الواردة من الخارج.
مضاربات البنوك
أدى لجوء بعض البنوك الخاصة، خلال اليومين الماضيين، إلى طلب الدولار من السوق السوداء، عبر بعض موظفيهها خارج العاصمة، لتدبير حاجات عملائها من العملة الأميركية، في أمر تشهده الأسواق لأول مرة، حسب مصادر مطلعة، لـ"العربي الجديد".
وهو الأمر الذي أدى إلى زيادة المضاربة على الدولار في السوق الموازية غير الرسمية، التي ظلت حكراً على التجار والموردين قبل أن تمارسها بعض البنوك مؤخراً، حسب المصادر.
وتلقى الجنيه ضربة جديدة، في الأراضي السعودية، مع بداية موسم العمرة، إذ امتنعت أغلب شركات الصرافة في مدن مكة وجدة والمدينة عن شراء العملة المصرية، وقليل منها وافقت على التعامل به، مقابل خفض قيمته إلى 10 جنيهات مقابل الريال السعودي.
وتضع المحلات التجارية شرطاً على المصريين الذين يتعاملون ببطاقات الائتمان سقوفاً للشراء، مع تحصيل عمولة تحصيل تتراوح ما بين 2% إلى 3%، تضاف إلى ما يتحمله حامل البطاقة من عمولة تبلغ 3% من قيمة التحويل للبنك صاحب الإصدار للبنوك، تحت بند "تدبير عملة أجنبية".
يعتبر الخبير الاقتصادي رشاد عبده تصاعد الدولار مقابل الجنيه أمراً طبيعياً، في ظل سوق لم تستقر بعد، مع تطبيق البنك المركزي سياسة مرونة سعر الصرف للجنيه مقابل العملات الحرة، وعلى رأسها الدولار.
وقال الخبير الذي عمل سنوات في القطاع المصرفي، في حديث لـ "العربي الجديد"، إن السوق أصبح المتحكم في آلية التسعير، ونظراً لحاجة كثير من المستوردين ووجود طلبات متراكمة لدى البنوك من أصحاب المصانع والموردين على تمويل صفقات الشراء بالدولار، فإنه من الطبيعي ألا يتوقف صعود العملة الاميركية، لأننا لم نصل إلى القاع بعد".
ووفق توقعاته: "سيستمر الدولار في الصعود، لأن قوة الدفع للطلب ما زالت أكبر من قوة العرض"، لافتاً إلى أنّ هذه الفترة لا يستطيع أحد أن يتوقع مداها لأنّها ستخضع لظروف السوق والعرض والطلب.
ورفض عبده ما توقعته مؤسسات مالية دولية بأنّ قيمة الدولار ستتوقف عند 24.6 جنيها، مؤكداً أنّ تحديد سعر الصرف لن يكون إلّا في مرحلة الثبات. وأوضح أن واقع سوق العملات هو الذي سيحدد قيمة الجنيه مقابل العملات الصعبة في نهاية المطاف.
عدم فاعلية قرض الصندوق
يشير محللون ماليون إلى أن الزيادة الطفيفة في سعر الدولار ترجع إلى زيادة الفيدرالي الأميركي الفائدة نهاية الأسبوع الماضي، بنحو 75 نقطة إضافية، بما جعل الدولار يشهد أكبر تجاوز في التقييم لقيمته منذ ثمانينيات القرن الماضي مقابل العملات الأخرى.
ويفسر محلل السياسات المالية بوكالة بلومبيرغ الأميركية، بوبي غوش، التراجع المتواصل في قيمة الجنيه إلى عدم فاعلية القرض الأخير الذي قدمه صندوق النقد الدولي لمصر والذي لم يصل بعد.
وأكد غوش في تحليل موسع لـ"بلومبرغ" أنّ سياسة الحكومة المصرية ستستمر في خفض قيمة العملة بالتنقيط، (نقطة نقطة)، لأن التدابير التي اتخذتها الرئاسة لن تعالج الضعف الرئيسي للاقتصاد المصري، الذي هيمن فيه الجيش على اقتصاد البلاد وأحبطت ريادة الأعمال والاستثمار في القطاع الخاص".
يشير التقرير إلى أنه رغم منح الصندوق 12 مليار دولار لمصر منذ 6 سنوات، أظهر صندوق النقد الدولي اهتماماً ضئيلاً بجعل الحكومة تعالج المشكلة الأساسية، وأنّ الأزمة الحالية جعلت الحكومة تنتهز فرصة أخرى للحصول على قرض جديد قيمته 3 مليارات دولار لتحرير الاقتصاد، بينما لا يوجد دليل على ممارسة الصندوق المزيد من الضغط على الحكومة لتنفيذ متطلبات مواجهة القضية الرئيسية.
كان الباحث بمعهد التحرير لسياسات الشرق الأوسط، تيموثي كالداس، قد انتقد الاتفاق الأخير للحكومة المصرية مع الصندوق قائلاً إنّ صندوق النقد الدولي مول برنامجاً اقتصادياً معيباً لمدة 6 سنوات ويخفي الآن المشاكل.
وتنتظر الحكومة المصرية أن يساهم تراجع الجنيه في زيادة الصادرات، وهو أمر يتشكك رجال الأعمال في حدوثه، في ظل تزايد قيمة الواردات في دولة ما زالت تعتمد على استيراد نحو 90% من سلعها الاستهلاكية، ونحو 65% من سلع تامة أو مكونات صناعية من الخارج. وفاقم تهاوي العملة المحلية أمام الدولار الأميركي معيشة المصريين.
يفسر محلل السياسات المالية بوكالة بلومبيرغ التراجع المتواصل في قيمة الجنيه إلى عدم فاعلية القرض الأخير الذي قدمه صندوق النقد الدولي لمصر
ويعلق مسؤولون أملهم على تدفق الاستثمار العربي والأجنبي لشراء أصول أو المساهمة في إقامة مشروعات صناعية وزارعة في المرحلة المقبلة، وتمكن الدولة من طرح أصول عامة في البورصة تنشط سوق الأوراق المالية، وتجذب المتعاملين بالدولار، بما يخفف الضغط على الجنيه.