بنوك سنغافورة تستفيد من محنة مصارف أميركا وسويسرا

بنوك سنغافورة تستفيد من محنة مصارف أميركا وسويسرا

23 مارس 2023
سنغافورة تستقطب المزيد من أثرياء الصين (Getty)
+ الخط -

تتحول أنظار الأثرياء الهاربين من هزات انهيار بنوك أميركية وكذلك العملاق السويسري "كريدي سويس" إلى سنغافورة كبديل لتوجيه مسار رؤوس الأموال الباحثة عن الأمان.

ولا يبدو أن أوضاع المصارف المقلقة في الولايات المتحدة ستكون الدافع الوحيد لتحرك رؤوس الأموال في الفترة المقبلة، لكن هناك أيضاً دوافع سياسية قد تحسم الأمر لمصلحة الجزيرة الآسيوية، على رأسها الاضطرابات التي تسيطر على العلاقات بين واشنطن وبكين، والتي تدفع شرائح واسعة من الأثرياء الصينيين تحديداً إلى الركون إلى ملاذات بعيدة عن ساحة المعركة الاقتصادية في البلدين.

وتحولت سنغافورة بالفعل خلال الأشهر الماضية إلى وجهة أولى مفضلة لأثرياء الصين الراغبين في الحفاظ على ثرواتهم، قبل اندلاع أزمة انهيار مصرفي "سيليكون فالي" و"سيغنتشر" وتعثر المقرض الأصغر "فيرست ريبابليك" في الولايات المتحدة، وانهيار "كريدي سويس" السويسري خلال مارس/ آذار الجاري، ليخرج من المشهد المصرفي العالمي بعد 166 عاماً من الحضور الطاغي.

ودفع هذا الانهيار كذلك العديد من الأثرياء العرب إلى توجيه أنظارهم إلى المراكز المالية الآسيوية، وخصوصاً بعد اهتزاز الثقة في بنوك سويسرا، على الرغم من استحواذ "يو بي إس" على منافسه الأصغر "كريدي سويس"، في محاولة لتجنب وقوع اضطرابات في القطاع المصرفي العالمي، لينشأ كيان ضخم لإدارة الثروات بقيمة تقدر بنحو 4 تريليونات دولار.

وتُعتبر آسيا الوجهة الواضحة لنزوح رؤوس الأموال، فالبنوك في سنغافورة مثل "دي بي إس" ومنافسيه الأصغر حجماً، "أوفرسيز تشاينا بانكينغ كورب" و"يونايتد أوفرسيز بنك"، إلى جانب أكبر بنوك هونغ كونغ، مثل "إتش إس بي سي هولدينغ" و"ستاندرد تشارترد"، تستفيد من محنة "كريدي سويس"، وفق مقال للمحلل المالي آندي موخيرجي نشرته وكالة بلومبيرغ الأميركية.

وتتهيأ البنوك في سنغافورة لاقتناص الفرصة. فقد أعرب بايوش غوبتا، الرئيس التنفيذي لبنك "دي بي إس"، في اجتماع عبر الهاتف قبل أيام عن أمله في تحقيق نمو بالإيرادات لا يقل عن 1% من خلال إدارة مزيد من أصول كبار الأثرياء. وتوشك أمنيته تلك على التحقق. فبعد انهيار "كريدي سويس"، ستبحث شركات بعض بالغي الثراء وعائلاتهم عن خيارات تتجاوز الخيار التلقائي للجوء إلى بنك "يو بي إس" مُنقذ "كريدي سويس" لتلبية كل احتياجاتهم في إدارة الثروة.

ورغم أنّ من السابق لأوانه اعتبار أن تداعي 3 بنوك أميركية وانهيار بنك "كريدي سويس" يمكن أن تمثل ذروة الذعر لدى كبار الأثرياء حيال التعامل مع البنوك الأميركية والسويسرية، إلا أن هناك تصاعداً في القلق من اتساع نطاق الأزمة في ظل سياسة التشديد النقدي التي يقودها البنك الفيدرالي الأميركي، ما سيعيد بنوك سنغافورة إلى أواخر 2022، عندما أودع الأثرياء الكثير من المال.

ورغم أن إفلاس البنوك في الولايات المتحدة، ولا سيما الصغيرة، مشهد متكرر منذ عقود، إلا أن الوضع هذه المرة يبدو مختلفاً تماماً ومثيراً للقلق. فأزمة إفلاس البنوك الأميركية الصغيرة وما تلاها من أزمة مصرف "كريدي سويس"، حدثت في توقيت جيوسياسي حساس جداً لواشنطن، حيث تخوض فيه مع حلفائها الغربيين معركة شرسة ضد معسكر "بكين ـ موسكو" على صياغة "النظام العالمي" الجديد، وتأمل أن تتمكن من هزيمة موسكو التي تواصل حربها في أوكرانيا لتغيير الخريطة الأوروبية.

ومن شأن خسارة أميركا أسواقها المالية، أن تؤثر بمكانة الدولار في احتياطي البنوك المركزية العالمية الذي يمنحها السلطة المالية العليا في التمويل وتسوية الصفقات التجارية. ويلعب الدولار دوراً مهماً في القوة المالية للولايات المتحدة.

ويرى محللون أن إفلاس "سيليكون فالي" والمصرفين الصغيرين الآخرين، كان يمكن أن يمر دون ضجة أو أزمة في القطاع المصرفي، لولا أنها حدثت في ظروف صعبة يمر بها "الفيدرالي الأميركي" في محاربة التضخم عبر رفع أسعار الفائدة المصرفية، وما سبّب ذلك من تداعيات سالبة على أسواق المال والصناعة المصرفية، حيث إن الإفلاسات البنكية ليست مستغربة في الولايات المتحدة التي يوجد بها 4157 مصرفاً مؤمناً على ودائعها مع مؤسسة ضمان الودائع الأميركية، معظمها مصارف صغيرة توجد في القرى والمدن الريفية.

ويقدر تحليل بمجلس العلاقات الخارجية الأميركي، وهو مؤسسة بحثية في نيويورك، إجمالي حجم الودائع الأميركية المؤمن عليها في أميركا حتى نهاية سبتمبر/ أيلول الماضي بنحو 18 تريليون دولار.

وحسب بيانات مؤسسة ضمان الودائع الأميركية، أفلس 563 مصرفاً بين أعوام 2001 وحتى مارس/ آذار 2023 الجاري. وهذا يعادل إفلاس 25 مصرفاً في كل عام في الولايات المتحدة.

ولا تبدو العائلات الثرية الصينية التي تتدفق على سنغافورة منذ أشهر ستدعم تقوية هذا المركز المالي الآسيوي، بل الموقف الرسمي الصيني قد يشجع على إبراز هذه الوجهة كنافذة خلفية لها لسحب بساط النفوذ المالي تدريجاً من أميركا ومراكز المال الأوروبية أيضاً.

فهذه الجزيرة تحظى بمناخ استثماري آمن، إذ تحظر التظاهرات والإضرابات، والضرائب فيها متدنية نسبياً، ومعظم سكانها من أصول صينية. وتشير هيئة النقد في سنغافورة إلى أن عدد الشركات العائلية بلغ أكثر من الضعف من 2020 إلى 2021 ووصل إلى 700 شركة، ما يظهر مدى الإقبال عليها.

ووفق سونغ سينغ وون، الخبير الاقتصادي في شؤون منطقة آسيا في مصرف "سي أي ام بي" في تصريح لفرانس برس أخيراً، فإن سنغافورة "منطقة محايدة عملية جداً" تتيح للأثرياء الكبار تأسيس أعمال. وتمكنت الجزيرة من الحفاظ على علاقات وثيقة مع الولايات المتحدة وعلى علاقات تجارية قوية مع الصين، ما عزز أمنها.

المساهمون