بنك القاهرة بين صيف 2008 وصيف 2023

22 اغسطس 2023
الحكومة تستعد لإعادة طرح بنك القاهرة (العربي الجديد)
+ الخط -

في أغسطس 2008 كان الصيف ساخنا جدا في مصر على كل المستويات، ساخن على مستوى المناخ حيث درجات الحرارة المرتفعة، وساخن داخل أروقة مجلس الوزراء حيث الخلافات الحادة حول ملف الخصخصة وبيع أصول الدولة الرئيسية من بنوك وشركات وسياسة "النيوليبرالية" الفجة التي تبنتها الحكومة في ذلك الوقت بدعم وتأييد من لجنة السياسات ذات النفوذ السياسي العالي، وساخن على المستوى الاقتصادي والمالي والمصرفي.

وساخن سياسيا حيث التراشق بين أمين لجنة السياسات جمال مبارك والإخوان واتهامه الجماعة باستغلال الدين لتطوير "أفكارها الهدامة"، ورد الجماعة الشديد عليه ومهاجمته، ووصف عصام العريان التصريحات بأنها "محض هراء وإفلاس" وأنها تهدف لإرضاء الغرب، وقبلها مهاجمة الجماعة لرفضها سيناريو توريث الحكم.

كانت حكومة أحمد نظيف قد اتخذت قرارا ببيع بنك القاهرة، ثالث أكبر بنك حكومي في مصر من حيث الحجم، وتكرار تجربة بيع بنك الإسكندرية والذي كان يصنف على أنه رابع أكبر بنك حكومي واشتراه بنك إنتيسا سان باولو الإيطالي في أكتوبر 2006.

كان صيف 2008 ساخنا حيث قرار ثالث أكبر بنك عام في مصر والتوسع في تطبيق سياسة النيوليبرالية المتوحشة

في ذلك الوقت قررت الحكومة بيع بنك القاهرة في مزاد عالمي وعلني، وأعلنت عن ذلك بشكل مفاجئ متذرعة بأن البنك الحكومي يواجه مشاكل مالية وأزمة تعثر بسبب توقف عدد من كبار عملائه عن سداد المديونيات المليارية المستحقة عليهم، بل وهروب العديد منهم إلى خارج البلاد خوفا من الملاحقات القضائية والسجن.

بالفعل دعت الحكومة البنوك والمؤسسات المالية العربية والعالمية المهتمة بالصفقة إلى التقدم بعروض شراء، وشكلت لجنة من كل الجهات الرقابية للإشراف على عملية البيع وفحص العروض المالية والفنية، وإعداد قائمة مختصرة يجري اختيار أفضلها بناء على السعر والقيمة المصرفية المضافة.

قالت الحكومة وقتها إنها تتوقع بيع 67% من أسهم بنك القاهرة مقابل حصيلة نقدية لا تقل عن 1.6 مليار دولار، وهي نفس حصيلة بيع 80 في المئة من أسهم بنك الاسكندرية.

وسط تلك الاستعدادات السريعة لبيع بنك القاهرة الذي تأسس في مايو 1952، هز الوسط السياسي والاقتصادي خبر من العيار الثقيل وهو أن المشير محمد حسين طنطاوي وزير الدفاع في ذلك الوقت رفض بيع البنك، واتهم نظيف وحكومته بالعمل على بيع أصول الدولة والتفريط في قطاعاتها الاستراتيجية وذلك خلال جلسة لمجلس الوزراء عقدت في القرية الذكية.

لم يتم إعلان خبر الرفض رسميا وعب وسائل الإعلام في ذلك الوقت، ولم ينشر أي خبر عن اتهام المشير أعضاء حكومة نظيف والمحيطين بنجل الرئيس مبارك بالعمل على بيع البلد، بل علمت به شخصيا من قيادات اقتصادية ومصرفية مرموقة كانت تشرف على صفقة البيع. وأثبتت التطورات بعد ذلك صدق الرواية.

ساعتها ارتبكت الحكومة واختلطت أوراقها، فالرجل الثاني في مجلس الوزراء وممثل المؤسسة العسكرية الأول رفض عملية بيع بنك القاهرة، ورسالة المشير طنطاوي كانت شديدة اللهجة ووصلت بالفعل للحكومة ورئاسة الجمهورية وكل الجهات المسؤولة في الدولة، وبالتالي لا بد من الخروج بموقف محدد يحفظ ماء وجه نظيف وفريقه الاقتصادي.

المشير حسين طنطاوي رفض بيع البنك العام، واتهم نظيف وحكومته بالعمل على بيع أصول الدولة والتفريط في قطاعاتها الاستراتيجية

إما السير في إجراءات البيع وفق خطة الحكومة، أو التراجع عنها مع زيادة الضغوط والتي بدأت تصل إلى الرأي العام، كان القرار غير المعلن هو السير شكليا في إجراءات الصفقة، على ألا يتم إبرامها مهما كانت قيمة العرض.

تم نشر إعلانات بيع بنك القاهرة في الصحف والمواقع العالمية، وتلقت الحكومة بالفعل عروضا مالية ضخمة، إذ عرض البنك الأهلي اليوناني شراء أسهم بنك القاهرة كاملا مقابل 2.025 مليار دولار. ويتراجع الرقم إلى 1.36 مليار دولار إذا اشترى الحصة المعروضة وهي 67%.

تجاوز عرض أكبر بنوك اليونان عروضا أخرى مقدمة من بنك المشرق الإماراتي الذي قدر قيمة بنك القاهرة بمبلغ 1.3 مليار دولار، وتحالف مصرفي مكون من البنك العربي الأردني والبنك العربي الوطني قدرت القيمة بمبلغ 1.2 مليار دولار.

ورغم تلك العروض ألغت الحكومة صفقة بيع بنك القاهرة بحجة ضعف العروض المقدمة، وأغلقت الباب أمام عملية البيع باستثناء فترات كانت تخرج من وقت لآخر معلنة عن خطة لإعادة بيع البنك عقب دمجه في بنك مصر، لكنها لم تتخذ خطوات جدية في هذا الشأن طوال السنوات الماضية.

الآن، وبعد مرور 15 سنة على تأجيل صفقة بيع ثالث أكبر بنك في مصر تعود الحكومة بخطة جديدة لبيعه أملا في حصد سيولة دولارية تمكنها من سداد بعض الأعباء الخارجية المستحقة سواء أعباء الدين الخارجي أو فاتورة الواردات.

لكن الظروف اختلفت كثيرا سواء من حيث التوقيت، وأسلوب البيع، أو القيمة المقدرة، أو البنوك العالمية والعربية الراغبة في دخول السوق المصري. فالحكومة تستعد هذه المرة لبيع 49% من أسهم بنك القاهرة في البورصة المصرية ما بين طرح عام وخاص لمؤسسات مالية قبل نهاية العام الجاري. كما بدأت الحكومة في تجهيز البنك بتقييم مبدئي يتراوح ما بين 550 و600 مليون دولار.

التعويم المتواصل للجنيه وهروب الأموال الساخنة من الدول النامية والظروف التي يمر بها الاقتصاد العالمي قد يؤثر بشكل ما على صفقة بيع بنك القاهرة

وبالطبع، فإن التعويم المتواصل للجنيه المصري، وضعف السيولة داخل مصر، والظروف الصعبة التي تمر بها البورصة المصرية، وهروب الأموال الساخنة من الدول النامية ومنها مصر، والظروف التي يمر بها الاقتصاد العالمي من تشدد نقدي ورفع متواصل لسعر الفائدة قد يؤثر بشكل ما على صفقة بيع بنك القاهرة.

فهل تنجح عملية بيع بنك القاهرة هذه المرة، أم يتم تأجيل بيع البنك الحكومي الذي يصنف على أنه واحد من أكثر البنوك العامة ربحية في مصر، ولعب دورا كبيرا في دعم الاقتصاد المصري وقطاعات السياحة والصناعة والتجارة على مدى أكثر من 70 سنة.

المساهمون