في الوقت الذي تنتظر فيه الأسواق المالية، اليوم الخميس، قرارات لجنة السياسة النقدية في بنك إنكلترا (البنك المركزي في المملكة المتحدة) حول السياسات النقدية ومعدل الفائدة، تسود حالة من الجدل والترقب في الأوساط الاقتصادية حول ما سيتمخض عنه اجتماع اللجنة، وإلى أي مدى ستستمر سياسة التشدد النقدي التي ينتهجها البنك المركزي في المملكة المتحدة، خاصة بعد صدور بيانات التضخم البريطانية المفاجئة والتي كانت لها انعكاسات على الأسواق.
وبهذا الصدد، ذكرت صحيفة ذا غارديان البريطانية، في تقرير لها، أنّ بنك إنكلترا يواجه اليوم قراراً حاسماً بشأن أسعار الفائدة بعد انخفاض غير متوقع في التضخم في المملكة المتحدة الشهر الماضي، حيث تراهن الأسواق المالية على أنّ البنك المركزي قد يترك تكاليف الاقتراض دون تغيير للمرة الأولى منذ عامين تقريباً.
وأظهرت بيانات رسمية، أمس الأربعاء، أنّ التضخم السنوي لأسعار المستهلكين في بريطانيا انخفض على غير المتوقع، إلى 6.7% في أغسطس/ آب الماضي، وذلك قبل يوم من القرار المتوقع لبنك إنكلترا برفع أسعار الفائدة مرة أخرى أو إبقائها كما هي عليه.
وذكرت الصحيفة، أنه وفي أسبوع عصيب بالنسبة للاقتصاد، أدت أرقام أغسطس/ آب الصادرة عن مكتب الإحصاءات الوطني البريطاني، الأربعاء، إلى إعطاء الأسواق المالية فرصة تزيد عن 50% لإبقاء البنك المركزي على أسعار الفائدة دون تغيير اليوم.
التضخم على ارتفاعه
من جانبها، رحبت حكومة رئيس الوزراء ريشي سوناك بأحدث الأرقام، وكان رئيس الوزراء البريطاني قد وعد بخفض التضخم إلى النصف هذا العام قبل الانتخابات المتوقعة في عام 2024.
وقال وزير المالية البريطاني جيريمي هانت "تظهر أخبار اليوم أن خطة التعامل مع التضخم ناجحة، بكل وضوح وبساطة".
وأضاف هانت: "لكن التضخم لا يزال مرتفعاً للغاية، ولهذا السبب من المهم للغاية الالتزام بخطتنا لخفضه إلى النصف، حتى نتمكن من تخفيف الضغط على العائلات والشركات. وهو أيضا الطريق الوحيد لتحقيق نمو أعلى بشكل مستدام".
وأشارت "ذا غارديان" إلى أنّ التباطؤ في معدل التضخم السنوي في المملكة المتحدة، الشهر الماضي، يأتي وسط ضعف النمو في أسعار المواد الغذائية والانخفاضات الشهرية في تكلفة الفنادق والسفر الجوي، مضيفة أن وزير المالية البريطاني وخبراء اقتصاديين توقعوا زيادة متواضعة في التضخم تصل إلى 7 بالمائة مدفوعة بارتفاع أسعار البنزين والديزل.
ويمثل الانخفاض الأخير في قراءة التضخم من 6.8% في يوليو/ تموز، الانخفاض السادس على التوالي في المعدل الرئيسي للتضخم. ولكن هذا لا يعني أن الأسعار آخذة في الانخفاض، بل يعني أنها ترتفع بوتيرة أبطأ، بحسب الصحيفة.
ومما يسلّط الضوء على الضغوط التي تتعرض لها الأسر في المملكة المتحدة بسبب أزمة تكلفة المعيشة، ارتفعت أسعار المواد الغذائية والمشروبات بنسبة 13.6% على أساس سنوي في أغسطس، وهو أقل من ذروة معدل التضخم الذي بلغ 19.1% في وقت سابق من هذا العام ولكنه لا يزال مرتفعاً.
وقال مكتب الإحصاءات الوطني البريطاني، إنّ التأثير الأكبر على تضخم أسعار الغذاء والمشروبات كان من الحليب والجبن والبيض، حيث انخفضت الأسعار بشكل حاد بين يوليو وأغسطس لكنها لا تزال مرتفعة بنحو 15% مقارنة بالعام الماضي. كما انخفضت تكلفة الخضروات وكذلك الأسماك الطازجة والمبردة والمجمدة والمأكولات البحرية.
أثر الفائدة
وانخفض التضخم الأساسي، الذي يستثني الطاقة والغذاء، بأكثر من المتوقع، من 6.9% في يوليو إلى 6.2% في أغسطس، مدفوعا بانخفاض أسعار الخدمات. ويراقب البنك عن كثب أرقام التضخم الأساسي وقطاع الخدمات عند تحديد أسعار الفائدة.
وذكرت "ذا غارديان" أن بنك إنكلترا أشار الشهر الماضي، إلى أنه يتوقع أن يرتفع التضخم في أغسطس إلى 7.1%، قبل أن ينخفض بشكل حاد إلى نحو 5% في أكتوبر/ تشرين الأول المقبل، وهو ما سيظل أعلى من المعدل المستهدف عند 2%.
ونقلت صحيفة "فاينانشال تايمز" البريطانية في وقت سابق من هذا الشهر، تصريحاً لكاثرين مان عضو لجنة السياسة النقدية في بنك إنكلترا أكدت فيه ضرورة العمل للإبقاء على نسبة التضخم في حدود 2%.
وحذرت المصرفية البريطانية من أنّ السماح للتضخم بالبقاء فوق هدف بنك إنكلترا البالغ 2% لا يمكن التغاضي عنه، مشيرة إلى أنه كلما سمح باستمرار هذا التجاوز، زاد احتمال الخروج عن السياسة القديمة، المتمثلة في تضخم منخفض وتقلبات منخفضة وحالة مستقرة.
وأشارت الصحيفة إلى أن مثل هذه التصريحات تشير إلى أنه سيكون هناك نقاش حول ما إذا كان سيتم رفع تكلفة الاقتراض في الاجتماع المقبل للجنة السياسات النقدية لبنك إنكلترا المكونة من تسعة أعضاء اليوم.
ونقلت الصحيفة البريطانية عن كاثرين مان قولها: "نحن بحاجة إلى التواصل والتصرف بناء على التزامنا للقيام بما هو ضروري لتحقيق هدف 2%، عاجلًا وليس آجلاً"، مضيفة أن بنك إنكلترا يمكنه بسهولة التراجع عن رفع معدلات الفائدة إذا ارتفعت أكثر من اللازم.
وأوردت الصحيفة عن مان معارضتها التصريحات الأخيرة لكبار أعضاء لجنة السياسة النقدية بأن بنك إنكلترا يقترب من ذروة أسعار الفائدة، وأنه في سبيله للإبقاء عليها عند مستواها الحالي البالغ 5.25%.
يذكر أن هيو بيل، كبير الاقتصاديين في بنك إنكلترا، أعلن الشهر الماضي أنه يفضل إبقاء أسعار الفائدة قريبة من المستويات الحالية لفترة أطول، بدلاً من رفعها أكثر.
ومثل البنوك المركزية الأخرى في جميع أنحاء العالم، رفع بنك إنكلترا أسعار الفائدة بقوة على مدى العامين الماضيين، في إطار سعيه لمواجهة ارتفاعات الأسعار التي أججتها مشكلات سلسلة التوريد خلال جائحة فيروس كورونا ثم الحرب في أوكرانيا. وبلغ التضخم ذروته عند 11.1% في أكتوبر 2022.
(قنا)