- السياسات الحالية تعيق التقدم في مجال السيارات الكهربائية وتعزل السوق الأمريكية عن التطورات العالمية، خصوصًا مع تقدم الصين في هذا المجال بتقديم سيارات كهربائية متقدمة وبأسعار معقولة.
- التحديات الراهنة تجعل المستهلكين الأمريكيين الخاسرين الرئيسيين، حيث تتلاشى الوعود بتوفير سيارات كهربائية نظيفة ومبتكرة بأسعار معقولة أمام الواقع الصعب الذي تواجهه الصناعة.
يبدو أن صناعة السيارات الكهربائية الأميركية تتجه إلى الهاوية بسبب الرسوم الجمركية التي تفرضها إدارة الرئيس جو بايدن، إضافة إلى أسباب أُخرى، وفقاً لتحليل أوردته شبكة بلومبيرغ قبل أربعة أيام، مؤكدة أن أميركا تتخلى عن المركبات الكهربائية بحسب سياساتها المعتمدة، ومشيرة إلى خطوة مخيبة للآمال بالنسبة لبلد أنتج تعطشه الرأسمالي سابقاً صناعة السيارات الحديثة.
ويعتقد كاتب التقرير دايفد فيكلينغ أن "أميركا تستسلم في مواجهة التحدي الأكبر في القرن الحادي والعشرين"، مشيراً إلى أنه قبل 18 شهراً فقط، كان الرئيس بايدن يحتفل بإقرار قانون خفض التضخم المسمّى اختصاراً "IRA" الذي يخصّص 500 مليار دولار لتنشيط الاقتصاد الأميركي وبدء التحوّل إلى قطاع سيارات وطاقة خال من الانبعاثات.
وتعقيباً على قول بايدن حينها: "سنتخذ الإجراء الأكثر جرأة على الإطلاق لمواجهة أزمة المناخ وزيادة أمن الطاقة لدينا. فشركات السيارات الأميركية والعمالة الأميركية تلتزم بمليارات الدولارات وقدر كبير من العمل الشاق والبراعة لصنع السيارات الكهربائية والبطاريات"، يعتبر تقرير بلومبيرغ أن "روح التفاؤل بالقدرة على القيام بذلك تبدو ذكرى بعيدة جداً في الوقت الحاضر".
وقد ذكرت وكالة "بلومبيرغ نيوز"، السبت الماضي، أن شركة "فورد موتور" تخفض الطلبيات من موردي البطاريات كجزء من خطة لخفض إنفاقها على السيارات الكهربائية بمقدار 12 مليار دولار. ونقلت عن مصدر إشارته إلى خسائر قدرها 100 ألف دولار لكل سيارة، وهو رقم مشكوك فيه، برأي الكاتب، وإن كان متكرراً كثيراً. وقد فشلت "جنرال موتورز" في تحقيق أهدافها المتعلقة بكهربة السيارات لمدة عامين على التوالي. فالشركة التي كانت تطمح إلى إنتاج واحدة من كل خمس سيارات على مستوى العالم، حوّلت أقل من 76 ألف سيارة كهربائية في العام الماضي، أي ما يعادل واحدة من كل 200 سيارة من أصل 14 مليون سيارة بيعت في جميع أسواق العالم.
كما قررت شركة "تسلا" خفض 10% من قوتها العاملة وحل فريق وحدة "سوبرتشارجر" Supercharger الذي تعتمد عليه صناعة السيارات الكهربائية الأميركية بأكملها لتوفير خيارات التزوّد بالوقود أثناء التنقل من خلال شواحن "تسلا". وأدى ذلك إلى انخفاض سهمها بنسبة 32% منذ بداية العام حتى الآن، علماً أن مبيعات السيارات الكهربائية في الولايات المتحدة ارتفعت في الربع الأول بنسبة 2.6% فقط عن العام السابق، وهو رقم بعيد كل البعد عن المعدلات البالغة 81% و46% في نفس الفترتين من عامي 2022 و2023.
وفي الوقت نفسه، فإن المكان الوحيد على هذا الكوكب الذي يبدو أنه ينتقل بسلاسة إلى السيارات الكهربائية مع السيارات المدمجة التي يقل سعرها عن 10 آلاف دولار وسيارات السيدان الرياضية اللامعة التي يقل سعرها عن 30 ألف دولار، جرى عزله عن أسواق التصدير الرئيسية، مع إعلان بايدن رسوماً جديدة على التكنولوجيا النظيفة الصينية، مع إشارة صحيفة "وول ستريت جورنال"، يوم الجمعة الماضي، إلى أن المحور الرئيسي يتمثل بزيادة الرسوم على المركبات الكهربائية بمقدار أربعة أضعاف لتصل إلى 100%.
ويلاحظ تقرير بلومبيرغ أنه في تعافيها الطويل من الانهيار المالي الذي شهده الاقتصاد الأميركي عام 2008، تركت ديترويت تدريجياً الشركات الدولية التي جعلتها رائدة على مستوى العالم. فكانت أقسام شركة "فورد" خارج أميركا الشمالية تمثل ثلث أصولها عام 2008. وفي العام الماضي تضاءلت هذه الأصول إلى أقل من 15%.
كما باعت "جنرال موتورز" العلامات التجارية الأوروبية التي كانت موجودة منذ عشرينيات القرن الماضي إلى مجموعة العلامات التجارية المزدهرة "ستيلانتيس" Stellantis NV. وبسبب الرسوم الجمركية والخوف من التحوّلات المؤلمة التي تتطلبها كل من الكهرباء والمنافسة الصينية، تشير بلومبيرغ إلى رغبة العديد من المسؤولين التنفيذيين في الاعتقاد بأن التحوّل في مجال الطاقة برمّته "كان مجرّد حلم سيئ".
وهذه الأرقام التي نوقشت كثيراً، والتي تبلغ خسائرها 100 ألف دولار أو أكثر لكل مركبة، هي مثال جيد على ذلك. فهذا الرقم مزيّف، بحسب الشبكة الأميركية، لأنه يعتمد على إحدى القواعد المحاسبية الأميركية التي تعني أن التكلفة عن مرة واحدة يتم التعامل معها على أنها نفقات سنوية مستمرة، ثم يتم تقسيمها على مبيعات السيارات الكهربائية الأميركية الباهتة لعام 2024. وبرأي الكاتب، فإنه "من السخافة التصرف كما لو أن تمويل الإنفاق على البحث والتطوير لن يقدم أي فائدة لعشرات الملايين من السيارات الكهربائية الأميركية التي ستُباع على مدى العقود القادمة".
وتخلص بلومبيرغ في ختام تحليلها إلى خلاصة مفادها أن المستهلكين الراغبين في الحصول على سيارات نظيفة ومبتكرة بأسعار معقولة "سيكونون هم الخاسرين". ذلك أن بايدن أعلن عندما أقر قانون خفض التضخم أن "الشعب الأميركي فاز"، في حين يتأكد يوماً بعد آخر أن ما يحدث هو العكس.