قالت وكالة "بلومبيرغ" إن قلقا يسود أوساط المستثمرين، وسط ارتفاع مخاطر تخلف مصر عن سداد الديون خشية تكرار نموذجي سريلانكا وروسيا.
وأضافت الوكالة في تقرير منشور، اليوم الإثنين، أن مصر أصبحت أحدث رمز للمعاناة التي تجتاح الدول الفقيرة على خلفية ارتفاع التضخم وارتفاع فوائد القروض وتراجع النمو العالمي.
ويراقب المستثمرون الوضع في مصر عن كثب، خشية تكرار تجربتي سريلانكا وروسيا في تخلفهما عن سداد مستحقات السندات.
وأشارت الوكالة إلى أن ما يدعم هذه المخاوف هو زيادة احتمالات فشل الحكومة المصرية في سداد الديون في عام واحد إلى أعلى مستوياتها منذ عام 2013، والأسوأ في المنطقة.
كما انخفض طلب المستثمرين على شراء السندات المصرية بأعلى مستوى منذ أكثر من عقدين، وفقًا لبيانات جيه بي مورغان تشيس وشركاه، وانخفض الجنيه إلى أضعف مستوى منذ التخفيض المفاجئ لقيمة العملة عام 2016، ليصل إلى 19.24 جنيها للدولار بانخفاض نحو 22% عن مارس /آذار الماضي، في الوقت الذي تتوقع فيه أسواق العقود الآجلة أن تنخفض العملة المحلية بنسبة 22% خلال العام المقبل.
لكن الوكالة أشارت أيضا إلى وجود بعض مؤشرات الاستقرار هذا الشهر، باعتبار أن رئيس البنك المركزي الجديد حسن عبد الله سبب فاصل للتفاؤل إلى جانب المحادثات الجارية مع صندوق النقد الدولي.
مخاوف متزايدة
ومع ذلك، وفقا للوكالة، فإن المخاوف من أن تفشل الدولة العربية الأكثر اكتظاظًا بالسكان في الوفاء بديونها ستظل في صدارة أذهان المستثمرين حتى يتضح أن مصر ستخفض قيمة عملتها وستكون حزمة صندوق النقد الدولي كبيرة بما يكفي لسد فجوة التمويل.
وقالت كالي ديفيس، الخبيرة الاقتصادية في "أكسفورد إيكونوميكس أفريكا": "لتفادي التخلف عن سداد الديون، ستحتاج مصر إلى دعم خارجي إضافي، لا سيما في سياق عجز الحساب الجاري المتضخم وتدفقات رأس المال الضعيفة".
وأضافت أنه "إذا كانت مصر غير قادرة على تأمين مزيد من التمويل الخارجي، فإن مخاطر التخلف عن سداد الديون ستزداد بشكل كبير".
وتبلغ نسبة ديون مصر إلى الناتج المحلي الإجمالي حوالي 94٪، كما تواجه استحقاقات بالسداد بأكثر من 5 مليارات دولار من الأوراق المالية المقومة بالدولار واليورو في الربع الرابع و9 مليارات دولار أخرى تستحق في عام 2023، وفقًا لبيانات بلومبيرغ.
وقال زياد داود، خبير الأسواق الناشئة لدى الوكالة، إن مصر بحاجة حاليا إلى نحو 41 مليار دولار لتغطية مدفوعات الديون وعجز الحساب الجاري حتى نهاية عام 2023.
قرض الصندوق يصنع الفرق
قد يكون الدعم من صندوق النقد الدولي هو صانع الفارق، جنبًا إلى جنب مع احتياطيات النقد الأجنبي في البلاد.
ففي حين انخفض صافي الاحتياطيات الدولية للبنك المركزي إلى 33.14 مليار دولار في يوليو/تموز الماضي، إلا أنها لا تزال كافية لتمويل عجز الحساب الجاري والديون الخارجية في المدى القريب، كما يقول المستثمرون.
وتتوقع وكالة "موديز إنفستورز سيرفيسز" استقرار الاحتياطيات، وزيادة تدريجية مع ارتفاع الصادرات غير المتعلقة بالطاقة وانتعاش التدفقات الأجنبية الوافدة.
وقال ماثيو فوجل، مدير المحفظة في لندن ورئيس الأبحاث السيادية في "FIM Partners"، إن "مصر ليست سريلانكا - لديها احتياطي أعلى بكثير وخيارات تمويل أفضل بكثير في المستقبل".
وأضاف أن "مشكلة مصر يمكن السيطرة عليها من خلال سياسات أكثر صرامة ودعم الدائنين الرسميين".
وتكافح مصر، وهي مستورد رئيسي للغذاء، لمواجهة قفزة في أسعار الحبوب غذتها الغزو الروسي لأوكرانيا. وتعهدت السعودية ودول خلجية أخرى بتقديم أكثر من 22 مليار دولار في شكل ودائع واستثمارات، لدعم اقتصاد دولة يُنظر إليها على أنها ركيزة أساسية في العالم العربي.
تخفيض الجنيه
وبعد أيام فقط من تغيير في قيادة البنك المركزي، قال رئيس الوزراء المصري في 22 أغسطس/ آب إن البلاد تقترب من إبرام اتفاق مع صندوق النقد الدولي بشأن قرض جديد. والممول المخضرم حسن عبد الله يشغل الآن منصب رئيس البنك المركزي بالإنابة، ليحل محل طارق عامر، الذي كان يُنظر إليه على أنه داعم لاستقرار الجنيه.
ومع تفضيل صندوق النقد الدولي لسعر صرف أكثر مرونة، أدت الأحاديث حول المزيد من تخفيض قيمة العملة إلى دفع الجنيه المصري إلى أدنى مستوياته منذ ديسمبر/كانون الأول 2016 في السوق الخارجية الأسبوع الماضي. حتى بعد تخفيض قيمته بنحو 15٪ في مارس/آذار.
ويرى محللون أن العملة لا تزال بحاجة إلى مزيد من الانخفاض لتقليص فجوة التمويل في مصر.
وقال تود شوبرت، رئيس أبحاث الدخل الثابت في بنك سنغافورة: إن "صندوق النقد الدولي ليس سيناريو التخلف عن السداد أو الفشل"، مضيفا أن الصندوق "سيكون بمثابة بناء للثقة والاستفادة من أسواق السندات الخارجية بالدولار".