بعد 11 عام ثورة : اقتصاد مصر للمجهول

28 يناير 2022
يواجه المصيون تزايد مستويات الفقر (Getty)
+ الخط -

"مصر دولة متقدمة"، هكذا كان حلم الشباب وكل من شارك في ثورة يناير 2011، لذلك كثُرت مشاركات الجميع حول كيف تنهض مصر من دولة نامية، إلى مصاف الدول الصاعدة ثم المتقدمة. لكن بعد الانقلاب العسكري في يوليو 2013، ومرور 11 عامًا على ثورة يناير، أصبح الوضع الاقتصادي والاجتماعي بمصر أسوأ مما كان عليه قبل الثورة، على الرغم من الفرص الاقتصادية التي حصل عليها نظام السيسي، من مساعدات خارجية ومنح وقروض.

وبدلًا من توجيه هذه المساعدات والقروض لرفع إنتاجية قطاعي الصناعة والزراعة، تم تبديد هذا الموارد، في توسعة قناة السويس، بلا ضرورة، وكذلك الخروج لمشروعات الكباري والأنفاق والطرق، دون حاجة تنموية مُلحة.

فالبنية الأساسية يتم إنشاؤها أو التوسع فيه، في ضوء التخطيط العمراني، وإلا تحولت مشروعات البنية الأساسية إلى عبء على كاهل الاقتصاد.

وكمثال وحيد فقط على سوء إدارة الموارد، معاناة الحكومة الآن، من التزاماتها تجاه شركة سيمنس الألمانية، التي نفذت محطات للكهرباء، من خلال قروض بنحو 10 مليارات دولار، حيث أدى وجود هذه المحطات وتشغيلها بالكامل، إلى تحقيق فائض من إنتاج الكهرباء، تعجز مصر عن تسويقه بسعر اقتصادي، ولذلك تضطر لبيع الفائض لدول أخرى، بسعر أقل من التكلفة، أو على الأقل أدنى من السعر الذي تباع به الكهرباء محليًا.

ثمار مُرة

ارتفعت حصيلة الضرائب من 305 مليارات جنيه في عام 2014/2015، إلى مستهدف في 2021/2022 بنحو 983 مليار جنيه، وكذلك ارتفعت الديون المحلية من 1.8 تريليون جنيه عام 2014/2015 إلى 4.7 تريليونات في 2021، وأيضًا الدين الخارجي ارتفع من 48 مليار دولار في 2014 إلى 137 مليار دولار في 2021.

ومع ذلك زاد الفقر، ليصل إلى 29.8% من السكان، ويذهب البنك الدولي إلى أن 60% من المجتمع المصري إما فقراء، أو معرضون للفقر، بسبب تقليص الدعم بصورة كبيرة، ورفع أسعار السلع والخدمات الحكومية. كما تغيب الخدمات الضرورية للسكان، فهناك 64% من سكان الريف بمصر لا يحصلون على خدمات الصرف الصحي الآمن.

أما عن التعليم، فهو لا يحظى باهتمام السلطة في مصر، والتي عبر عنها السيسي بمقولته "يعمل إيه التعليم في وطن ضايع"، كما صرح نائب وزير التعليم في مجلس النواب، بأن مصر لديها عجز في المعلمين يبلغ 320 ألف معلم، وعجز بالفصول الدراسية يصل إلى 250 ألف فصل، ومع ذلك نرى الإنفاق غير الرشيد للحكومة من مواكب الموميات أو طريق الكباش، أو مؤتمرات الشباب.

الأزمة التمويلية

تأتي الأزمة التمويلية لمصر من مصدرين أساسيين، الأول عجز الموازنة العامة للدولة، والبالغ 475.5 مليار جنيه بموازنة 2021/2022 (ما يعادل 30.1 مليار دولار)، ولذلك تضطر الحكومة لتدبير هذا العجز من الاقتراض المحلي بنحو 18 مليار دولار، وكذلك اللجوء للاقتراض الخارجي بنحو 12 مليار دولار.

معالجة الحكومة للأزمة التمويلية تأتي في إطار شديد التقليدية، بلجوئها لتدوير القروض، أو استهلاك القروض الجديدة بالقروض القديمة

والمصدر الثاني للأزمة التمويلية، هو عجز ميزان تجارة السلع والخدمات، حيث تشير بيانات عام 2020/2021 إلى وجود عجز بقيمة 582 مليار جنيه (ما يعادل 36.9 مليار دولار)، ولن يكون هناك علاج لهذا العجز إلا بزيادة مصر لإنتاجها من كافة السلع والخدمات، وبما يؤدي إلى زيادة نسبة الاكتفاء الذاتي، فضلًا عن التوجه للتصدير.

ومعالجة الحكومة للأزمة التمويلية تأتي في إطار شديد التقليدية، بلجوئها لتدوير القروض، أو استهلاك القروض الجديدة بالقروض القديمة، ولذلك تبعاته، من حرمان الأجيال الحالية من توفير الخدمات بشكل جيد، وتحميل الأجيال القادمة أعباء الديون الحالية.

زيادة معدلات الفساد

أتى ترتيب مصر في المرتبة 117 من بين 180 دولة، وذلك وفق بيانات مؤشر مدركات الفساد لمنظمة الشفافية الدولية، لعام 2020، وكانت مصر تحتل المرتبة 106 عام 2019.

ورصد تقرير لمنظمة الشفافية، عدة ممارسات تتسم بالفساد من قبل مصر في القروض التي حصلت عليها، من صندوق النقد الدولي، لمواجهة جائحة كورونا، منها: أن النظام المصري تعمد إضعاف القضاء، ودللوا على ذلك بقيام نظام السيسي بتعديل قانوني يسمح له بعزل رئيس الجهاز المركزي للمحاسبات، وذلك من أجل الإطاحة بالمستشار هشام جنينة.

والمخالفة الثانية، أن حكومة مصر طلبت من صندوق النقد تأجيل نشر بيانات القرض والتقرير الخاص بها لعدة أشهر، بينما المتعارف عليه أن يتم النشر خلال أيام بعد تقديم القرض، ولم تقم الحكومة المصرية بنشر البيانات الكافية لبيان كيف تصرفت في الأموال التي حصلت عليها من صندوق النقد.

والمخالفة الثالثة التي رصدها تقرير منظمة الشفافية، أن ما يقوم به النظام المصري من قمع وانتقام، يحول دون مشاركة الصحافيين والسياسيين من أن يقوموا بنشر ممارسات الفساد أو الحديث عنها. وأخيرًا وليس أخيرًا، فممارسات السيسي في كثير من إدارة وإسناد المشروعات العامة، ذات التكلفة الكبيرة يتم التصرف فيها بطريقة تخالف القانون، وتفتقر للشفافية، ومنها على سبيل المثال، ما تم من إسناد طريق "دشنا" في محافظة قنا، تصل تكلفته لحوالي 2.5 مليار جنيه إلى الحاج سعيد (مقاول مصري) بتعليمات شفاهية، دون اعتبار لأنظمة المراجعة والمراقبة.

التخلف التكنولوجي

معلوم أن صادرات التكنولوجية المتقدمة لمصر، عام 2020 بلغت 343 مليون دولار فقط لا غير، وذلك حسب أرقام قاعدة بيانات البنك الدولي، علما بأن صادرات مصر السلعية في عام 2020/2021 كانت بحدود 28.6 مليار دولار، منها 8.5 مليارات صادرات بترولية.

مصر لديها كفاءات علمية، ولكن الإرادة السياسية غائبة عن توظيفها، ولا ترغب في التطوير والاستفادة منها، وهو ما يشجع على هجرة العلماء إلى الخارج

ويتضح من تواضع الصادرات السلعية لمصر، غياب القيمة المضافة العالية، إذ إن غالبية صادرات مصر السلعية من المواد الخام، والسلع التقليدية، فضلًا عن أن مصر إلى الآن عاجزة عن إنتاج خطوط الإنتاج لمصانعها، ويتم استيرادها وقطع غيارها، من الخارج.

وإن كان من الضروري القول بأن مصر لديها كفاءات علمية، ولكن الإرادة السياسية غائبة عن توظيفها، ولا ترغب في التطوير والاستفادة منها، وهو ما يشجع على هجرة العلماء إلى الخارج.

الطريق إلى المجهول

الهروب إلى الأمام، هو أهم ما يميز أداء الحكومة المصرية، فبدلًا من إفساح المجال واسعاً لقطاع الأعمال (العام والخاص) لتنشيط الاقتصاد المصري، يتم التضييق عليه لصالح شركات الجيش، ويعد ذلك أهم مظاهر غياب العدالة الاجتماعية، من خلال غياب المساواة في إتاحة الفرص، وتوحش العسكر للوصول إلى الاستيلاء على السلطة والثروة.

وعلى صعيد التراكم الرأسمالي، نجد أن الحكومة تُسرع في تصفية الشركات الصناعية العامة، أو خصخصتها بالبيع، وهو ما يتنافى مع قواعد تحقيق التنمية، التي تتطلب زيادة الأصول الرأسمالية، وفي الوقت الذي تصفي فيه الحكومة الأصول الرأسمالية العامة، نجد أن القطاع الخاص عاجز عن أن يقوم بدور إضافات موازية لما يتم بيعه.

أما ممارسات الصندوق السيادي لمصر، ومشروعاته، فهي تنذر بكارثة تتمثل في قيامه بدور التاجر، وليس صانع التنمية، ويتم تكوين معظم أصوله من أموال عامة، ولم يظهر من خلال مشروعاته المعلنة، توجه تنموي، يمكن أن يؤدي لامتلاك مصر لناتج محلي إجمالي قوي، يغنيها عن التبعية للخارج. وفي ضوء ما ذكرناه، نجد أن اقتصاد مصر بعد 11 عامًا من ثورة يناير، يتجه للمجهول. ولكن يبقى حلم مصر الصاعدة والمتقدمة تنمويًا، قائمًا لدى كل الأحرار بمصر.

المساهمون