نجحت دول الاتحاد الأوروبي مساء الاثنين في تمرير قانون الحظر الجزئي على النفط الروسي ضمن الحزمة السادسة من العقوبات الاقتصادية على روسيا. وتأمل دول الاتحاد الأوروبي عبر خطوة عقوبات النفط الروسي تحقيق هدف تجفيف منابع تمويل الآلة العسكرية لموسكو في حربها على أوكرانيا، وبالتالي التمكن من إجبارها على وقف الحرب الدامية التي تخوضها لاحتلال أوكرانيا، أوعلى الأقل احتلال شرقي البلاد وضمه إلى روسيا، كما فعلت من قبل بجزيرة القرم في عام 2014.
واستثنت العقوبات الأوروبية على النفط الروسي الخامات البترولية المصدرة عبر الأنابيب، وهو ما يتوافق مع رغبة المجر التي كانت تعارض بشدة حظر النفط الروسي كلية، وتطالب بتعويضات مالية.
وحسب تغريدة رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون ديرلاين، مساء الاثنين، ستشمل العقوبات 90% من واردات النفط الروسي لدول الاتحاد الأوروبي بنهاية العام الجاري.
من جانبه، قال رئيس المجلس الأوروبي شارل ميشيل، إن مجلس البرلمان الأوروبي سيعقد جلسة اليوم الأربعاء لإجازة الحزمة السادسة من العقوبات التي تشمل، إلى جانب حظر النفط، حظر ثلاثة بنوك تجارية كبرى، على رأسها مصرف سبيربنك الحكومي، من استخدام نظام التحويلات الدولية "سويفت".
وقال ميشيل في تغريدة على تويتر مساء الإثنين: "اتفاق حظر واردات النفط الروسي إلى أوروبا يغطي أكثر من ثلثي واردات الاتحاد الأوروبي من النفط الروسي فوراً ويمنع موسكو من تمويل ماكينة الحرب".
وتُعَدّ إيرادات النفط والغاز الطبيعي من أهم مصادر تمويل الإنفاق في الخزينة الروسية. بينما تُعَدّ دول الاتحاد الأوروبي السوق الرئيسية لصادرات الطاقة الروسية، حيث تحصل روسيا على نحو 1.1 مليار دولار يومياً من صادرات النفط والغاز لأوروبا. وحسب نشرة "إنيرجي أسبكتس" الأميركية، بلغت إيرادات روسيا من دخل الطاقة 235 مليار دولار في عام 2021.
وشملت العقوبات على النفط الروسي كذلك عقوبات على الناقلات التي تنقل النفط الروسي، وعقوبات على شركات التأمين الأوروبية التي تنقل الخامات البترولية الروسية.
في هذا الشأن، لاحظ الخبير الاقتصادي بمعهد التمويل الدولي، روبن بروكس، أن ناقلات البترول اليونانية كانت من أكبر المستفيدين من الحرب الروسية على أوكرانيا، حيث ارتفعت نسبة تشغيلها بنسبة 60% خلال الثلاثة أشهر الأولى التي تلت الحرب الروسية على أوكرانيا، أي بين مارس/آذار ومايو/أيار الماضي، مقارنة بنسبة تشغيلها البالغة 35% في ذات الشهور من عام 2021. ويقول بروكس في تغريدة على تويتر: "من الواضح أن الناقلات اليونانية حولت عمليات تشغيلها لنقل خامات البترول الروسية بعد العقوبات الغربية على موسكو".
من جانبها، قالت وكالة الطاقة الدولية في تقريرها الشهري الأخير، إن موسكو حصلت على نحو 20 مليار دولار شهرياً من مبيعات الخامات البترولية ومشتقاتها خلال العام الجاري.
ويقدّر معهد بروغيل للدراسات الاستراتيجية في بروكسل صادرات النفط الروسي ومشتقاتها بنحو 7.6 ملايين برميل يومياً، بينما تقدرها وكالة الطاقة الدولية بنحو 8 ملايين برميل.
وتشير بيانات وكالة الطاقة الدولية إلى أن إيرادات روسيا من مبيعات النفط ومشتقاته ارتفعت بنحو 50% خلال العام الجاري.
وقالت الوكالة إن دول الاتحاد الأوروبي ظلت أكبر مشترٍ للنفط الروسي ومشتقاته خلال العام الجاري، وإن نحو 43% من إجمالي صادرات النفط الروسي استوردتها دول الاتحاد الأوروبي. وبالتالي تتوجه الانتقادات إلى أوروبا على أنها من الممولين الرئيسيين للحرب الروسية في أوكرانيا، عبر تدفق دولارات فواتير الطاقة على موسكو.
وتقدر وكالة الطاقة الدولية أن يقود الحظر الأوروبي إلى خسارة النفط الروسي لصادرات بنحو 3 ملايين برميل يومياً، مقارنة بالخسارة الحالية التي بلغت مليون برميل يومياً. ويقدر محللون أن يقود تفعيل الحظر الأوروبي على النفط الروسي إلى إغلاق المزيد من حقول البترول في روسيا، ويسبب أزمة في تخزين النفط المنتج داخل روسيا، حيث لا توجد لدى روسيا خزانات احتياطات استراتيجية مثل الولايات المتحدة أو الصين.
أسواق بديلة لأوروبا
على صعيد وجود أسواق نفطية بديلة للأسواق الأوروبية، يرى محللون أن خسارة الشركات الروسية للسوق الأوروبية ستعني أنها ستقضي سنوات عديدة لبناء وسائل نقل جديدة وإنفاق مبالغ مالية ضخمة على ذلك.
ويرى خبراء كذلك أن الشركات الروسية ستواجه كذلك صعوبات في تأجير ناقلات لحمل شحنات نفطها للأسواق العالمية، حيث إن البنوك وشركات التأمين ستمتنع عن تأمين الحاويات أو إصدار خطابات اعتماد مالي للمشترين خوفاً من الوقوع في شباك الحظر الثانوي الأميركي الذي سيحرمهم التجارة في السوق الأميركية، وكذلك خوفاً من العقوبات الأوروبية التي شملت النقل البحري والتأمين على الشحنات البترولية الروسية.
وتعوّل موسكو على السوقين الصينية والهندية في تعويض خسارة السوق الأوروبية، وفقاً للتصريحات الرسمية الروسية، غير أن الخبيرة في المعهد الفنلندي للشؤون الدولية، ماريا شاغينا، تقول: "بينما سترفع كل من الصين والهند وارداتهما من الخامات البترولية، ولكن ذلك لن يكون كافياً لتعويض خسارة السوق الأوروبية".
وتضيف: "تحول شحنات النفط الروسي من السوق الأوروبية إلى آسيا لن يكون سهلاً، وسيواجه صعوبات البنى التحتية الناقلة للنفط وتذبذب الطلب وبعض المشاكل اللوجستية".
في ذات الشأن، يقول خبراء طاقة إن هنالك عدم يقين بشأن الكميات الإضافية التي تحتاجها السوق الآسيوية من الخامات الروسية، حيث إن الموردين في السوقين الصينية والهندية يعملون على تنويع مصادر الطاقة المستوردة وتربطهم علاقات قوية ببعض المنتجين في الخليج العربي، كذلك يحصلون على خامات رخيصة من إيران.
على الصعيد الهندي، هنالك مصافٍ ضخمة مشتركة مع السعودية، وتواجه نيودلهي ضغوطاً من واشنطن بعدم زيادة وارداتها من النفط الروسي بكميات تفوق واردات العام الماضي، وتشترط عليها أن تحصل على حسومات كبيرة من روسيا. يذكر أن لدى الهند مصالح تجارية ضخمة مع أميركا، وتأمل استقبال شركات التقنية الأميركية التي بدأت رحلة خروج من السوق الأميركية.
والهند من بين الدول المتحالفة مع واشنطن وبروكسل في محاصرة التمدد التجاري والتقني الصيني، ويربطها تحالف باليابان، وتتسم علاقاتها بالعداء مع بكين لدرجة الاحتكاك العسكري. وبالتالي، يبدو من غير المتوقع أن تُغضب الهند واشنطن في هذا المنعطف العالمي الخطير.
لكن في مقابل الخبراء الذين يؤيدون حظر صادرات الطاقة الروسية، هنالك من يرى أن الحظر النفطي مضر بالاقتصادات الأوروبية أكثر من ضرره بروسيا.
في هذا الصدد، ذكرت بيانات للخبير الألماني جانيس كلوغ، أن مبيعات النفط والغاز الطبيعي بلغت في إبريل/ نيسان 1.8 تريليون روبل، وفي مارس/ آذار 1.2 تريليون روبل. ويرى كلوغ في تغريدة، أن حظر الطاقة الروسية يزيد من جاذبيتها لدى المشترين، إذ إنها تعرض بأسعار رخيصة مقارنة بأسعار الخامات الشبيهة في السوق.
ويرى آخرون أن الدخل الضخم الذي حصلت عليه روسيا من مبيعات الطاقة ساهم في ارتفاع سعر صرف الروبل، وأدى إلى خفض معدل التضخم كما خفض أسعار الفائدة الروسية من معدلاتها المرتفعة في بداية الغزو.
وحتى الآن، لم يُحدث قرار حظر واردات الخامات الروسية لأوروبا اضطرابات كبيرة في السوق النفطية، حيث توقعت الأسواق حدوثه. فقد ارتفع سعر خام برنت لعقود يوليو/تموز إلى 123 دولاراً للبرميل، بينما جرى التعامل على خام غرب تكساس الأميركي الخفيف لدى 118 دولاراً للبرميل لعقود ذات الشهر، وذلك وفقاً لبيانات وكالة بلومبيرغ لأسعار الطاقة في الفترة الصباحية.
لكن مدير وكالة الطاقة الدولية "فاتح بيرول" يرى أن أوروبا قد تشهد نقصاً في الوقود هذا الصيف بسبب الضغط على أسواق النفط.
وحسبما نقلت "رويترز"، صرّح "بيرول" للمجلة الألمانية "شبيغل"، قائلاً: عندما يبدأ موسم العطلات الرئيسي في أوروبا والولايات المتحدة، سيرتفع الطلب على الوقود، وعندها يمكن أن نشهد نقصاً على سبيل المثال في الديزل أو البنزين أو الكيروسين، وخاصة في أوروبا.