وافقت لجنة الشؤون الدينية في مجلس النواب المصري، اليوم الخميس، بصفة نهائية، على مشروع قانون إنشاء صندوق الوقف الخيري، والذي أعدته حكومة الرئيس عبد الفتاح السيسي إيذاناً بالاستيلاء على أموال "الوقف الخيري" في مصر، من خلال منح وزير الأوقاف سلطة التصرف في أموال الوقف، وتوجيهها لصالح إقامة المشروعات الخدمية والتنموية والبنية التحتية، بحجة معاونة الدولة في ملف التطوير.
وقال رئيس اللجنة النائب المعين علي جمعة: "مجلس النواب يدرك مقتضيات الشريعة الإسلامية، وأحكامها جيداً، ولو خالف أحد أحكامها في مشروع القانون فإنه سيصطدم بعدم دستورية مواده من جانب المحكمة الدستورية"، مستطرداً بأن "مصر ليست دولة دينية، ولا حاجة لاقتراحات إقحام بعض المواد للتأكيد على عدم مخالفة الشريعة".
وأضاف جمعة أن المشرع الدستوري أولى اهتماماً كبيراً بتشجيع نظام الوقف الخيري والعناية بأمواله، التزاماً بأحكام الدستور المصري، والذي نص في المادة 90 منه على أن "تلتزم الدولة بتشجيع نظام الوقف الخيري لإقامة ورعاية المؤسسات العلمية، والثقافية، والصحية، والاجتماعية وغيرها، وتضمن استقلاله، وتدار شؤونه وفقاً لشروط الواقف".
من جهته، حذر وزير الأوقاف محمد مختار جمعة من خلط أموال صندوق الوقف الخيري بأموال الموازنة العامة للدولة، بقوله إن "إشراك وزارات مثل المالية والتخطيط والتنمية الاقتصادية في إدارة أموال الصندوق، سيؤدي بطبيعة الحال إلى حدوث ارتباك ومنازعات تعطل أهدافه".
وأضاف جمعة أن "استقلال صندوق الوقف الخيري بموازنته، واعتباره عملاً مجتمعياً، من شأنه جذب الاستثمارات ذاتياً لتحقيق أهدافه"، مشيراً إلى أن الاستثمار في أذون الخزانة مشروط بسداد ضريبة الأرباح، وبالتالي وافقت وزارة المالية على جميع الإعفاءات للصندوق باستثناء هذا البند.
ونص مشروع القانون على أن "ينشأ صندوق باسم الوقف الخيري تكون له الشخصية الاعتبارية، ويتبع رئيس مجلس الوزراء، ويكون مقره مدينة القاهرة، وله أن ينشئ فروعاً أخرى في جميع أنحاء الجمهورية. ويهدف إلى تشجيع نظام الوقف الخيري، لإقامة ورعاية المؤسسات العلمية والثقافية والصحية والاجتماعية، ومنها: دعم أجهزة الدولة في إقامة وتطوير المشروعات الخدمية والتنموية والبنية التحتية، وغيرها من المشروعات الاجتماعية والاقتصادية التي تُساهم في دعم الموقف الاجتماعي والاقتصادي للدولة، وفي تطوير العشوائيات، والحد من ظاهرة أطفال الشوارع والمشردين".
كذلك نص على أن "يتولى إدارة الصندوق مجلس إدارة يُشكل برئاسة رئيس مجلس الوزراء، وعضوية كل من: وزير الأوقاف (نائباً لرئيس مجلس الإدارة)، وأربعة أعضاء من الشخصيات ذات الخبرة الاقتصادية يختارهم رئيس الوزراء، وثلاثة أعضاء يختارهم وزير الأوقاف، أحدهم من داخل الوزارة، والثاني من هيئة الأوقاف المصرية، والثالث من الشخصيات العامة من ذوي الخبرة في هذا المجال".
ويضم تشكيل مجلس إدارة الصندوق أحد أعضاء الجهات أو الهيئات القضائية يرشحه وزير العدل، ويختاره المجلس الخاص للجهة أو الهيئة، وعضو في مجال إدارة المحافظ المالية يرشحه رئيس هيئة الرقابة المالية. ويصدر بتسمية أعضاء مجلس الإدارة قرار من رئيس الوزراء، يُحدد فيه المعاملة المادية لرئيس الصندوق وأعضائه.
وتعد أموال الوقف الخيري هي كلمة السر في استمرار وزير الأوقاف المصري في منصبه منذ يوليو/تموز 2013، وعدم طرح اسمه ضمن أي تعديل حكومي على مدار السنوات الماضية بخلاف أي وزير آخر، لا سيما أنه تولى الإشراف على إعداد هذا التشريع المكمل لقانون تنظيم هيئة الأوقاف، الذي صدق عليه السيسي خلال العام الماضي للاستفادة من أصول وأموال الوقف في الحد من عجز الموازنة العامة للدولة، وتمويل المشاريع الكبرى التي يتبناها السيسي، على غرار العاصمة الإدارية الجديدة.
والوقف الخيري هو حبس العين عن تمليكها لأحد من العباد، والتصدق بالمنفعة على مصرف مباح، ويشمل الأصول الثابتة، كالعقارات والمزارع وغيرها، والأصول المنقولة التي تبقى عينها بعد الاستفادة منها، كالآلات الصناعية، والأسلحة، أما التي تذهب عينها بالاستفادة منها، فتعتبر صدقة، كالنقود والطعام وغيرها.
وفي مارس/آذار 2018، أصدرت هيئة كبار العلماء في الأزهر بياناً ترفض فيه اقتراحاً تشريعياً يسمح باستغلال الدولة أموال الوقف الخيري، مشددة على أنه "لا يجوز شرعاً تغيير شرط الواقف، أو التصرف في الوقف على غير ما شرطه".
ويجمع علماء المسلمين على أنه "إذا وقف الإنسان شيئاً لزم الوقف، وانقطع حق الواقف في التصرف في العين الموقوفة، فلا يُباع، ولا يوهب، ولا يورث، وليس للواقف الرجوع في وقفه، حتى وإن احتاج إليه. ومن استولى على الوقف وباعه، فهو غاصب لهذا الوقف، حتى وإن كان هو مالكه الأصلي، قبل أن يصير وقفاً، والواجب عليه أن يرده".