أقر البرلمان اللبناني، مساء الجمعة، موازنة لبنان العامة لعام 2024، مع بعض التعديلات التي أدخلت عليها، وأدرجتها لجنة المال والموازنة النيابية، وذلك على الرغم من الملاحظات الاقتصادية التي حذرت من بنودٍ عدّة فيها مجحفة بحق المواطنين والموظفين، خصوصاً في ظل الضرائب المفروضة عليهم من دون تعويضات عادلة، أو تقديمات اجتماعية بديلة.
وبلغ مجموع النفقات في الموازنة العامة 295 ألف مليار و113 مليون و451 ألف ليرة، وهو ما يوازي 3.3 مليارات دولار أميركي (سعر صرف 89.400 ليرة للدولار، وفقاً لمتوسط السعر الفعلي للدولار المحدد على موقع وزارة المال)، بمعدّل يبلغ سبعة أضعاف لمثيلها في موازنة عام 2022.
وخُصِّصت نسبة 44.66% من النفقات، أي من مجمل الموازنة، لكل من المخصّصات والرواتب والأجور والمخصّصات الاجتماعية ومعاشات التقاعد وتعويضات نهاية الخدمة وتحويلات القطاع العام.
وفي المقابل، بلغ مجموع الإيرادات الرقم نفسه، أي بمجموع 3.3 مليارات دولار أميركي، تتوزع بين الإيرادات الضريبية، وقد بلغت نسبتها 77.8% من مجموع الإيرادات، والإيرادات غير الضريبية التي بلغت نسبتها 22.1%، بحسب ما أفادت "الدولية للمعلومات".
ومن التعديلات الجديدة التي أخذ بها مجلس النواب في الجلسة التي عقدها مساء اليوم الجمعة فرض غرامات استثنائية بنسبة 17% للمستفيدين من منصة صيرفة من غير الأفراد.
كما صدّق المجلس على ضريبة استثنائية على التجار الذين استفادوا من الدعم الذي أمّنه مصرف لبنان بنسبة مقدارها 10% من حجم الأعمال، بما فيها شركات النفط.
وقال رئيس لجنة المال والموازنة النائب إبراهيم كنعان "نأمل التأسيس على تجربة اليوم، وقد وصلتنا من الحكومة موازنة فيها عيوب كثيرة، وعملنا خلال 26 جلسة للجنة المال والموازنة على تصحيح ما أمكن فيها قدر المستطاع، والنتيجة التي وصلنا إليها في الهيئة العامة ليست عاطلة".
وأضاف كنعان بعد إقرار الموازنة "هناك ضرورة لإنجاز قطوعات الحسابات المدققة، وتحقيق التوازن المالي الحقيقي، وقد سحبنا إجازة الاقتراض من الحكومة في واحدة من الإصلاحات الأساسية التي قمنا بها، وأوقفنا السلفات، وبات الانتظام المالي والشفافية هدفاً ممكن تحقيقه".
وقال رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي: "حتماً إن هذه الموازنة ليست الموازنة المثالية في الظروف الطبيعية، لكنها موازنة تتماهى مع الظروف الاقتصادية والأمنية والاجتماعية والدولية التي يمرّ بها لبنان، من دون أن ننسى المناخات السلبية الإقليمية التي أثرت على مجمل الحركة في البلد، وحرمت الدولة الكثير من الموارد والإيرادات".
وأضاف "مشروع قانون موازنة 2024 الذي نناقشه يعالج أولويات الحكومة، ويؤسس لبدء التعافي من أثر الأزمات الخانقة التي عاشتها البلاد في السنوات الأخيرة، واستكمال ما جرى تحقيقه مع موازنة 2022 لناحية توحيد سعر الصرف، وتعزيز الواردات وإزالة الضغوط التمويلية عن المصرف المركزي، وذلك تمكيناً للاستقرار المالي والنقدي الذي توصّلنا إليه تدريجياً خلال العام المنصرم، رغم الظروف السياسية والأمنية الداخلية والإقليمية المعاكسة. فالاستقرار في سعر الصرف مؤخراً ناتج عن زيادة واردات الدولة وسحب السيولة من الأسواق، وكذلك امتناع مصرف لبنان عن ضخ السيولة في الأسواق".
وأشار ميقاتي إلى أننا "استطعنا وقف الانهيار وبدأنا بالتعافي الجاد، ولدينا في الحساب 36 في مصرف لبنان أكثر من 100 ألف مليار ليرة نقداً، ولدينا أكثر من مليار دولار، منها 150 مليون فريش، بالإضافة إلى 850 مليون دولار".
وتابع "صحيح أن هناك حاجة إلى إصلاحات بنيوية في عدة مجالات، كالتهرب الضريبي، ومحاربة التهريب، والفساد، وتحديث بعض القوانين التي مضى عليها الزمن، ولكن هذه الإصلاحات الهيكلية لا تُعطي نتيجة في المدى القريب، بل في المديين المتوسط والبعيد". وأضاف "ولكن في هذه الأثناء هناك ضرورة للإنفاق على الرواتب والأجور والقطاعات الاجتماعية، كالصحة والتعليم ومُعالجة مسألة الفقر، وهذه القطاعات في حاجة إلى أكبر نسبة من الإيرادات التي وردت في مشروع قانون النفقات الاستثمارية".
ويشير الباحث في "الدولية للمعلومات"، وعضو المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي في لبنان، صادق علويّة لـ"العربي الجديد"، إلى أن لجنة المال اعتمدت مبدأ اعتبرت أنه موحّد لمضاعفة جميع الرسوم بنسبة 46 ضعفاً، وهذا المبدأ لم يكن موفقاً، إذ إن بعض الرسوم كان يجب رفعها بنسبة أكبر، ولا سيما تلك التي تؤثر على البيئة أو الصحة، في حين كان ينبغي تخفيض رسوم أخرى تطاول المواطنين الفقراء.
وأردف "حتى لو جرى إلغاء رسوم وضرائب سبق أن اقترحتها الحكومة بموازنة 2023 أو مشروع موازنة 2024، إلّا أن بعض الرسوم جاء مخفّفاً على الجهات المقتدرة".
ويلفت علويّة أيضاً إلى أن الموازنة لا تعتمد سعر صرف، بل تتضمن أشكالاً مختلفة من الأرقام، مشدداً على أن الموازنة تستهدف تعويضات الإجراء الذين يصرح عنهم أرباب العمل بأنهم يتقاضون رواتبهم بالدولار الأميركي.
من جهتها، فندت "المفكرة القانونية" مخالفات دستورية جسيمة تضمنتها الموازنة، منها عدم إرسال مشروع قانون يتعلق بقطع الحساب عن عام 2022، وتضمين الموازنة تسوية ضريبية سبق وأن أبطلها المجلس الدستوري، وتضمينها أيضاً عشرات المواد التي تخرج عما يجب أن يتضمّنه القانون، وهي المواد التي تسمى بفرسان الموازنة، لكونها دخيلة عليها بحكم أنها لا تتصل بالإيرادات والنفقات المتوقعة والنصوص المؤثرة بها.
وقد تعمّم هذا التوجه بما يتصل برسم الانتقال والضريبة على الأملاك المبنية، وضريبة على الأرباح التجارية والصناعية والمهنية، فضلاً عن الضريبة على الرواتب والأجور. إلا أن اعتماد هذه المضاعفة على أساس سعر السوق لم يترافق مع اعتماد صريح لسعر الصرف نفسه في احتساب المبالغ المقبوضة بالعملة الأجنبية، إنما ترك مشروع الموازنة مجالاً لإعمال أسعار صرف مختلفة، بما يتصل بهذه الرسوم والضرائب.