يواجه لبنان أزمة اقتصادية خطيرة جداً وضعها البنك الدولي، في آخر تقاريره، ضمن أكثر ثلاث أزمات حدّة في العالم منذ منتصف القرن التاسع عشر. ومؤشرات الانهيار متعددة وكثيرة، أبرزها التراجع الكبير في سعر صرف الليرة اللبنانية من 1500 للدولار إلى حوالي 13 ألف ليرة اليوم الخميس.
أيضاً من المؤشرات بطبيعة الحال، ارتفاع صاروخي في نسبة التضخم، وهبوط حاد في حجم سوق العمل، وصعود كبير في مستويات الفقر والعوز والهجرة. ويترافق كل ذلك مع تعنت السلطات التنفيذية والتشريعية، وتهالك السلطات القضائية، واستشراس السلطة النقدية في "هضم حقوق المواطنين والمودعين".
وتجر السلطة اللبنانية بكافة أركانها البلد إلى مسار صعب للغاية، بعد تهريب غالبية الزعماء وكبار المتمولين دولاراتهم إلى الخارج، ما خلق فجوة كبيرة في توافر الدولار، فيما يتم احتجاز أموال صغار المودعين وأصحاب الودائع المتوسطة، وهي في جزء منها تعويضات تقاعدية ومدّخرات وضعها المواطنون في المصارف لاستخدامها خلال الأزمات.
وكان برنامج الأمم المتحدة الإنمائي قدر حجم الفساد في لبنان بنحو 9% من الناتج المحلي الإجمالي، أي ما يزيد عن 5 مليارات دولار سنوياً.
وفي تقرير حديث صدر خلال وقت سابق من العام الجاري، عن وزارة العمل اللبنانية ومنظمة العمل الدولية، ونشرته وكالة "الأناضول"، يتوقع أن تبلغ نسبة البطالة في 2021 نحو 41.4 بالمائة.
وكانت نسبة البطالة في سوق العمل اللبنانية أغلقت في 2020 عند 36.9 بالمائة، صعودا من 18.5 بالمائة في 2019، بينما بلغت 11.3 بالمائة في 2018.
وطاولت الأزمات المحلية ساعات العمل داخل شركات القطاع الخاص، إذ أظهر تقرير، صدر الثلاثاء عن البنك الدولي، أن 27 بالمائة من عمالة القطاع ضمن الدوام الكامل تحولت إلى عمل جزئي، و25 بالمائة في صفوف الإناث.
وأكد التقرير أنّ الطبقة العاملة التي تتقاضى راتبها بالليرة هي الأكثر تأثراً بالتراجع البالغ في قدرتها الشرائية. وقد أظهرت مسوحات أجراها برنامج الأغذية العالمي عبر الهاتف في أواخر 2020 أنّ 41% من الأسر يصعب عليها الحصول على المواد الغذائيّة وسدّ حاجاتها الأساسيّة الأخرى.
كذلك، سجل الاقتصاد اللبناني انكماشا بنسبة 20.7 بالمائة، وفق تقديرات حديثة للبنك الدولي، مقارنة بنمو 6.7 بالمائة في 2019، بينما تشير تقديرات 2021 إلى انكماش بنسبة 9.5 بالمائة.
وتراجعت قيمة الناتج المحلي الإجمالي في 2020 إلى 33.38 مليار دولار، من 52 مليارا في 2019، فيما يتوقع تراجعها إلى 22.2 مليارا في 2021.
وحذر التقرير من أنّ الظروف الاجتماعية والاقتصادية التي يواجهها لبنان "تخاطر بفشل وطني شامل له عواقب إقليمية وعالمية محتملة". ويرى التقرير أنّ "حجم الكساد الاقتصادي الذي يعاني منه البلد، مع عدم وجود نقطة تحول واضحة في الأفق، هو بسبب التقاعس الكارثي المتعمد في السياسة".
فيما ارتفعت نسبة الأسر التي تواجه صعوبات في الحصول على الرعاية الصحيّة من 25% إلى 36%. وما يزيد مصاعب اقتصاد البلاد أنه خدمي، إذ تشكل نسبة قطاع الخدمات من الناتج المحلي الإجمالي 77.6 بالمائة في 2020، بينما لا تشكل الصناعة سوى 13.5 بالمائة والزراعة 5 بالمائة.
وبسبب انهيار الليرة إلى متوسط 12.9 ألفا مقابل الدولار في السوق الموازية (السوداء)، مقارنة بـ 1510 ليرات لدى البنك المركزي، قفزت أسعار المستهلك لمستويات غير مسبوقة.
وتشير تقديرات البنك الدولي إلى أن التضخم في 2020 بلغ 84.3 بالمائة مقارنة بـ2.9 بالمائة في 2019، في وقت تشير تقديرات التضخم في 2021 إلى 100 بالمائة.
وأمام ارتفاع أسعار المستهلك، يرتقب أن يواصل الطلب المحلي على الاستهلاك تراجعه لمستويات هي الأدنى منذ مطلع الألفية الجديدة، بسبب ارتفاع نسب البطالة والفقر وشح وفرة السيولة، وهو ما يعرف بـ"الركود التضخمي".
وبلغ إجمالي الدين العام حتى نهاية 2020 نحو 85.4 مليار دولار، تشكل نسبته 174 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي، بزيادة 5.3 بالمائة مقارنة بـ2019، وفق تقرير عرضته "الأناضول" نقلاً عن مصرف لبنان. بينما بلغ إجمالي احتياطي لبنان من النقد الأجنبي حتى نهاية 2020 نحو 16.25 مليار دولار، بتراجع بلغت نسبته 35 بالمائة مقارنة بـ 2019.
أما الأصول الاحتياطية (النقد الأجنبي+ احتياطات الذهب) فبلغت حتى نهاية 2020 نحو 27.73 مليار دولار، إذ تملك البلاد قرابة 286 طنا من احتياطي الذهب، وفق مجلس الذهب العالمي.
وتراجعت ودائع العملاء لدى القطاع المصرفي 13.1 بالمائة خلال العام الماضي إلى 146.77 مليار دولار، مقارنة بـ168.9 مليار دولار في 2019.