انسحاب شركات الطاقة يدفع مصر لترسيم الحدود البحرية

04 يناير 2022
عمال في مصفاة غاز في الصحراء الغربية بمصر (Getty)
+ الخط -

أكد مصدر مسؤول في الهيئة العامة للبترول في مصر، انسحاب شركة "فنترسهال" الألمانية من أعمالها في خليج السويس (شرق القاهرة)، وتحديداً في حقلي "خليج الزيت" و" راس بدران"، واحتفظت فقط بحقل دسوق للغاز (وسط الدلتا شمال العاصمة)، وهي الشركة التي كانت تعمل بالشراكة مع "سوكو" المصرية (السويس للزيت) وهي إحدى شركات قطاع البترول المصري.

وقال المصدر، في تصريحات خاصة لـ"العربي الجديد"، إن انسحاب الشركة الألمانية "يمكن أن يكون جاء بسبب عدم الجدوى الاقتصادية، وذلك لأن تلك الآبار أصبحت قديمة ومتهالكة"، متوقعا أن يحدث الأمر نفسه في مناطق أخرى في مصر كما حدث مع شركة (سوكو) بحقلي "راس بدران" و"جبل الزيت".

وأوضح أن احتفاظ الشريك الأجنبي بحقل الغاز في دسوق فقط، لأن الاتجاه العالمي الآن كله في ناحية الغاز، ومصر تعتبر دولة فقيرة للبترول، وكل الحقول التي تملكها قديمة، والآبار فيها متهالكة، وأنشئت في الستينيات، ولكي يتم تجديدها فسوف تكون كلفتها عالية وستصبح غير ذات جدوى اقتصادية، ولذلك لا يوجد الآن أي شريك آخر يرغب في شراء الحصة التي تركتها شركة "فنترسهال".

ترسيم الحدود البحرية

وقال إن احتمالية حدوث هذا الأمر في مناطق أخرى في مصر، دفعت الحكومة للبحث عن بدائل أخرى، أولها السعي إلى تعيين الحدود البحرية، في البحرين الأحمر (شرق)، والمتوسط (شمال)، وهو ما حدث مع السعودية في البحر الأحمر، وقبرص واليونان في البحر المتوسط، وفي انتظار أن يحدث مع تركيا التي تسعى هي أيضاً للتقارب مع مصر في هذا المجال.

وأشار المصدر، الذي فضل عدم ذكر اسمه، إلى أن مسألة تعيين الحدود البحرية، أتاحت لمصر الدخول في مناطق جديدة للاستكشاف بواسطة شركات أجنبية، بعدما كانت تلك المناطق ممنوعة بسبب عدم تعيين الحدود البحرية، بسبب مسائل سياسية.

وقال: "الآن لدى مصر مناطق جديدة للاستكشاف سواء في البحر الأحمر أو المتوسط، وهناك أكثر من منطقة الآن حصلت فيها مزايدات في البحر الأحمر، ودخلت شركات وتم الاكتشاف فيها".

وبالنسبة للشريك الألماني "فنترسهال" الذي انسحب من أعماله في خليج السويس، أكد المصدر أن الهيئة العامة للبترول لم تجد بديلًا عنه، وأصبحت الحقول الآن تحت إشراف الهيئة بشكل كامل، ولم يعد هناك شريك، لأنه لا يوجد شريك يرغب في الشراء، مضيفًا أنه كانت هناك مفاوضات مع رجل الأعمال المصري صلاح دياب لشراء الحصة، لكن الصفقة فشلت، وأصبح المشروع تابعاً للهيئة، وأصبح قطاعاً عاماً مثله مثل الشركة العامة للبترول.

وتابع المصدر أنه "حتى لو الشركة الأجنبية لديها مشاكل داخلية، فكان من الممكن أن تُدخل شريكاً آخر يشتري حصتها، ولكن لا يوجد أحد يرغب في ذلك، وهذه الحالة حدثت أيضاً في شركة عجيبة وهي إحدى شركات قطاع البترول، والتي انسحب الشريك الأجنبي منها واشترى حصته رجل الأعمال صلاح دياب، وضمها إلى شركة أخرى باسم (أوسوكو)، كانت شركة صغيرة تنتج من 5 إلى 6 آلاف برميل من البحر الأحمر".

مقاولون من الباطن

وقال إن نظام العمل بالشراكة ضمن شركات مثل السويس للزيت (سوكو)، يتمثل في وجود شريك أجنبي، وتكون العمالة أغلبها مصرية والمقاولون من الباطن يكونون مصريين، والشريك الأجنبي يجلب فقط موظفين للإشراف، أما الحصص فتوزع بنظام 51% للهيئة العامة للبترول و49% للشريك الاجنبي، ويكون من حق الشريك أن يبيع حصته، لكن لأي شريك آخر، مثلما حدث مع شركة "بي بي" البريطانية التي تركت حصتها في مصر عام 2020 وحلت محلها "دراغون أويل" الإماراتية.

وأكد المصدر أن العلاقات السياسية عامل مهم وفارق، فلو علاقاتك جيدة مع روسيا وأميركا وأوروبا، فمن الممكن أن تسمح لشركاتها بالعمل عندك ومساعدتك، ولو علاقتك سيئة أو تقع تحت طائلة العقوبات، فلن تتم مساعدتك".

وأشار المصدر إلى أن الشركات المصرية التي تعمل في البحر الأحمر مثل (غابكو) و(سوكو) والشركة العامة، كلها شركات قديمة والآبار التي تمتلكها كلها تقادمت، وأقصى ما يمكن عمله أن تقوم الشركات بتنمية بئر قديمة، ولتنمية البئر يجب دفع كثير من الأموال، وفي النهاية الناتج كله يمكن أن يكون ألفاً أو ألفي برميل زيادة على الأكثر، وهو ما حدث بالفعل في (غابكو).

وأضاف أنه بالنسبة للشركات العالمية، فهو "إذا لم تكن لديه الميزانية لذلك، فلن يستطيع أن يكمل، وسيبقى يعمل على الموجود وقد يكون بالنسبة له غير مفيد، ولذلك فإنه ينسحب كما حدث مع الشريك الألماني".

وأشار إلى أن عدم إقبال أي شريك آخر "على الأرجح هو لأن حقول (سوكو) لم تعد ذات جدوى اقتصادية، بمعنى أن الآبار الموجودة تهالكت، ولذلك الشركات العالمية رفضت أن تشتري".

وكشف المصدر أن الأمر نفسه كاد أن يحدث مع شركة (غابكو)، وحدث بالفعل مع "بي بي" التي انسحبت من السوق المصرية بعد أزمة تسرب الزيت في أميركا، وفرضت عليها غرامة كبيرة جداً، من قبل الحكومة الأميركية، وعندها باعت "بي بي" بعض أصولها في الشرق الأوسط مثل الحقول المصرية، وبحثوا عن شريك لفترة طويلة، ووقتها كان هناك برنامج المساعدات الإماراتية لمصر، فدخلت شركة "دراغون أويل" التابعة للحكومة الإماراتية، ووافقت على شراء حصة "بي بي"، واشترطت الحكومة المصرية أن يتم الاستكشاف وتنمية الآبار لأن الإنتاج يقل، وبناء على ذلك بدأت الشركة الجديدة في ذلك، وبدأت كل بئر تنتج ألفي برميل، إلى جانب أنها حالياً تجري استكشاف لبئرين جديدين، والبئر الواحدة تنتج 5 آلاف برميل يومياً".

إعفاء من الجمارك

وأشار المصدر إلى أن "القانون المصري يسمح للمستثمر والشركاء سواء أكانوا أجانب أم مصريين من القطاع الخاص بالحصول على إعفاء من الجمارك، على أي شيء يستورده من الخارج من أجل الاستكشاف والإنتاج، وبالتالي فهو يوفر الكثير، لكن أي شركة قطاع عام مثل مصر للبترول أو الإسكندرية للبترول تدفع جمارك على أي شيء يتم شراؤه من الخارج"، مضيفا أن "الهيئة ليست لديها شركات تعمل في مجال الاستكشاف، وأي مشروع يتم استقدام شركة خاصة لتنفيذه".

ووفق المصدر، فإن فائدة الشريك بالنسبة إلى مصر، أنه يتحمل المصروفات والمخاطرة، لأن استكشاف بئر جديدة، لها خطوات، أولاها أن تطرح الحكومة عن طريق مجلس النواب مناقصة عالمية، ثم تأتي الشركات العالمية مثل "بي بي" و"شل" و"أباتشي" التي تعمل في الاستكشاف، وتدخل المزايدة، وتفوز بها إحدى الشركات ثم تبدأ أولاً عملية "المسح السيزمي"، لكي تتوقع أن تكون المنطقة فيها زيت، ولكن بالطبع لن يتم تحديد الكمية، فمن الممكن أن تنتج البئر ألفاً أو ألفين أو عشرة آلاف برميل، وبناء على ذلك يبدأ الحفر ومن الممكن أن تخرج من البئر مياه وليس زيتاً"، وهكذا فإن الشريك يتحمل المخاطرة والخسارة، موضحاً أن تكلفة إنتاج البرميل في البحر تصل إلى 12 دولارا وفي البر 8 دولارات.

وقال إن "مصر لكي تفعل بنفسها ذلك، الموضوع مكلف جدا، ومصروفات الاستكشاف فقط عالية جداً، وتأتي بعدها مصروفات أخرى بعد أن تعمل الآبار"، مضيفًا أن "أغلب المصروفات يدفعها الشريك، ثم تسدد الهيئة بعد ذلك الجزء الخاص بها".

وتابع أن "مصر كانت مدينة بالمليارات للشركاء الأجانب في عهد وزير بترول نظام مبارك سامح فهمي عشان، ولذلك كانت الشركات ترفض العمل في مصر، أما الآن وبعددما سددت مصر الديون، عاد الاستكشاف مرة أخرى".

دعاية كبيرة لحقل ظهر

وفي سياق أهمية الشريك، أكد المصدر أن حقل ظهر للغاز في البحر المتوسط، حدثت له دعاية كبيرة مخالفة للواقع تماماً، موضحا أنه حقل قديم تم اكتشافه في عهد حسني مبارك، ورفض مجلس الشعب أن يتم العمل به لأنه سيكلف مصر الكثير إذا اشتغلت فيه بنفسها، وفي هذه الفترة لم يكن هناك شركاء أجانب لأن مصر كانت مدينة، أما الفترة الحالية، عندما قالوا إنهم اكتشفوا الحقل، فهذا كلام غير صحيح لأنه موجود منذ فترة طويلة.

وأضاف أن "حقل ظهر تقريباً ليس لمصر شيء فيه، وحصتها لا تتجاوز 20%، مع الشركاء الآخرين وبينهم بي بي البريطانية وشركات أخرى"، مضيفاً أن "الفائدة الوحيدة التي ستعود على مصر، ليست الحصول على الغاز وتصديره، كما يتم الترويج له، فلو كان الكلام الذي يقولونه صحيحا، لكان سعر الغاز الذي يصل إلى البيوت رخيصاً".

وختم قائلاً إن الفائدة الوحيدة هي "تقليل كلفة استيراد الغاز، لأن مصر ستشتري مباشرة من هذه الشركات، ويدخل الغاز في السوق مباشرة عن طريق الشبكة القومية"، مضيفًا أن "تقليل كلفة الاستيراد يحدث لأن مصر في هذه الحالة لا تستورد من دولة خارجية ولا تدفع ثمن النقل والشحن".

المساهمون