لا يكف المزارعون المغاربة في الأيام الأخيرة عن مراقبة النشرات الجوية، علها تبشر بتساقطات مطرية، تستأصل الخوف من الجفاف الذي عانوا منه في الموسم الماضي.
ورغم الدعم الذي أعلنت الحكومة عن توفيره للشعير والأعلاف، إلا أن المزارعين يعبرون عن تخوفهم من ندرة قطرات الحياة، الذي يتجلى أكثر في مستوى المياه في السدود التي بلغ عددها 141 سداً منذ ستينيات القرن الماضي.
وتظهر بيانات وزارة التجهيز والماء أن مخزون المياه في السدود حتى الثلاثاء الماضي لا يتعدى ربع قدرتها التخزينية، فقد وصل معدل ملء السدود 24.2%، مقابل 35% قبل عام، ليصل إلى 3.89 مليارات متر مكعب، مقارنة بنحو 5.63 مليارات متر مكعب.
وشغل هذا الوضع مجلس النواب، إذ وجه برلمانيون العشرات من الأسئلة لوزير الفلاحة، محمد الصديقي، الذي كانت أجوبته لا تخفي القلق الرسمي كذلك من انحباس الأمطار الذي يؤثر على معدل النمو في البلاد.
ووفق وزير الفلاحة، خلال جلسة لمجلس النواب منتصف الأسبوع الماضي، فإن الموسم الزراعي يبدأ بمخزون مياه منخفض جداً، ما يدفعه إلى وصف وضع هذا الموسم بالصعب، خاصة أنه يأتي بعد موسم جفاف استثنائي. واتخذت الحكومة مؤخراً قراراً يقضي بإعطاء الأولوية لتوفير مياه الشرب في ظل مستوى المياه في السدود. فقد تقرر توجيه 3.2 مليارات متر مكعب لتأمين مياه الشرب، فيما سيوجه 600 مليون متر مكعب لسقي الزراعة.
ويبدو أن المياه الموجهة للسقي في الموسم الحالي لن تغطي سوى ربع الأراضي، أي حوالي 417 ألف هكتار من بين 1.6 مليون هكتار (الهكتار يعادل 10 آلاف متر مربع). لذا يراهن الكثير من المزارعين على تسريع مشروع نقل المياه من الشمال إلى الجنوب، ويتطلع البعض إلى عدم منع السقي عن مناطقهم، خاصة تلك التي تساهم في توفير الخضر والفواكه للسوق المحلي.
يقول الخبير الاقتصادي مصطفى ملكو لـ"العربي الجديد" إن شح المياه يؤثر حتماً على المزارعين الصغار الذين يمثلون حوالي 80% من المزارعين في الدولة، إذ يواجهون بجانب نقص المياه صعوبات تتعلق بمحدودية الموارد المالية التي تعينهم على الحرث وشراء الأسمدة والبذور.
ويعتبر ملكو أنه حتى في حالة عودة الأمطار، فمن المستبعد أن تتمكن البلاد من إنتاج 7.5 ملايين طن من الحبوب الذي تراهن عليه الحكومة عبر مشروع الموازنة، بما لذلك من تداعيات على الأرياف التي عانت في الأشهر الماضية من فقدان فرص عمل.
لكن الفاطمي بوركيزية، رئيس الجمعية المغربية للتنمية الزراعية لجهة "الدار البيضاء - سطات"، يرى أنه من السابق لأوانه الحديث عن جفاف في الموسم الحالي، إذ إنه إذا ما هطلت الأمطار ستنعش الزراعات الخريفية والربيعية، غير أنه يشير إلى أن المشكل يطرح على مستوى الكلأ والماشية.
ويؤكد بوركيزية ضرورة الانتباه لتداعيات التغيرات المناخية على الأنشطة الزراعية، ما يبرر في تصوره تسريع مشاريع تحلية مياه البحر والمضي في بناء السدود.
ووفق تقرير صادر عن البنك الدولي مؤخراً، فإن المغرب يتجه بسرعة نحو المستوى المطلق لندرة المياه البالغ 500 متر مكعب للفرد الواحد في العام، بعدما كان في الستينيات في حدود ألفي متر مكعب.
ويشير إلى أن الزراعة التي ترتهن لتساقط الأمطار تعاني من ندرة المياه، علماً أن الزراعة المعتمدة على الأمطار تمثل حوالي 80% من المساحة المزروعة، لافتاً إلى أن تأثير التغيرات المناخية على الزراعة قد يفضي إلى هجرة 1.9 مليون شخص نحو المدن في الثلاثين عاماً المقبلة.
ولا يعاني المغرب الذي يعتبر في تصور البنك الدولي بؤرة مناخية ساخنة، من ضعف الأمطار فقط، بل يشهد تراجعاً للمياه الجوفية، التي ارتفع الضغط عليها في الأعوام الأخيرة، وهو ما يعزى إلى السقي بالتنقيط، نتيجة الاستثمارات الكبيرة، رغم مساهمتها في رفع الإنتاجية ومضاعفة القيمة المضافة الزراعية في العقدين الأخيرين.