انتهاء اتفاق الغاز الروسي الأوكراني .. ماذا عن مكاسب أوروبا؟

31 ديسمبر 2024
روسيا/نورد ستريم/الغاز الروسي/ألكسندر ديميانتشوك/Getty
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- الاتحاد الأوروبي لن يواجه أزمة كبيرة في إمدادات الغاز بعد انتهاء اتفاق مرور الغاز الروسي عبر أوكرانيا في 2025، بفضل سوق الغاز الطبيعي المسال، مما يعزز استقلالية الطاقة بحلول 2027.
- البنية التحتية للغاز في أوروبا مرنة، مع تخزين جيد في دول مثل النمسا والمجر وسلوفاكيا، والطقس المعتدل المتوقع يقلل من تأثير نقص الإمدادات.
- وقف العبور سيؤدي إلى خسائر مالية لروسيا وأوكرانيا، لكنه يعزز استقلالية أوكرانيا ويفتح فرص تعاون جديدة، مع احتمال توتر سياسي مع دول تعتمد على الغاز الروسي.

اعتبارًا من الأول من يناير 2025، ينتهي اتفاق مرور الغاز الروسي إلى أوروبا عبر خط الأنابيب المار بأوكرانيا. وعلى عكس ما كانت تشير إليه التوقعات، فإن الأسعار والإمدادات في الاتحاد الأوروبي لن تكون كارثية، وفق ما تظهره البيانات وتحليلات الخبراء. فما المكاسب التي يمكن لأوروبا وأوكرانيا أن تحققاها من عدم تمديد أوكرانيا للاتفاق مع روسيا؟

في هذا السياق، نقلت القناة الثانية في التلفزيون الألماني "زد دي أف" عن خبير سياسة الطاقة في مركز بروغل للأبحاث الاقتصادية في بروكسل، غيورغ زاخمان، أنه بالنسبة إلى الاتحاد الأوروبي ككل، فإن خسارة نسبة 5% من الواردات لن تكون ملحوظة. ويمكن استبدال هذه الكميات بسهولة من سوق الغاز الطبيعي المسال، ولن يرتفع السعر الإجمالي للغاز "إلا بالكاد"، حتى لو ارتفعت أسعار الغاز في شرق أوروبا بشكل طفيف.

ووفق زاخمان، على المدى الطويل سيؤدي ذلك إلى تسريع عملية الابتعاد عن الغاز الروسي، الذي كانت بعض الدول الأوروبية لا تزال تعتمد عليه، حيث إن فقدان ما كان مصدرًا مهمًا للإمدادات يعني التخطيط لتأمين بدائل أخرى جديدة، ما يقلل من تكاليفها. وقد وضع الاتحاد الأوروبي لنفسه هدفًا، وإن كان غير ملزم، يتمثل بالتخلص التدريجي من الغاز الروسي بحلول عام 2027.

وفي خضم ذلك، أبرزت بيانات صادرة عن رابطة مشغلي أنظمة نقل الغاز الأوروبية (إنتزوغ) أنه في العام الماضي، نُقل حوالى 15 مليار متر مكعب فقط من الغاز الروسي من أوكرانيا إلى أوروبا. وخفضت ألمانيا ودول الاتحاد الأوروبي كثيراً وارداتها من الغاز الروسي من حوالى 44% في عام 2021 إلى 15% في عام 2023، رغم أنها عادت وارتفعت قليلًا خلال أول 8 أشهر من عام 2024. ولا تشمل هذه الأرقام عمليات التسليم عبر خطوط الأنابيب فحسب، بل تشمل أيضًا واردات الغاز الطبيعي المسال عبر عمليات التسليم من السفن.

وفيما يعتبر البعض أن كميات الغاز التي تمر عبر أوكرانيا تلعب دورًا أساسيًا في أمن الطاقة الأوروبي، حيث تعادل حوالى 140 مليار تيرواط ساعة سنويًا، وهو ما يعادل حوالى سدس الاستهلاك الألماني، يبرز خبراء أن وقف العبور "لن يكون كارثيًا على إمدادات الغاز إلى أوروبا، وقد تتضرر منه دول معينة، لكن البدائل موجودة". وهذا ما أكدته الوكالة الدولية للطاقة، التي لم تجد أي تهديد مباشر على الإمدادات إلى دول الاتحاد الأوروبي، وأشارت إلى أن دولًا مثل النمسا وسلوفاكيا ترتبط جيداً بشبكة الطاقة في الاتحاد الأوروبي، وتتمتع بإمكانية الوصول غير المباشر، على الأقل، إلى سوق الغاز الطبيعي المسال عبر إيطاليا وألمانيا.

وأظهرت بيانات "إنتزوغ" الصادرة يوم 28 ديسمبر 2024 أن مرافق تخزين الغاز في الدول المتضررة ممتلئة حاليًا بشكل جيد، حيث بلغت في النمسا 79%، وفي المجر 70%، وفي سلوفاكيا 76%. ومع ذلك، يشير متابعون إلى أن تأثير كل ذلك يبقى مرتبطًا، بطريقة أو بأخرى، بعوامل برودة الطقس هذا العام، التي على ما يبدو لن تكون صعبة.

وعن أسباب إبقاء أوكرانيا على إمدادات الغاز الروسي إلى أوروبا حتى يومنا هذا، رغم مرور أكثر من ألف يوم على اندلاع الحرب الروسية على أوكرانيا، ما سمح لموسكو بالاستفادة من مليارات اليوروهات، أفاد الباحث الاقتصادي يان مولر، في حديث مع "العربي الجديد"، بأن الاتفاقية بين الجانبين تحظر على الأطراف المتعاقدة مقاطعة أو تقليل عمليات النقل أو العبور الحالية لمشتقات الطاقة، وهو ما منع أوكرانيا من وقف إمدادات الغاز الروسي.

وبخصوص ألمانيا، اعتبر مولر أنها، وفق البيانات، لن تتأثر وقد تستفيد شركاتها من الوضع المستجد وتحصل على مردودات مالية، لأن البلاد استعدت بشكل كامل منذ بداية الحرب الروسية ضد أوكرانيا، وشيدت العديد من محطات الغاز الطبيعي المسال، الذي يصل بأغلبيته من الولايات المتحدة الأميركية، إضافة إلى أن هناك خطوطًا موجهة أيضًا إلى دول وسط وشرق أوروبا. ووفق الخبراء، فإن البنية التحتية الأساسية للغاز في أوروبا تتسم بالمرونة الكافية لتوصيل الغاز غير الروسي إلى دول أوروبية قد تتأثر أكثر من غيرها، وذلك عبر طرق بديلة.

وعلى الجانب الآخر، وبخصوص الآثار والتداعيات على أوكرانيا وروسيا، أفاد محللون اقتصاديون بأن وقف العبور سيكلف روسيا حوالى 4 مليارات دولار من عائدات التصدير، بسبب فقدان خط الأنابيب عبر أوكرانيا. وفي الوقت نفسه، سيتعين على أوكرانيا التنازل عن عدة ملايين من الدولارات من رسوم العبور. بدورها، ستخسر أوكرانيا ورقة مساومة مقابل تدمير البنية التحتية الخاصة بها للغاز.

وفي المقابل، فإن فقدان العبور سيعزز استقلالية كييف، ويسهل لها الدعوة إلى فرض عقوبات بعيدة المدى على الغاز الروسي من مجموعة الدول السبع بلاس. ومن المعلوم أن المفوضية الأوروبية تقف إلى جانب أوكرانيا في قرارها بقطع خط إمدادات الغاز الروسي، وعلاوة على ذلك، فإن وقف عبور الغاز الروسي سيفتح لأوكرانيا فرصًا جديدة، وقد تتمكن كييف من العمل مع مصدرين آخرين. وعلى سبيل المثال، قد تشتري شركات تجارية الغاز من أذربيجان وتسلمه لأوروبا عبر خطوط الأنابيب الأوكرانية.

من ناحية أخرى، تبرز العواقب السياسية، حيث إن هناك مؤشرات على تدهور العلاقات بين أوكرانيا وسلوفاكيا. وأعلن رئيس وزراء سلوفاكيا، روبرت فيكو، أنه سيتخذ إجراءات مضادة مناسبة إذا ما توقف ضخ الغاز الروسي عبر أوكرانيا في الأول من يناير 2025، وفي طليعتها وقف إمدادات الكهرباء التي تعتمد عليها كييف.

المساهمون