انتعاش الدولار.. أرق متزايد للمستثمرين

01 مارس 2023
الدولار القوي يزعج المستثمرين (Getty)
+ الخط -

يترقب المستثمرون الذين أنهكتهم تقلبات الأسواق المالية العالمية في الآونة الأخيرة مصدراً محتملاً آخر للقلق، ألا وهو انتعاش الدولار.

وارتفع الدولار 4% من المستويات المنخفضة التي سجلها في الآونة الأخيرة، ليقترب من أعلى مستوى في سبعة أسابيع، مقابل سلة من العملات الرئيسية الأخرى، مدفوعاً بالرهانات، على أن يضطر مجلس الاحتياط الاتحادي (البنك المركزي الأميركي) إلى رفع أسعار الفائدة بأكثر مما توقعه الكثير من المستثمرين سابقاً، لكبح جماح التضخم.

ولا تزال العملة الأميركية أقل بنحو 8% من أعلى مستوى في عشرين عاماً الذي سجلته العام الماضي. إلا أن انتعاشها، إلى جانب قفزة في عوائد سندات الخزانة، أضفى تعقيدات بالفعل على النظرة المستقبلية لمجموعة من القطاعات التي ازدهرت مع تراجع الدولار في النصف الثاني من 2022.

وهبط مؤشر شركة (إم.إس.سي.آي) لأسهم الأسواق الناشئة 8% من المستويات المرتفعة التي سجلها في يناير/ كانون الثاني، فيما تراجع مؤشر الشركة لعملات الأسواق الناشئة 3% عن المستوى المرتفع الذي سجله في أوائل فبراير/ شباط.

وتوقفت أيضاً موجة صعود للأسهم الأوروبية، إذ استقر المؤشر ستوكس 600 الأوروبي تقريباً دون تغير يذكر خلال الأسابيع الثلاثة الماضية، بعد أن ارتفع نحو 20% منذ أواخر سبتمبر/ أيلول. وفي الوقت نفسه استقرت أسعار الذهب هذا العام بعد تخليه عن مكاسب قدرها 7%.

وقالت لورين جودوين، الخبيرة الاقتصادية ومحللة استراتيجيات المحافظ في شركة نيويورك لايف إنفستمنتس، إنّ "قوة الدولار تمثل مشكلة للأصول المنطوية على مخاطر".

ونظراً للدور المحوري الذي يلعبه الدولار في النظام المالي العالمي، فإن تقلباته تكون لها تداعيات واسعة النطاق.

وأشار بنك التسويات الدولية في تقرير في نوفمبر/ تشرين الثاني إلى أن قوة الدولار عادة ما تخلق أجواءً من التشديد في الأسواق المالية العالمية، مع تقليل الشهية للمخاطرة وإضعاف التجارة العالمية. كذلك فإنها تزيد صعوبة خدمة الدين على البلدان التي اقترضت بالعملة الأميركية، وهي مشكلة كثيراً ما تعاني منها اقتصادات الأسواق الناشئة بشدة.

وقال إريك ليف، كبير مسؤولي الاستثمار في شركة بيلارد لإدارة الثروات والاستثمار: "الرياح الدافعة التي تحصل عليها العملات الأجنبية من خلال سياسة أكثر تيسيراً لمجلس الاحتياط الفيدرالي غير واردة عموماً".

كذلك إن ارتفاع الدولار يرفع تكلفة النفط الخام والذهب والسلع الأخرى المقومة بالدولار بالنسبة إلى المشترين الأجانب.

وكتب محللون في يو.بي.إس غلوبال لإدارة الثروات في أواخر فبراير/ شباط أن تراجع خام برنت 2% حتى الآن هذا العام يرجع جزئياً إلى انتعاش الدولار. ويتوقعون أن يطغى تأثير إعادة الفتح في الصين وتعطل الإمدادات الروسية على تأثير ارتفاع الدولار، وأن يدعم ذلك النفط في وقت لاحق هذا العام.

وبالنسبة إلى الولايات المتحدة، فإن قوة الدولار تجعل الصادرات أقل قدرة على المنافسة، بينما تؤثر في أرباح الشركات متعددة الجنسيات، إذ ترفع تكلفة تحويل أرباحها بالعملات الأجنبية إلى الدولار.

وكتب محللون في مورغان ستانلي بقيادة كبير محللي استراتيجيات الأسهم الأميركية مايكل ويلسون يوم الاثنين أن اتجاهات الدولار يمكن أن تكون عاملاً رئيسياً في مسار الأسهم الأميركية على المدى القريب، وعزوا ذلك إلى علاقة العملة بأوضاع السيولة العالمية. وهبط المؤشر ستاندرد أند بورز 500 حوالى 5% عن المستويات المرتفعة التي سجلها في الآونة الأخيرة، لكنه لا يزال مرتفعاً 3.6% منذ بداية العام.

ومن ناحية أخرى، يعتقد المحللون في كابيتال إيكونوميكس أن يدفع التباطؤ المتوقع في النمو العالمي وتراجع الرغبة في المخاطرة المستثمرين إلى التهافت على الدولار، وهو ملاذ يحظى بشعبية في أوقات عدم التيقن، ويدفع العملة إلى أعلى مستوياتها في وقت لاحق من هذا العام.

وكتبوا في تقرير: "نتوقع أن تتدهور الرغبة في المخاطرة على خلفية الضعف العالمي المتزايد، وأن يدفع الطلب على "ملاذ آمن" الدولار إلى مستويات أعلى خلال الربعين المقبلين".

وبعد تبوئها الصدارة بين عملات العالم، وحلولها محل الذهب والجنيه الإسترليني في الأهمية وفي احتياطيات النقد الأجنبي العالمية، منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، وبالتزامن مع إقرار اتفاقية بريتون وودز، توالت التحديات التي واجهتها العملة الخضراء، في محاولة لمقاسمتها السيطرة على التعاملات الدولية.

ويقول الاقتصادي الأميركي البارز جيفري ساكس، في تصريحات لـ"سكاي نيوز" إن دور العملة الأميركية "سيتضاءل كثيراً خلال العقد المقبل".

وعلى الجانب الآخر، فإن تقريراً صادراً عن المجلس الأطلنطي، وهو مؤسسة بحثية أميركية غير حزبية، هذا الأسبوع يقلل نسبياً من شأن محاولات تقليص سيطرة الدولار على المدى المنظور، ويؤكد أن "التجارة الدولية ستظل بالدولار، وستظل العملة الأميركية تلعب دوراً رئيساً بها، إلا أنّها لن تكون العملة المهيمنة كما هو الحال اليوم".

(رويترز، العربي الجديد)

المساهمون