يعيش اليمن منذ مطلع العام الحالي على وقع تحركات مكثفة تهدف إلى وضع الخطط والبرامج اللازمة للتعامل مع الأزمات الاقتصادية، وضمان التمويل المناسب لإعداد موازنة عامة للدولة لعام 2022.
وأعلنت الحكومة اليمنية عن بدء إجراءاتها التمهيدية لإعداد موازنة عامة جديدة، هي الثانية منذ بداية الحرب الدائرة في البلاد قبل نحو سبع سنوات، في ظل تحديات واسعة ناتجة عن الأزمات الاقتصادية المركبة، واضطراب العملة المحلية، وتوسع تأثيرات الأزمة الإنسانية المتفجرة التي تعتبرها الأمم المتحدة الأسوأ على مستوى العالم.
وأصدر رئيس الوزراء اليمني، معين عبدالملك سعيد، منتصف يناير/ كانون الثاني، قراراً لتشكيل لجنة عليا لإعداد الموازنة العامة للدولة، سبقته تأكيدات عن مباحثات تجري مع المملكة العربية السعودية لدعم البنك المركزي اليمني بوديعة مالية تساعده في السيطرة على سوق الصرف، ومنحة جديدة من المشتقات النفطية.
مباحثات مع السعودية لدعم البنك المركزي اليمني بوديعة مالية تساعده في السيطرة على سوق الصرف، ومنحة جديدة من المشتقات النفطية
وقال مصدر حكومي مسؤول تحفظ عن ذكر اسمه لـ"العربي الجديد"، إن "ظروف إعداد موازنة جديدة للعام الحالي تختلف عن العام الماضي من نواح عدة، أهمها الإجماع الدولي وأشقاء اليمن من دول الخليج على مساعدة اليمن لمواجهة الأزمات الاقتصادية".
وأكد أنّ "هناك ترتيبات لاستعادة بعض الموارد العامة الرئيسة مثل تصدير النفط والغاز الطبيعي المسال وهذا ما لم يكن متوافرا خلال السنوات الماضية، إضافة إلى وعود بتقديم وديعة مالية لدعم البنك المركزي اليمني".
ولمح رئيس الوزراء اليمني معين عبد الملك أكثر من مرة عن وديعة سعودية يجري التشاور حولها لدعم البنك المركزي اليمني الذي يعاني من نفاد الاحتياطي النقدي من الدولار، فيما محافظ البنك المركزي اليمني يقوم بجولة خارجية بدأها من الإمارات لحشد الدعم المالي لليمن.
وأكد وزير الخارجية أحمد بن مبارك خلال تواصله الأسبوع الماضي مع أمين عام مجلس التعاون الخليجي، أهمية دعم مجلس التعاون الخليجي لجهود الحكومة اليمنية وتقديم دعم اقتصادي عاجل، لافتًا إلى أنّ الاستقرار الاقتصادي واستعادة مسار التنمية هو المدخل الأساس لمعالجة الازمة الإنسانية وتحسين خدمات المواطنين في اليمن.
الموازنة العامة في اليمن كانت تعتمد على الموارد النفطية والغازية بنسبة تتعدى 80%، إلّا أنّ البلاد واجهت صعوبات وعقبات في إدارة الموازنة
وفي الوقت الذي يجري الحديث عن جهود خليجية ودولية في أكثر من اتجاه لإعادة توحيد البنك المركزي اليمني الذي يعمل برأسين في كل من عدن وصنعاء منذ مطلع عام 2017، يتطرق الخبير في معهد الدراسات المصرفية فهد درهم لـ"العربي الجديد"، إلى أهم خطوة ينبغي القيام بها لمواجهة كل هذه المعضلات، وتهيئة بيئة العمل المناسبة لتنفيذ أي موازنة عامة يتم إعدادها، والمتمثلة بوضع حد للانقسام المالي والنقدي الذي يعتبره المنبع الأول والرئيس لكل هذه الأزمات الحاصلة.
وكانت الموازنة العامة في اليمن تعتمد على الموارد النفطية والغازية بنسبة تتعدى 80 في المائة، إلّا أنّ البلاد واجهت صعوبات وعقبات في إدارة الموازنة للدولة، في ظل توقف صادرات النفط والغاز، وعدم القدرة على تحصيل بقية الموارد العامة من الضرائب والجمارك، وتشتتها بين أطراف الصراع الدائر.
ويقول الخبير المالي، توفيق حزام، لـ"العربي الجديد" إنّ إعلان الحكومة اليمنية عن توجهها لإعداد موازنة عامة مؤشر واضح على تلقيها ضمانات بتمكينها من المنشآت العامة السيادية لإعادة تصدير النفط والغاز وتوفير موارد مالية للتعامل مع الأزمة الاقتصادية الراهنة واضطراب العملة.
ويبين حزام أن هناك تخوفا من قبل الدول المانحة لليمن في تقديم أي تمويلات مالية في ظل الوضعية الراهنة وعدم قدرة المؤسسات الحكومية على إدارة الموارد العامة، وهو ما يسمح بتسرب أي دعم مالي وتشتته وتبديده وفتح منافذ للفساد والعبث والتكسب غير المشروع.
ويرى الباحث الاقتصادي، منير القواس، في حديثه مع "العربي الجديد"، أن الحكومة اليمنية التي أعيد تشكيلها نهاية 2020 وفق مخرجات اتفاق الرياض بإضافة المجلس الانتقالي الجنوبي كشريك رئيسي فيها، أعلنت عن تنفيذ موازنة جديدة لعام 2021، لكنها غرقت في سلسلة من الأزمات السياسية والاقتصادية والنقدية والمعيشية لا تزال تعيش تبعاتها.
يتسم الوضع المالي للدولة بالاختلال العميق والتدهور الشديد، إذ دخلت المالية العامة في أزمة حادة برزت ملامحها في، ارتفاع عجز الموازنة وارتفاع الدين وتراجع الإيرادات
ويستطرد القواس أن إعداد موازنة في ظل ترسبات الأزمات سيجعلها عبارة عن موازنة مختلة ومحدودة ببند واحد لصرف رواتب الموظفين المدنيين وفق المستويات المالية والوظيفية المعتمدة منذ عام 2014، إذ لم يطرأ أي تغيير على رواتب الموظفين التي يلتهمها التضخم والتدهور الحاصل في قيمة العملة.
ويتسم الوضع المالي للدولة بالاختلال العميق والتدهور الشديد، إذ دخلت المالية العامة في أزمة حادة برزت ملامحها في، ارتفاع عجز الموازنة وارتفاع نسبة الدين المحلي نتيجة تراجع الإيرادات العامة بكافة مصادرها، الإيرادات الضريبية وغير الضريبية والنفطية وفائض أرباح المؤسسات العامة.
وفي المقابل، توقفت النفقات الاستثمارية وانخفضت النفقات العامة الجارية إلى أدنى مستوياتها وعدم وفائها بالحد الأدنى من المتطلبات الاقتصادية الاجتماعية، إلى جانب تعثر برامج الحماية الاجتماعية مع توقف برامج الإنفاق العام الاجتماعي والتنموي.