اليمن: غليان شعبي ضد الجوع وشلل في عدن

05 ديسمبر 2021
من احتجاجات في تعز ضد انهيار الأوضاع المعيشية (فرانس برس)
+ الخط -

أصاب الانهيار القياسي للعملة المحلية، عدداً من المدن اليمنية بحالة من الشلل، أمس السبت، إثر إضراب جزئي في القطاع التجاري ومؤسسات القطاع الخاص في العاصمة المؤقتة عدن والعديد من المحافظات الخاضعة لسيطرة الحكومة المعترف بها دولياً، حيث أغلقت عشرات المستودعات التجارية أبوابها، وسط ترقب لإضراب شامل، الأحد، في كافة المدن، دعت له نقابات ومؤسسات مجتمع مدني ونشطاء، وسط تفاعل واسع على مواقع التواصل الاجتماعي.

وفي مدينة تعز، قال شهود عيان لـ"العربي الجديد"، إن عدداً من المستودعات التجارية وسط المدينة وكذلك في الأرياف الجنوبية في النشمة ومدينة التربة، أغلقت أبوابها أمام الجمهور، أمس، وسط استعدادات لإضراب شامل، الأحد.

وانخفضت العملة اليمنية، في تعاملات نهاية الأسبوع الماضي نحو قاع جديد، مسجلة 1740 ريالاً للدولار الواحد، بعد أن كان متوسط سعر الدولار 215 ريالا قبل اندلاع الحرب قبل نحو سبع سنوات.

ودعت جمعية الصرافين، مساء الجمعة، إلى تعليق كافة عمليات القطاع المصرفي حتى، الإثنين المقبل، جراء الانهيار القياسي للعملة، وناشدت رئيس الجمهورية، عبدربه منصور هادي، بالتدخل واتخاذ قرارات عاجلة لوقف التدهور الحاد للريال، لكن ذلك القرار لم ينفذ.

 انهيار العملة أصبح مدمراً بعد أن تجاوز سعر الدولار في السوق السوداء وفي بعض شركات الصرافة 1800 ريال

وأكد صيارفه في مدينة تعز لـ"العربي الجديد"، أن الدعوات للإضراب الشامل، تسببت في حالة هلع في صفوف الناس الذين أقبلوا على بيع وشراء العملة فضلا عن تخزين سلع ومواد أساسية.

ويتخوف سكان المدن اليمنية من عصيان شامل ترافقها أعمال شغب، رغم أن الدعوات التي وجهتها منظمات مجتمع مدني شددت على ضرورة الالتزام بالاحتجاج السلمي.

وحسب اتحاد نقابات تعز لـ"العربي الجديد"، فإن التظاهرات التي من المقرر أن تخرج، الأحد، ستركز على ضرورة الالتزام بالعصيان المدني من أجل إيصال رسالة للقيادة السياسية بضرورة التدخل العاجل، وكذلك رفع لافتات لدول التحالف السعودي الإماراتي، بالتدخل وإنقاذ الشعب اليمني من كارثة وشيكة.

وقال أحمد الدبعي، وهو موظف في القطاع الخاص في مدينة تعز، لـ"العربي الجديد" إن "الانهيار الاقتصادي وصل إلى مرحلة لم يعد بمقدور الناس السكوت عنها، حيث يموت الناس بشكل بطيء".

وأضاف الديعي :"القوة الشرائية للمواطن انهارت بشكل كامل ولم يعد بمقدوره حتى تأمين رغيف الخبر الذي وصل سعر القرص الواحد منه إلى 75 ريالا (..) قبل بدء الحرب كان راتبي يعادل 500 دولار واليوم أصبح 50 دولاراً بعد تأكل الريال اليمني".

وكانت جمعية مخابز عدن وتعز، قد قررت، الجمعة، رفع سعر قرص رغيف الخبر إلى 75 ريالا، بزيادة 50 ريالاً عن الأسعار المعمول بها في سبتمبر/ أيلول الماضي. وأرجعت الجمعية، في بيان لها، قرار رفع سعر رغيف الخبز، إلى الارتفاع القياسي في سعر الدقيق والخميرة والزيت، لافتة إلى أنها اضطرت لهذا الإجراء حتى لا يواجه ملاك المخابز شبح الإفلاس.

وعجزت الحكومة اليمنية عن كبح الانهيار الاقتصادي المريع، والقضاء على المضاربة في أسعار العملة، رغم التدخلات الخجولة بإغلاق شركات ومنشآت الصرافة بين فترة وأخرى.

وأعلن البنك المركزي، الخميس الماضي، أنه قام بالتعاون مع نيابة الأموال العامة بعدن، بإغلاق شركات الصرافة غير المرخصة، وضبط الشركات والمنشأت المخالفة للضوابط والتعليمات المنظمة لنشاط العمل المصرفي، وإحالتها للنيابة العامة.

 متوسط سعر الدولار بلغ 215 ريالا قبل اندلاع الحرب في اليمن قبل نحو سبع سنوات

وحذر البنك، في بيان، شركات ومنشآت الصرافة المرخصة من التعامل مع أية محلات صرافة غير مرخصة، أو تسهيل عملهم أو تزويدهم بأية خدمات أو أنظمة تمكنهم من العمل في سوق الصرافة، كما شدد على اتخاذ الإجراءات الصارمة ضد كل من يخالف العمل بقانون الصرافة أو تعليمات وضوابط البنك المركزي، وسحب تراخيص مزاولة عمل الصرافة عنهم فوراً.

وقال الخبير المصرفي صادق محمد لـ"العربي الجديد" إن "انهيار العملة أصبح قاتلا ومدمراً بعد أن تجاوز سعر الدولار في السوق السوداء وفي بعض شركات الصرافة 1800 ريال مقابل الدولار لأول مرة في تاريخ اليمن، بينما لم تتمكن الحكومة والبنك المركزي من وقف الانهيار الذي تسبب في ارتفاع أسعار الوقود والمواد الغذائية الأساسية".

وأضاف محمد أن المؤسسات التجارية وتجار السلع والمواد الغذائية رفعت الأسعار بشكل جنوني، وباتت تبيع السلع بالعملة الأجنبية، ما تسبب في زيادة الطلب على النقد الأجنبي من قبل المواطنين، ما فاقم من انهيار العملة الوطنية.

وامتدت الكثير من الدعوات الشعبية في جميع المناطق والمحافظات إلى الخروج في تظاهرات عارمة ضد الحكومة والأطراف السياسية والتحالف العربي، بسبب انهيار العملة الوطنية وارتفاع الأسعار الجنوني ووضع اليمنيين جميعا ضمن دائرة الخطر لمجاعة شامل.

وانتشرت دعوة شعبية بشكل واسع على مواقع التواصل الاجتماعي، تقول: "ليست دعوة حضور.. بل أنت ملزم للخروج وإنقاذ حياتك"، مشيرة إلى أن الدعوة للتظاهر تأتي "ضد سياسة تجويع وإهانة الشعب اليمني والانهيار المتعمد في قيمة العملة الوطنية، وضد فشل الحكومة الشرعية والتحالف العربي".

ويشهد اليمن منذ نحو 7 سنوات حربا مستمرة بين القوات الموالية للحكومة المدعومة بتحالف عسكري عربي تقوده الجارة السعودية، والحوثيين المدعومين من إيران، المسيطرين على عدة محافظات، بينها العاصمة صنعاء منذ سبتمبر 2014.

يأتي هذا بالتزامن مع دعوات الكثير من اليمنيين إلى استقالة الحكومة وتقديم قيادة البنك المركزي اليمني إلى محاكمة بفشلها في وقف انهيار العملة الوطنية وتعريض حياة اليمنيين للخطر.

ولم تقتصر دعوات الإضراب على القطاعات التجارية وإنما شملت قطاعات خدمية، فقد أعلنت جامعة عدن الحكومية عن إضراب شامل في كل كلياتها ومراكزها وفروعها في جميع المحافظات، ابتداء من الأحد، أول أيام الدوام الرسمي الأسبوعي، مشيرة إلى أن الإضراب سيستمر حتى يتم حل مشكلة انهيار العملة ورفع رواتب الموظفين الإداريين والأساتذة ومساعديهم، ويتم اعتماد الرواتب وصرفها بالدولار، ليتمكنوا من إعالة أسرهم وتغطية نفقات المواصلات لتأدية عملهم.

ويرفض كثير من التجار وملاك العقارات والأراضي وقطاعات واسعة من الأعمال التعامل بالريال اليمني ويستبدلونه بالدولار في تعاملاتهم اليومية بحجة عدم استقرار سعر الصرف وتجنب أي خسائر مكلفة قد تتسبب في إفلاسهم.

ووسط الاحتقان الشعبي من انهيار العملة، يتبادل قطاع الصرافة والحكومة الاتهامات حول التسبب في هذا الانهيار. إذ يقول مسؤولون في شركات صرافة إن الحكومة والبنك المركزي يحاولان الهروب من فشلهما بتحميل قطاع الصرافة المسؤولية عن الوضع الحالي.

 الحكومة المعترف بها دوليا، جماعة الحوثيين بالتسبب في الانهيار الاقتصادي

وخلافا للانهيار الحاصل في مناطق الحكومة الشرعية، لا تزال أسعار صرف العملة مستقرة في المناطق الخاضعة لسيطرة جماعة الحوثيين في صنعاء والمناطق الواقعة شمالي البلاد. ووفقا لمتعاملين وصيارفة، فإن أسعار الصرف مازالت ثابتة عند 600 ريال مقابل الدولار الواحد في صنعاء التي تشهد شحا في السيولة النقدية.

وتتهم الحكومة اليمنية المعترف بها دوليا، جماعة الحوثيين بالتسبب في الانهيار الاقتصادي من خلال شن حرب على العملة النقدية الجديدة، وسحب النقد الأجنبي من مناطق الشرعية.

وفي خضم المعترك تسقط المزيد من الأسر ضحايا أمام الفقر والجوع . إذ تخشى منظمات دولية من انزلاق اليمن نحو مجاعة وشيكة. وفي نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، حذر برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة، من أن الجوع في اليمن ازداد لدى شرائح واسعة من المجتمع، بالتزامن مع ارتفاع الأسعار عالمياً، والغلاء الناجم عن تدهور أسعار الصرف.

وقال البرنامج، في تغريدة عبر تويتر، إن "أزمة اليمن التي طال أمدها مدمرة لملايين العائلات.. أسعار المواد الغذائية تستمر في الارتفاع، ما يؤدي إلى ازدياد الجوع".

المساهمون