بعد أقل من أربعة أشهر من إعلان رئيس وزراء الهند، ناريندرا مودي، بثقة أنّ بلاده مستعدة "لإطعام العالم" بعد الغزو الروسي لأوكرانيا، تبدو الدولة في موقف حرج، إذ قد تضطر إلى استيراد الحبوب لتغطية احتياجاتها، بعدما تسببت موجة الحرّ القياسية في خفض الإنتاج، ورفع الأسعار المحلية، ما جعل الحياة اليومية أكثر تكلفة لمئات الملايين من الهنود الذين يعتمدون على الحبوب في صنع الأطعمة الأساسية، مثل خبز النان والشاباتيس.
انخفاض احتياطيات القمح
وتظهر المؤشرات أن محصول القمح الوفير لن يتحقق، في الوقت الذي انخفضت احتياطيات الدولة من هذه السلعة الأساسية إلى أدنى مستوى خلال 14 عاماً في أغسطس/آب الجاري، وفقاً لمؤسسة "فود كورب" الهندية.
النقص الذي يلوح في الأفق وارتفاع الأسعار يحمل السلطات الآن على أن تستعد للشراء من الخارج. ويدرس المسؤولون الحكوميون هل ستُخفض ضريبة استيراد القمح بـ 40% أو ستلغى، من أجل مساعدة مطاحن الدقيق في بعض المناطق على استيراد الحبوب، حسبما قال أشخاص مطلعون على الأمر، طلبوا عدم الكشف عن هويتهم لخصوصية المحادثات، وفق وكالة بلومبيرغ الأميركية.
وعلى الرغم من أن الهند هي ثاني أكبر دولة منتجة للقمح في العالم، بإنتاج سنوي يبلغ 103 ملايين طن، فإنها لم تكن قط مصدّراً رئيسياً.
كما أنها لم تستورد الكثير من قبل، حيث بلغت مشترياتها الخارجية حوالي 0.02% من الإنتاج سنوياً. وتتمتع البلاد إلى حد كبير بالاكتفاء الذاتي من الحبوب.
وتتوقع السلطات حالياً أن يصل حصاد موسم 2021/ 2022 إلى حوالي 107 ملايين طن، انخفاضاً من تقدير فبراير/ شباط الماضي البالغ 111 مليوناً، بينما يتوقع التجار والمطاحن ما يتراوح بين 98 مليوناً إلى 102 مليون طن، ما يجعل التقديرات الحكومية أكثر تفاؤلاً.
ومن المتوقع أن تكون مشتريات الحكومة من القمح لبرنامج المساعدات الغذائية في البلاد، وهو الأكبر في العالم، أقل من نصف المستويات في العام الماضي، وفقاً لوزارة الغذاء.
ودفع ذلك السلطات إلى توزيع المزيد من الأرز في بعض الولايات، وكذلك تقييد صادرات دقيق القمح ومنتجات أخرى. وهناك أيضاً مخاوف بشأن إنتاج الأرز، والذي قد يكون التحدي التالي لإمدادات الغذاء العالمية.
في هذا الإطار، قال الخبير الاقتصادي في بنك "آي سي آي سي آي" في مومبايسمير نارانغ: "يعتبر تضخم الحبوب مصدر قلق على خلفية تراجع بذر محصول الأرز"، مرجحاً أن يستمر ارتفاع أسعار الحبوب لفترة من الوقت.
نقص كبير في إمدادات الأرز
ويتجه العالم لمواجهة نقص كبير في إمدادات الأرز خلال العام الجاري وبالتالي ارتفاع في أسعاره، لتضاف هذه الضائقة إلى أزمة أسعار القمح التي ضربت العديد من الدول في الشهور الماضية، وتسببت في غلاء أسعار الخبز وارتفاع معدل التضخم العالمي.
وتعود أزمة شح الأرز التي سترفع أسعاره حسب توقعات خبراء ومؤسسات متخصصة، إلى موجة الفيضانات والجفاف العالمية التي أدت إلى تقليص المساحات الزراعية بالعديد من الدول الرئيسية المنتجة للأرز من بينها الهند، والصين وإيطاليا وإسبانيا.
وحسب بيانات ستاتيستا البريطانية للإحصاءات، فإن العالم يستهلك سنوياً نحو 509.8 ملايين طن متري من الأرز بينما تتراجع معدل الانتاج في العام الجاري إلى أقل من معدل الإنتاج في السنوات الماضية.
وأظهر مؤشر منظمة الأغذية والزراعة العالمية "فاو" لأسعار الغذاء ارتفاع أسعار الأرز بنسبة 10% منذ بداية العام الجاري.
كما توقعت شركة "سبونجي إنتربرايس" الهندية المتخصصة في تجارة الأرز وتصديره ارتفاع سعر الطن المتري من الأرز إلى 400 دولار خلال شهر سبتمبر/ أيلول المقبل من مستوياته الحالية البالغة 365 دولارا للطن المتري في الأسبوع الماضي.
وكانت التوقعات السابقة في بداية العام الجاري وقبل موجة الفيضانات والجفاف متفائلة، وتشير إلى أن العالم سيتمكن من إنتاج محصول يفوق كثيراً الاستهلاك العالمي هذا العام، ولكن الظروف المناخية الرديئة التي شهدها العالم خلال الصيف الجاري أدت إلى تبخر هذه التوقعات.
أكبر الدول المصدرة للأرز
ففي الهند مثلاً، التي تعد من أكبر الدول المصدرة للأرز، تتوقع وزارة الزراعة الأميركية في تقريرها الأخير أن تتقلص المساحة المزروعة لمحصول الأرز بنسبة 13%، بعدما ضربت الفيضانات والجفاف مناطق زراعة الأرز الرئيسية بالبلاد.
ورغم أنّ الهند ليست المنتج الأول لمحصول الأرز، فهي أكبر مصدّر له وتصدّر نحو 40% من إجمالي الصادرات العالمية لسوق الأرز العالمي المقدر حجمه المالي بنحو 287.45 مليار دولار.
وبلغت صادرات الهند في العام الماضي 2021 نحو 22 مليون طن. وبسبب توقعات انخفاض الإنتاج العالمي من الأرز هذا العام تثار مخاوف في أسواق الأرز العالمية أن تتخذ بعض الدول المصدرة الرئيسية ومن بينها الهند إجراءات حمائية لصادراتها.