النفط يدخل دائرة السباق بين واشنطن وبكين... نهم بالإنتاج لدى العملاق الآسيوي وتراجع أميركي

15 ديسمبر 2020
مصفاة غاز في مقاطعة سيتشوان الصينية حيث تتسارع معدلات الإنتاج (Getty)
+ الخط -

يبدو أن قائمة الحرب التجارية بين الولايات المتحدة الأميركية والصين لن تقتصر على السلع النهائية والتكنولوجيا، وإنما ستشمل في الفترة المقبلة منابع إنتاج الطاقة، متمثلة في النفط الخام والغاز، حيث تظهر البيانات الرسمية تزايد النهم الصيني لزيادة الإنتاج، بينما تتأرجح كفة أميركا لتميل مؤخراً إلى الهبوط تحت ضربات جائحة فيروس كورونا الجديد، في حين يزداد وضع منظمة البلدان المنتجة للبترول "أوبك" صعوبة، حيث تعتمد في جني معظم مواردها من بيع الخام.

وتوقعت إدارة معلومات الطاقة الأميركية، في تقريرها الشهري، انخفاض إنتاج الولايات المتحدة النفطي من التكوينات الصخرية بنحو 136 ألف برميل يومياً في يناير/ كانون الثاني المقبل إلى 7.44 ملايين برميل يومياً، وهو الأدنى منذ يونيو/ حزيران 2020، وذلك رغم حملة التلقيح الواسعة التي بدأت، منذ أمس الاثنين، ضد فيروس كورونا الجديد، والتي يعول أكبر اقتصاد في العالم عليها في الخروج من نفق الركود.

وتُظهر البيانات، التي أوردتها وكالة "رويترز" اليوم الثلاثاء، أنه من المتوقع أن يتراجع إنتاج النفط الصخري بوجه عام للشهر الرابع على التوالي، وبأكبر قدر منذ مايو/ أيار، حين هبط الإنتاج بنحو 1.6 مليون برميل يومياً ليعادل هبوط في الطلب العالمي على النفط بسبب جائحة فيروس كورونا الجديد.

كما من المتوقع انخفاض إنتاج الغاز الطبيعي في يناير/ كانون الثاني لأدنى مستوى منذ يونيو/ حزيران، عند 80.78 مليار قدم مكعبة يومياً بتراجع قدره 0.74 مليار قدم مكعبة يومياً.

في المقابل، كشفت بيانات صادرة عن مكتب الإحصاءات الوطنية في الصين، اليوم الثلاثاء، أنّ إنتاج الصين المحلي من النفط الخام، في نوفمبر /تشرين الثاني، زاد بنسبة 1.2% على أساس سنوي إلى 15.96 مليون طن (يعادل 116.5 مليون برميل).

وبلغ الإنتاج منذ بداية العام 178.63 مليون طن (1.3 مليار برميل) بارتفاع 1.6% على أساس سنوي، رغم تداعيات جائجة كورونا التي تسببت في إغلاق الاقتصاد الصيني في الأشهر الأولى من ظهور الفيروس، قبل أن يستعيد نشاطه خلال الربع الثاني من العام.

وزاد استهلاك المصافي من النفط الخام في الصين 3.2% الشهر الماضي على أساس سنوي إلى 58.35 مليون طن، فيما بلغ الاستهلاك منذ بداية العام 614.41 مليون طن، بزيادة 3.1% على أساس سنوي.

كما زاد إنتاج الغاز الطبيعي 11.8% في نوفمبر/ تشرين الثاني على أساس سنوي إلى 16.9 مليار متر مكعب. وسجل الإنتاج منذ بداية العام 170.2 مليار متر مكعب بزيادة 9.3%.

وتسارع نمو الناتج الصناعي للصين بنسبة 7% على أساس سنوي الشهر الماضي، مع عودة تدريجية لاستئناف الطلب على الاستهلاك في الأسواق العالمية، وكذلك داخل المدن الصينية.

وقال المكتب الوطني للإحصاء، الثلاثاء، وفق وكالة "شينخوا" الصينية، إنّ مبيعات التجزئة سجلت زيادة ملحوظة خلال نوفمبر/ تشرين الثاني بنسبة 5%، في مؤشر على عودة الاستهلاك بعد انكماش خلال الأشهر الأولى من 2020 بسبب تفشي كورونا. وكانت مبيعات التجزئة سجلت نمواً 4.3% على أساس سنوي خلال أكتوبر/ تشرين الأول.

ويتوقع أن يسجل الاقتصاد الصيني خلال 2020 نمواً إيجابياً على عكس مختلف دول العالم، وفق توقعات لصندوق النقد الدولي، نتيجة سرعة تعافيه من تبعات الجائحة.

كانت الصين، حيث بدأ الوباء في ديسمبر/ كانون الأول الماضي، أول اقتصاد يتعرض للإغلاق، لكنها أعلنت الانتصار على الوباء في مارس/ آذار، حيث أعيد فتح المصانع وأبراج الشركات ومراكز التسوق، وأصبحت أول اقتصاد يعود إلى النمو بنحو 3.2% في الربع الثاني من العام، مقابل انكماش بنسبة 6.8% في الربع الأول.

وبدت الصين أكثر قوة من الولايات المتحدة من حيث الخروج السريع من تداعيات الجائحة وتحقيق اقتصادها مؤشرات نمو هي الأعلى عالمياً.

فقد أظهرت البيانات الرسمية أن الفائض التجاري الصيني في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي بلغ رقماً قياسياً قدره 74.4 مليار دولار، وأن نحو 46% من هذا الفائض مع الولايات المتحدة، رغم الحرب التجارية التي تشنها واشنطن على بكين، والمستمرة منذ نحو عامين، بفرض رسوم جمركية كبيرة على معظم السلع الصينية.

ويبدو أنّ الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين لن تخمد نيرانها المتصاعدة حتى بعد تنصيب الديمقراطي جو بايدن رئيساً لأميركا، فطبولها قد تخفت قليلاً فقط بحسب خبراء اقتصاد رجحوا أن تكون إدارة بايدن أكثر عقلانية حيال الصين، مقارنة بسلفه دونالد ترامب، لكنه سيظل مجبراً على الاستمرار في إعاقة طموح العملاق الآسيوي في الحصول على لقب "أكبر اقتصاد في العالم".

ومع تنامي النهم الصيني لزيادة إنتاج الطاقة، فإن شراء النفط من الولايات المتحدة قد يتحول إلى ورقة ضغط في يدها خلال الفترة المقبلة.

وأظهرت بيانات صادرة عن إدارة الجمارك الصينية، نهاية الشهر الماضي، أن قيمة مشتريات الصين من النفط الخام والغاز الطبيعي المسال والبروبان والبيوتان من الولايات المتحدة، على مدى الأشهر العشرة الأولى من 2020، بلغت 6.61 مليارات دولار، أي نحو 26% فحسب من القيمة التي جرى الاتفاق عليها لدى إبرام المرحلة الأولى من الاتفاق التجاري بين الجانبين في يناير/كانون الثاني الماضي بغرض تهدئة الحرب التجارية، والذي تعهدت فيه الصين باستيراد ما قيمته 25.3 مليار دولار من الطاقة الأميركية.  

ونهاية نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، توقع تقرير لوكالة "بلومبيرغ" الأميركية، استند إلى وكالة الطاقة العالمية، أن تزيح الصين الولايات المتحدة من صدارة سوق تكرير النفط العالمية، وذلك مع افتتاح محطات تكرير جديدة.

وكدليل على ذلك، أشارت الوكالة إلى أن مصافي تابعة لشركات مثل "رويال دويتشه" و"شل" تغلق في ولاية لويزيانا الأميركية، فيما تعتزم الصين إطلاق 4 محطات تكرير جديدة بطاقة إنتاجية تبلغ 1.2 مليون برميل يومياً. وللمقارنة فإنّ الطاقة الإنتاجية للمحطات الأربع (1.2 مليون برميل يوميا) تعادل قدرة تكرير النفط في بريطانيا.

ويأتي ذلك في وقت يتزايد فيه الطلب على النفط والبلاستيك في الصين ودول آسيوية أخرى، على عكس الولايات المتحدة وأوروبا، حيث تواجه المنطقتان أزمة اقتصاد عميقة.

وفي خضم صراع إنتاج الطاقة بين أكبر اقتصادين في العالم، فإن موقف منظمة البلدان المنتجة للنفط "أوبك"، التي تتصدر دول الخليج العربي قائمة منتجيها، يبدو حرجاً لا سيما في ظل استمرار أسعار النفط عند مستوياتها المتدنية، رغم المحاولات المتكررة لدفعها للصعود بتخفيضات كبيرة في الإنتاج بالتحالف من المنتجين من خارج المنظمة على رأسهم روسيا.

وأمس الاثنين، قالت "أوبك"، في تقريرها الشهري، إن الطلب العالمي على النفط سيتعافى في 2021 بخطى أبطأ مما كان يُعتقد في السابق، بسبب التأثير المستمر لجائحة كورونا التي أعاقت جهود المنظمة وحلفائها لدعم السوق.

وأضافت أن الطلب سيرتفع بواقع 5.9 ملايين برميل يومياً العام المقبل إلى 95.89 مليون برميل يومياً. وتوقعات النمو هذه أقل بمقدار 350 ألف برميل يومياً مما كان متوقعاً قبل شهر.

ودفع احتمال التعافي الأبطأ للطلب بالفعل "أوبك" وحلفاءها على رأسهم روسيا، وهي مجموعة تعرف باسم "أوبك+"، إلى إبطاء وتيرة زيادة إنتاج النفط المقررة في 2021. ومن المقرر أن تجتمع لجنة تابعة للمجموعة، غداً الأربعاء، لمراجعة السوق.

وأظهر التقرير زيادة في الإنتاج، على عكس أهداف "أوبك+"، على الرغم من استمرار امتثال المنظمة إلى حد كبير لقيود الإمدادات التي تم التعهد بها هذا العام بعد أن ضربت الجائحة الطلب.

وقالت "أوبك" إنّ إنتاجها زاد بمقدار 710 آلاف برميل يومياً إلى 25.11 مليون برميل يومياً في نوفمبر/ تشرين الثاني، مدفوعا بالتعافي في ليبيا، عضو المنظمة المستثنى من إجراء تخفيضات.

المساهمون