النظام السوري يقود فوضى الأسواق: اتجار بالمُصادرات

20 سبتمبر 2021
سوق للفاكهة في أحد أحياء العاصمة دمشق (Getty)
+ الخط -

دخلت حكومة بشار الأسد لاعباً إضافياً في سلسلة استغلال المستهلكين، عبر بيع سلع مخالفة للمواصفات وطرح المنتجات التي تصادرها من الجمارك في المتاجر بأسعار مرتفعة، الأمر الذي يزيد من فوضى الأسواق.

يقول مصدر مطلع من دمشق إن حكومة النظام السوري وجدت أخيراً في ببع مصادرات الجمارك "باباً للارتزاق"، مشيرا إلى أن صالات المؤسسة السورية للتجارة (حكومية) تبيع هذه الفترة موزاً ومعلبات وسكراً وأرزاً من المصادرات.

ويضيف المصدر لـ"العربي الجديد" أن دوريات الجمارك تداهم مستودعات صناعيين وتجار وتصادر حتى سلعاً سورية أو مستوردة مدفوعة الجمارك، مشيرا إلى أن بعض التجار والمصنعين في مدينة حلب (شمال) اعترضوا على مصادرة مستودعاتهم، "لكن الرد كان قاسياً، حيث تم اعتقال 21 منهم".

دوريات الجمارك تداهم مستودعات تجار وتصادر سلعاً  محلية ومستوردة مدفوعة الجمارك، ومصنعون في حلب اعترضوا على مصادرة مستودعاتهم

ويلفت إلى أنه بعد قرار وزارة الاقتصاد تعليق استيراد الموز، طرحت المؤسسة السورية للتجارة، في وقت سابق من سبتمبر/ أيلول الجاري، كميات كبيرة من الموز في صالات العرض الخاصة بها، بسعر 10 آلاف ليرة للكيلوغرام الواحد، لترفع بذلك السعر في الأسواق ليصل إلى 15 ألف ليرة للكيلوغرام، لا سيما أن مؤسسة التجارة لا تبيع سوى كيلوغرامين للأسرة.

ويشير إلى أن المؤسسة الحكومية أضحت تلاحق حتى باعة الموز بالأسواق وتصادر البضائع، مبيناً أن سوق الهال لتجارة الجملة يشهد يومياً دخول نحو 1000 كرتونة.

في المقابل، يقول مسؤولو وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك إن المعروض حالياً في الأسواق عبارة عن موز مهرب تم إدخاله بطريقة غير شرعية، لأنه تم تعليق إجازات الاستيراد لهذه السلعة.

لكن الخبير الاقتصادي السوري محمود حسين تساءل: "كيف تم إدخال الموز إلى سورية، وهل ذنب الباعة إن كان الموز الذي يشترونه من سوق الجملة مهرباً"، واصفا المصادرات التي تقوم وزارة الاقتصاد بأنها "سرقة للباعة".

ويشكك حسين خلال حديثه لـ"العربي الجديد" برواية التهريب التي تسوقها إدارات وزارة التجارة، مؤكدا أن مستوردي الموز هم أساساً من المقربين من النظام.

أكاديميون سوريون مهتمون بالسلامة الغذائية : زيوت القطن المطروحة في الصالات الحكومية غير صحية

ويقول حسين إنه "بخلاف مصادرة الموز من الباعة في الأسواق وإعادة بيعه في صالات مؤسسة التجارة الحكومية، تقوم المؤسسة بعرض سلع مخالفة للمواصفات بأسعار مرتفعة مع أنه جرى استيرادها بأسعار رخيصة لتدني جودتها".

وكان أكاديميون سوريون مهتمون بالسلامة الغذائية قد أكدوا أن زيوت القطن المطروحة في الصالات الحكومية غير صحية، لكن وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك مستمرة بطرح هذه السلعة في الأسواق، نظراً لعجزها عن تأمين احتياجات السوق المحلية من الزيوت النباتية الأخرى.

وتضاربت التصريحات بشأن ثمن السلع المصادرة، إذ قال عضو مجلس الشعب السابق رضوان المصري، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إن "الموز المُصادر لم يكلف الحكومة ليرة واحدة، بينما تبيعه بعشرة آلاف ليرة، بكم كانوا سيبيعونه لو أنهم استوردوه؟".

لكن وزير التجارة الداخلية عمرو سالم قال في تصريحات صحافية إن "المؤسسة السورية للتجارة تدفع ثمن تلك المصادرات إلى الجهة التي صادرتها، لأن المصادرات تتبعها دعاوى قضائية تبت بمصير قيمتها"، مضيفا أن "كلفة الموز المصادر على المؤسسة السورية للتجارة 10 آلاف ليرة للكيلوغرام، وتم طرحه للبيع للمواطنين بسعر الكلفة دون ربح".

في المقابل، تتفاخر حكومة نظام الأسد بمبالغ المصادرات والغرامات المفروضة. وكشف مصدر في المديرية العامة للجمارك أن قيمة غرامات قضايا التهريب تجاوزت 4 مليارات ليرة خلال أغسطس/ آب الماضي، تم تحصيل نحو مليار ليرة منها، وبقية الغرامات قيد التحصيل.

تتفاخر حكومة نظام الأسد بمبالغ المصادرات والغرامات المفروضة، ومصدر في مديرية الجمارك يكشف أن قيمة غرامات قضايا التهريب تجاوزت 4 مليارات ليرة في أغسطس

ويضيف المصدر وفق ما نشرته مؤخرا صحف سورية: "يعمل بعض التجار والمهربين على إدخال المواد والبضائع بطرق غير شرعية، مستغلين الحاجة والطلب على بعض المواد في السوق المحلية، وطرحها بأسعار مرتفعة ومن دون التحقق من هوية هذه المواد ومصدرها ومدى سلامتها".

في مقابل الرواية الحكومية بشأن مدى سلامة السلع التي يجرى استيرادها، فوجئ السوريون في مناطق سيطرة النظام في الأيام الأخيرة بأن العديد من السلع التي عمد النظام إلى بيعها في الأسواق تحوي حشرات ومخالفة للمواصفات، الأمر الذي لم ينكره مسؤول حكومي، معتبرا أن ذلك أمر طبيعي في ظل ارتفاع درجات الحرارة خلال فصل الصيف.

ويتحدث البعض عما وصفوه بـ"فضيحة مؤسسة التجارة" في يوليو/ تموز من العام الماضي، حينما طرحت المؤسسة مزايدة للتجار لبيع مواد منتهية الصلاحية، أو شارفت على الانتهاء، بكميات كبيرة (175 طن شاي وحبوب وسمن ومعلبات)، من دون أن تعرف أين سيصرّف التجار تلك الأغذية وما آثارها الصحية على المستهلكين.

وكان رئيس النظام السوري بشار الأسد قد أصدر في 12 ابريل/ نيسان الماضي، مرسوما لحماية المستهلك وضبط الأسعار ومنع الغش والاحتكار، يتضمن مجموعة واسعة ومشددة من الضوابط والعقوبات التي تكفل تنظيم حركة الأسواق التجارية بما يجعل التلاعب بالأسعار أو الغش بالمواد جريمة تستلزم الحبس والغرامة المرتفعة معا، لكن هذا المرسوم وما تلاه من قرارات بقي، برأي سوريين، حبراً على ورق.

المساهمون