المواطن المطحون وموازنة مصر الجديدة

27 ابريل 2021
توقع ارتفاع أسعار المحروقات في الموازنة الجديدة (Getty)
+ الخط -

لا جديد في مشروع موازنة الدولة المصرية للعام المالي الجديد (2021-2022) الذي يبدأ تطبيقه في الأول من يوليو/ تموز من كلّ عام، فالحكومة تراهن كالعادة على جيب المواطن، المخروم أصلاً، لتمويل احتياجات الدولة، وتغطية العجز في الموازنة العامة.

والضرائب ما زالت المصدر الرئيسي للإيرادات العامة، مع استمرار الحكومة في تطبيق سياسة زيادة الرسوم والضرائب لتكون الممول الأول للموازنة، وخطط تخفيض الدعم الحكومي للوقود مستمرة، وهو ما ينبئ بزيادات مرتقبة في أسعار البنزين والسولار والغاز خلال العام المالي الجديد، فيما أعباء الدين العام تضغط بشدة على إيرادات الدولة وتستنزفها لدرجة أنّ هذه الأعباء باتت تستنزف نحو 85.86% من تلك الإيرادات.

وما زالت فاتورة الأغذية والوقود تضغط أيضاً على موارد الدولة، وهو ما يطرح الحديث مجدداً عن قضية الأمن الغذائي المصري وضرورة توسيع الرقعة الزراعية والاهتمام بزراعة محاصيل استراتيجية مثل القمح والذرة والتي تعد مصر من أكبر مستورديها على مستوى العالم.

إجمالي أقساط وفوائد الديون المستحقة تقدر بنحو 1.172 تريليون جنيه وبما يعادل 85.8% من إجمالي إيرادات مقدرة بنحو 1.365 تريليون جنيه

الحكومة تقدمت للبرلمان، يوم الأحد، بمشروع الموازنة الجديد الذي كشفت أرقامه عن عدم حدوث أيّ تغير جوهري في تفكير راسمي السياسة المالية والاقتصادية للبلاد.

فالحكومة رفعت تقديرات الإيرادات الضريبية كما يحدث كلّ عام لتصل خلال العام المالي الجديد لنحو 983.1 مليار جنيه (الدولار بـ15.68 جنيهاً)، وهو ما يزيد عن أرقام العام المالي 2020-2021 والبالغة 964.777 مليار جنيه، من دون أن تلجأ لوسائل أخرى لزيادة الموارد غير زيادة الضرائب على الشريحة الأكبر من المواطنين، أو رفع الرسوم على الخدمات المقدمة في المصالح الرسمية سواء المرور أو الشهر العقاري أو مصلحة الأحوال المدنية وغيرها.

وما زالت الحكومة تتجاهل مطلب زيادة الضرائب على الطبقات الأكثر ثراءً في البلاد  على عكس ما يحدث في معظم دول العالم وآخرها الولايات المتحدة، إذ يتبنى جو بايدن زيادة هذه النوعية من الضرائب لتمويل مشروعات البنية التحتية ودعم الطبقات الفقيرة.

تتبنى الحكومة المصرية هدف تخفيض دعم مخصصات الوقود بنسبة كبيرة تصل إلى 35% في مشروع الموازنة الجديدة، فقد خصصت 18.4 مليار جنيه مقابل 28.193 مليار جنيه في موازنة العام الجاري.

وهذا التراجع الحاد يأتي رغم توقعات قوية بزيادة أسعار النفط في الأسواق العالمية خلال الفترة المقبلة مع وجود توقعات بانتعاش الاقتصاد العالمي وزيادة الطلب على الطاقة عقب تراجع خطر كورونا. وفي حال حدوث ذلك فإن أسعار المواد البترولية قد ترتفع في مصر وغيرها من الدول المستوردة للطاقة في العام المالي الجديد.

الحكومة تتجاهل مطلب زيادة الضرائب على الطبقات الأكثر ثراءً في البلاد، وتواصل زيادة الرسوم 

أيضاً، من اللافت في الموازنة الجديدة زيادة فاتورة الدين العام، إذ يقدر إجمالي أقساط وفوائد الديون المستحقة بنحو 1.172 تريليون جنيه من بين إجمالي إيرادات مقدرة بنحو 1.365 تريليون جنيه منها 579.6 مليار جنيه تكلفة الفوائد المطلوب سدادها عن القروض المحلية والأجنبية.

وهو ما يعني أنّ المتبقي من إيرادات الدولة 193 مليار جنيه فقط، وهو مبلغ لا يكفي لتغطية بند واحد هو الأجور البالغ تكلفته 361.05 مليار جنيه، بزيادة 26.05 مليار جنيه عن العام الجاري.

ويكفي هذا الفائض القليل بالكاد تغطية بند الدعم البالغ 183.3 مليار جنيه، فما بالنا بالبنود الأخرى وباقي المصروفات البالغ قيمتها 1.837 تريليون جنيه؟ بالطبع، ستلجأ الحكومة للاستدانة مجدداً لسداد تلك الأعباء الضخمة.

ورغم تلك الأعباء المفروضة على المواطن، فإنّ الموازنة الجديدة تضمّ بعض الأمور الإيجابية، منها مثلاً زيادة مخصصات دعم السلع التموينية لتصل إلى 87.222 مليار جنيه، وزيادة بند الأجور بنسبة 11.4% لتغطية زيادة الحد الأدنى للأجور إلى 2400 جنيه، والتراجع الحاد في التمويلات الخارجية لتبلغ 78.375 مليار جنيه، وبما يعادل 5 مليارات دولار، مقابل 165.440 مليار جنيه، ما يعادل 10.5 مليارات دولار في العام الجاري، والتراجع كذلك في قيمة السندات المصدرة.

لكن من أين ستأتي الحكومة بالأموال المطلوبة لسداد أعباء الدين العام والدعم والأجور والاستثمارات العامة؟

هل من القروض التي أعلنت عن تقليصها في العام الجديد، أم من جيب المواطن الذي يعاني ظروفاً معيشية صعبة، خصوصاً مع استمرار تفشي وباء كورونا والخسائر الفادحة الناجمة عنه؟

المساهمون