يُسارِع الصياد الفلسطيني محمد بكر إلى خوض عباب البحر على قاربه الصغير في اللحظات التي تلي المُنخفض الجوي وتسبق المنخفض الآخر، أملاً في الرزق الوفير الذي تقذف به الأمواج التي تُحركها الرياح القوية نحو شاطئ البحر.
تُشكل فترة المنخفضات والتقلبات الجوية التي يقع ساحل قطاع غزة تحت تأثيرها مع اشتداد فصل الشتاء، مساحة جيدة للصيد الوفير، الذي يُمكّن الصيادين من تعويض بعض خسائرهم التي تعرضوا لها بفعل الحصار البحري، والممارسات والمضايقات الإسرائيلية في عرض البحر.
تكتظ حسبة السمك والأسواق في هذه الأيام بكميات متنوعة من الأسماك التي تبدأ في موسم هجرتها السنوية بمحاذاة شواطئ قطاع غزة، والتي تشهد حالة من التقلبات الجوية، ما يسهّل مهمة الأمواج التي تجلب الكميات الوفيرة نحو شِباك الصيادين المتعطشين إلى الربح.
ويوضح الصياد محمد بكر أنّ فترة المنخفضات الجوية تعتبر ذهبية بالنسبة للصيادين، الذين يعيشون واقعاً صعباً بسبب مُمارسات الاحتلال بحقهم طيلة العام، وتأثير ذلك بالسلب على مصدر رزقهم الوحيد.
يوضح بكر لـ"العربي الجديد" أن أصناف الأسماك التي جرى اصطيادها خلال المنخفضين الجويين الأخيرين، مثل أسماك السردين والبوري والفريدي والكنعن (الغزلان) وغيرها، تكون في نِطاق بحري بعيد عن شِباك الصيادين، بسبب التضييق الإسرائيلي، الذي يمنع الصيادين من تجاوز المساحة المفروضة، أو حتى مُلاحقتهم داخلها، إلّا أنّ فترة المنخفضات الجوية، تُعتبر جيدة لجر تلك الأسماك بالقرب من الشاطئ.
ويؤكد الصياد مفلح أبو ريالة، أن الصيادين يستبشرون بالمنخفضات والرياح، مثل استبشار المزارع بمياه الأمطار، إذ تساهم قوة الرياح بجرّ الأسماك نحو الشاطئ، ما يزيد من نسبة الصيد، فيما تبدأ بالانخفاض تدريجياً مع انتهاء تأثير المنخفضات الجوية.
يصف أبو ريالة انتصار الأمواج للصياد في المنخفضات، بخاصة مع التضييق والمنع الإسرائيليين، بأنّه حالة من الإنصاف للصياد الذي يقضي معظم الوقت في مُلاحقة الأسماك من شمالي قطاع غزة حتى جنوبيه، فيما يُساهم الحصار البحري بإبقاء الشِباك فارغة من الصيد.
ويضيف أنّ ساحل قطاع غزة، يُعتبر ساحل مرور للأسماك، لعدم وجود المزارع الطبيعية مثل باقي مناطق الصيد في العالم، فيما تغيّر الرياح المصاحبة للمنخفضات مسارها الطبيعي نحو الشاطئ.
من ناحيته، يوضح نقيب الصيادين الفلسطينيين نزار عياش، أنّ الصياد الفلسطيني يتفاءل خيراً بعد المنخفضات القوية ذات التأثير، إذ يصحبها رياح عاتية وتقلب للأمواج، ما يؤدي إلى تعكير لون المياه، ويعيق الرؤية لدى الأسماك، التي تبدأ بالحركة مع دفع الأمواج، والتيارات المائية نحو الشاطئ.
يقول عياش لـ"العربي الجديد" إن الكميات التي جرى اصطيادها بعد المنخفض الجوي الأخير تعتبر "ممتازة" إذ تجاوزت 90 طناً، بخاصة أنّها تأتي بعد فترة من الركود بفعل غياب منخفضات وأنواء جوية مؤثرة وكميات وفيرة من الصيد على مدار مدة شهر ونصف مضت.
في الأثناء، يشير رمضان الجوجو، مسؤول لجان الصيادين في الإغاثة الزراعية، إلى أنّ تغيير الطقس يؤثر على قطاع الصيد بشكل موسمي وليس دائماً، حيث تُساهم التقلبات الجوية، والتي يُطلق عليها الصيادين اسم "النَوّة" في تحسين حالة الصيد خلال فترة التقلبات الجوية والأيام التي تليها، ما يُساهم كذلك في انخفاض أسعار الأسماك في الأسواق، وفق قاعدة العرض والطلب.
وتعتمد مواسم الصيد وفق حديث الجوجو لـ"العربي الجديد" على فترتين رئيسيتين، تبدأ الأولى من شهر إبريل/ نيسان حتى يونيو/ حزيران، والثانية من سبتمبر/ أيلول، حتى نوفمبر/ تشرين الثاني، أما موسم الشتاء ويبدأ من ديسمبر/ كانون الأول، حتى فبراير/ شباط، فيعتبر موسما ضعيفا، باستثناء بعض المنخفضات الجوية التي قد تساعد على وفرة في الصيد.
ويتعرض الصيادون الفلسطينيون إلى جُملة من المُمارسات والمُضايقات الإسرائيلية، التي تبدأ بفرض مساحة للصيد لا يُمكن تجاوزها، إلى جانب مُلاحقة الصيادين، وسلب وسائل الرزق، علاوة على اهتراء نحو 90% من الماكينات الخاصة بقوارب الصيد، والتي انتهى عُمرها الافتراضي، بسبب منع الاحتلال لدخولها وكذلك قطع الغيار اللازمة لصيانتها منذ بداية الحصار الإسرائيلي على قطاع غزة منذ ما يزيد عن 16 عاماً.