المقاطعة التركية لإسرائيل: خسائر ضخمة للاحتلال تضرب عمق الاقتصاد

05 مايو 2024
مرفأ تجاري في تركيا، 28 يونيو 2023 (Getty)
+ الخط -
اظهر الملخص
- المقاطعة التركية تؤثر سلبًا على الصناعة الإسرائيلية بإغلاق مصانع وخطوط إنتاج بسبب الاعتماد على الواردات التركية، مما يزيد تكاليف الإنتاج ويصعب البحث عن بدائل.
- تأثيرات المقاطعة تمتد لقطاعات البناء والسياحة والطاقة، مسببة ارتفاع أسعار الشقق وتكاليف البناء، وتأثر العلاقات التجارية والسياحية بين البلدين.
- الاعتماد المفرط على الواردات الرخيصة من تركيا بموجب سياسات حكومة نتنياهو أضعف الصناعة الإسرائيلية، مما جعلها غير مستعدة لمواجهة تداعيات المقاطعة وأدى إلى ارتفاع تكاليف المعيشة.

تضرب المقاطعة التركية لإسرائيل عمق اقتصاد الاحتلال، حيث تطاول الانعكاسات العديد من القطاعات الحيوية وصولاً إلى جيوب الإسرائيليين الذين بدؤوا يستعدون لارتفاعات الأسعار.

ويشرح موقع "كالكاليست" الإسرائيلي أن المفهوم الذي سمح بالإدمان على المنتجات التركية الرخيصة انفجر فجأة بعد خطوة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، وتحديداً عندما كانت الصناعة الإسرائيلية في حالة انحسار. ويقول: "الضرر العميق سنلمسه قريباً".

ويلفت الموقع الإسرائيلي إلى أن عواقب المقاطعة التركية لإسرائيل ستصل قريباً إلى جيوب الإسرائيليين، وستنحصر واردات المواد الخام الأساسية للصناعة، وسترتفع أسعار السلع الأساسية، وقد ترتفع أسعار الشقق، وكذلك أسعار المواد الغذائية. كل هذا إلى جانب علامات الاستفهام التي تحيط باستيراد النفط إلى إسرائيل والذي يمر عبر تركيا.  

إذ إن سياسات حكومات بنيامين نتنياهو في العقد الماضي، والتي تضمنت إزالة الرسوم الجمركية التي كان من المفترض أن تحمي الصناعات الأساسية، أسقطت بصورة متكررة المصانع وخطوط الإنتاج على مذبح الواردات الرخيصة من تركيا، وفق الموقع الإسرائيلي. ومن ثم تجعل المقاطعة التركية لإسرائيل الصناعة الإسرائيلية خاصة ضعيفة، بعد سنوات عديدة اضطرت خلالها إلى التكيف مع بيئة متحيزة إلى الاستيراد.

ويتابع الموقع: "على الصناعيين والمستهلكين أن يرسلوا أكاليل الشوك إلى وزراء حكومات نتنياهو الذين أغمضوا أعينهم عن هذه الأزمة".

تأثير المقاطعة التركية لإسرائيل على الصناعة

فقد تراجعت أعداد متزايدة من المصانع وخطوط الإنتاج وأغلقت أبوابها في إسرائيل، بينما في الوقت نفسه، اكتظت موانئ حيفا وأشدود بالمزيد من الحاويات المحملة بالبضائع الرخيصة من تركيا. وتجاهلت وزارتا المالية والاقتصاد التحذيرات المتكررة من أن الإدمان الرخيص على السلع التركية سينفجر، واعتقدتا أن أردوغان سيحافظ على الفصل التام بين السياسة والاقتصاد.

وأضاف الموقع الإسرائيلي: "لقد اعتقدوا أنه حتى بعد أزمة أسطول الحرية في عام 2010، التي قُتل خلالها 13 مواطناً تركياً، لم يلحق أردوغان الضرر بعلاقاته التجارية مع إسرائيل، وأنه حتى في الأزمة الحالية في غزة، سيكتفي بالمصطلحات السامة والتهديدات الفارغة، ولكن حتى في هذه الحالة، تحطم المفهوم الإسرائيلي إلى أجزاء، وكان قرار تركيا بوقف العلاقات التجارية بمثابة مفاجأة كاملة في إسرائيل".

وهكذا، بعد سنوات من تشجيع الواردات وتعزيزها، تجد إسرائيل نفسها في أزمة، مع وجود مصانع فردية في الصناعات التي تعتبر حاسمة للاستمرارية الوظيفية للاقتصاد في حالات الطوارئ، مثل إنتاج النفط والأسمنت وكابلات الكهرباء، وقطاع الصلب والحديد للبناء. 

ويعتبر الموقع أن عواقب المقاطعة التركية لإسرائيل  تلوح في الأفق، وسوف تشعر بها إسرائيل في الأيام المقبلة. لن تصل المواد الخام الأساسية للصناعة، وإيجاد مصادر استيراد أخرى يتطلب وقتاً ومجموعات من الاتفاقيات وحتى عند توقيعها - فمن المحتمل أن تكون أسعار البضائع أعلى بكثير من تلك التي يطلبها مورّدو السلع من تركيا.

وسد هذه الفجوات في الأسعار سيأتي أيضاً من محافظ المستهلكين الإسرائيليين الذين يئنون بالفعل من تكاليف المعيشة المرتفعة بازدياد. إن زيادة الإنتاج المحلي بديلاً للمنتجات الأساسية التي يتم إيقاف استيرادها من تركيا حالياً، لا يمكن تحقيقها بضغطة زر. وسوف يتطلب الأمر استثمارات كبيرة في إنشاء خطوط الإنتاج، وتوظيف العمال وتدريبهم، وقبل كل شيء، اليقين الذي لا تستطيع الحكومة توفيره للاقتصاد.

وحتى قبل الحرب، كانت الصناعة الإسرائيلية تعاني نقصاً حادّاً ومستمرّاً لنحو 12 ألف عامل محترف. ومنذ بداية الحرب، اشتدت هذه المعاناة. ويضاف إلى ذلك القيود المفروضة على دخول آلاف الفلسطينيين إلى المناطق الصناعية وأماكن العمل في إسرائيل، وضرورة تقديم العديد من العمال الآخرين للخدمة الاحتياطية الممتدة. 

أسعار الشقق سترتفع بمستويات حادة

الضرر الجسيم الذي لحق بالتجارة مع تركيا تعرض له قطاع البناء والصناعة الإسرائيلي منذ حوالي شهر عندما قيدت تركيا تصدير المنتجات إلى إسرائيل من 54 فئة، والغالبية العظمى من هذه المنتجات هي لقطاع البناء والتشييد.

ولذلك تشير التقديرات إلى أن تشديد المقاطعة التركية لإسرائيل لا يمكن أن يسبب المزيد من الضرر في مجال البنية التحتية والبناء.

وفي أعقاب الخطوات التركية، يبحث الصناعيون في الأسابيع الأخيرة عن بدائل للمنتجات التركية، وتجري محاولات لاستيراد الأسمنت من مصر وإسبانيا. وتوجد بدائل للأرضيات والسيراميك والأدوات الصحية في الصين، حيث يمكنك شراء هذه المنتجات بسعر معقول نسبياً، لكن التهديد الحوثي سبّب ارتفاع تكلفة النقل من هناك. وتعد إيطاليا مصدراً آخر لهذه المنتجات، لكنها أكثر تكلفة.

وتشكل المقاطعة التركية لإسرائيل عبئاً ثقيلاً على الصناعة، ويضاف إلى ذلك النقص الحاد في العمال الفلسطينيين. ويقول أحد كبار الصناعيين لـ "كالكاليست" إن شركات المواد اللاصقة والخرسانة والجص والحجر تجتمع لتشهد انخفاضاً في الطلبيات بنسبة 50% بسبب نقص العمال، والسبب في ذلك هو أنه بدون العمال لا يفتح المقاولون مواقع البناء ومن ثم لا يطلبون المنتجات. وتقدر مصادر في الصناعة أنه سيكون هناك مصانع ستجد صعوبة في الخروج من هذه الأزمة.

وسيؤثر هذا الحدث، وفق الموقع الإسرائيلي، في نهاية المطاف على الجمهور، لأن من المتوقع أن ترتفع أسعار الشقق بحدّة، وذلك لسببين - سيؤدي تباطؤ البناء إلى انخفاض المعروض من الشقق. ومن ناحية أخرى سينعكس ارتفاع أسعار المنتجات في نهاية المطاف على سعر الشقة، لأن المقاول المستعد لبيع الشقة بخسارة لم يولد بعد. 

أعمال الشحن

وحتى قبل إعلان المقاطعة التركية رسمياً لإسرائيل فإن أول من أدرك أن هناك مشكلة جديدة في التجارة بين إسرائيل وتركيا هم العاملون في صناعة الشحن الذين رأوا أن الجمارك التركية رفضت التعاون معهم.

وهذا الإلغاء سبّب توقف البضائع في منتصف سلسلة التوريد، لأن الجمارك التركية لا تسمح بإدخال البضائع وإخراج البضائع، وكانت هناك سفن عادت بعد أن أبحرت.

قال يورام زيفا، صاحب شركة شحن، لموقع "كالكاليست" إن معظم البضائع التي تأتي من تركيا إلى إسرائيل تمر عبر البحر، وأحد الأسباب التي جعلت تركيا وجهة استيراد رئيسية للإسرائيليين، إلى جانب تكاليف الإنتاج الرخيصة، هي مسافة قصيرة نسبيّاً بين البلدين - "من جنوب تركيا تستغرق الرحلة 18 ساعة، وبسبب الحرب والحوثيين، ارتفعت رسوم النقل بنسبة 20%. وستكون المصادر الأخرى بعيدة، وستكون أوقات التسليم أطول أيضاً، إذا كان البديل الآن هو جلب المزيد من الفولاذ من الصين، فهو أقل جودة".

تأثير تجاري وسياحي

إن المقاطعة التركية لإسرائيل التي جاءت بعد حصار الحوثيين للبحر الأحمر يضر أيضاً بالأحلام الإسرائيلية بأن يكون الاحتلال قادراً على القيام بدور "الأب التجاري"، أي الإمساك بالتجارة التي ستربط الشرق الأقصى بالبحر الأبيض المتوسط، ونتيجة لذلك، فإن الأعمال التجارية من المتوقع أيضاً أن تتضرر.

فقد سبّب الحوثيون دوران جميع الخطوط حول رأس الرجاء الصالح، وتفريغ البضائع إلى غرب البحر الأبيض المتوسط.

وكذا حتى 7 أكتوبر كانت تركيا أحد الشركاء التجاريين الرئيسيين لإسرائيل في مجال الطيران والسياحة. وكانت وجهة الطيران الرئيسية للسائح الإسرائيلي في عام 2023، إذ سافر إليها 2.3 مليون إسرائيلي، 

وكانت الخطوط الجوية التركية  الشركة الرابعة من حيث العمليات في إسرائيل عام 2023 (قبل إسرائير وأركيا) بحوالي 1.1 مليون مسافر، وكانت شركة بيغاسوس التركية منخفضة التكلفة الشركة السابعة من حيث عدد الركاب بنحو 692 ألفاً.

ومع تقدم الحرب وتفاقم الخطاب التركي ضد إسرائيل، تم تقليص الرحلات الجوية المتبادلة حتى توقفت تماماً، ولا توجد حالياً رحلة ركاب مباشرة واحدة تعمل بين إسرائيل وتركيا.

انعكاسات متوقعة على النفط والسيارات

وينتظر سوق الطاقة في إسرائيل الأيام المقبلة بفارغ الصبر لبحث ما إذا كانت المقاطعة التركية لإسرائيل ستشمل أيضاً وقف نقل النفط من أذربيجان، أحد كبار موردي النفط إلى السوق الإسرائيلية، عبر تركيا.

ولم تتلق سوق الطاقة الإسرائيلية حتى الآن إخطاراً من موردي النفط بشأن تعليق التداول، لكن لا يوجد استبعاد لاحتمال وصول مثل هذه الإخطارات في الأيام المقبلة. إذا حدث مثل هذا السيناريو، فسيكون سوق الطاقة الإسرائيلي مطالباً بالشراء من أسواق أخرى، الأمر الذي قد يؤثر أيضاً على تكلفة الوقود ونقله إلى المصافي في إسرائيل. إن القرار بشأن قضية النفط معقد في ما يخص أردوغان، لأنه سيضر أيضاً بأذربيجان، شريكة تركيا.  

وفي يناير/كانون الثاني الماضي، استوردت إسرائيل ما قيمته حوالي 300 مليون دولار من النفط من أذربيجان. ويمر النفط الخام المنتج في أذربيجان عبر خط أنابيب باكو - تبليسي - جيهان (BTC)، وفي ميناء جيهان في تركيا، يتم نقل النفط إلى ناقلات يتم تفريغها في ميناء حيفا تمهيداً لتكرير النفط وبيعه إلى محطات الوقود والصناعة في جميع أنحاء إسرائيل.

ومن المتوقع أن تضر المقاطعة التركية لإسرائيل بمستوردي السيارات الإسرائيليين وكذلك المستهلكين. وتقوم كبرى شركات صناعة السيارات بتصدير سلسلة من السيارات الشعبية من تركيا إلى إسرائيل: هيونداي آي 20، تويوتا كورولا، فورد ترانزيت وغيرها.

ووفقاً لبيانات جمعية مستوردي السيارات، تم استيراد 23.363 سيارة مصنوعة في تركيا من أصل 270.023 سيارة إلى إسرائيل حتى العام الماضي، وهو رقم يضع تركيا في المركز الرابع في الواردات إلى إسرائيل.

المساهمون