أفضى ارتفاع أسعار الغذاء في العالم، بما كان له من تأثير على فاتورة واردات المغرب، إلى طرح مسألة القدرة على تأمين حاجيات الاستهلاك وإمكانية توجيه السياسة الزراعية نحو تأمينها، والعودة إلى الاهتمام بصغار المزارعين من أجل سد الفجوة الغذائية.
وتذهب المندوبية السامية للتخطيط (حكومية) إلى أن معدل التضخم سيصل في العام الحالي إلى 4.9%، معتبرة أنه باعتباره بلدا مستوردا للمنتجات الطاقية والغذائية، سيتأثر المغرب بشكل كبير بتداعيات هذه الأزمة.
وتشير المندوبية إلى أن التضخم المستورد (ارتفاع أسعار السلع المستوردة)، سيبلغ خلال هذه السنة، كما هو الحال بالنسبة للعديد من دول العالم، مستويات استثنائية ستؤدي إلى تدهور كبير للقدرة الشرائية وتراجع مردودية بعض القطاعات الإنتاجية.
وكان المغرب قد أعلن بعد "المخطط الأخضر" الذي يشير إلى السياسة الفلاحية للعقد السابق، عن إطلاق سياسة جديدة للفترة بين 2020 و2023، أطلق عليها اسم "الجيل الأخضر"، حيث يراد التمهيد لمضاعفة الناتج الخام الزراعي كي يصل إلى ما بين 20 و25 مليار دولار خلال عشرة أعوام، ومضاعفة الصادرات الزراعية لتصل إلى 6 مليارات دولار.
وانتقلت القيمة المضافة الزراعية في العشرة أعوام الأخيرة من 8 مليارات دولار إلى حوالي 12 مليار دولار، علما أن المغرب يراهن على تحقيق قيمة مضافة في حدود 14 مليار دولار في نهاية المخطط الأخضر الجاري به العمل.
ويرى الخبير الزراعي والرئيس السابق لاتحاد الجامعة الوطنية للزراعة، محمد الهاكش، أن مفهوم الأمن الغذائي لا يعنى إنتاج الحاجيات من الغذاء محليا، حيث إن دولا يمكنها توفير الغذاء إذا ما توفرت لديها الإمكانيات المالية التي تتيحها ذلك، وإن لم تكن بلدانا زراعية.
ويشير الهاكش، في حديثه لـ"العربي الجديد"، إلى أن هاجس الأمن الغذائي لم يثر نقاشا كبيرا إلي غاية الحرب في أوكرانيا، على اعتبار أن السياسة الزراعية في المغرب كانت قد ركزت على الاستغلالات الكبرى من أجل التصدير وإعادة توجيه المزارعين الصغار والمتوسطين نحو الأشجار المثمرة، كي يتم تقليص الاهتمام بالزراعات الأساسية مثل القمح والنباتات الزيتية.
ويعتبر الهاكش أن الحرب الأخيرة أبانت أن الأمن الغذائي عبر الاستيراد قد لا يتحقق إذا لم تتوفر السلع المطلوبة لدى البلدان المنتجة، ضاربا مثلا بالقمح الذي أضحى سلعة صعبة الاستيراد بعد تعذّر التصدير من أوكرانيا وحتى روسيا، ما يعني أنه "حتى لو توفر لديك المال الكافي قد لا تجد بسهولة بغيتك".
ويلاحظ أن فاتورة واردات القمح انتقلت في الجفاف وتداعيات الحرب في خمسة أشهر إلى 990 مليون دولار، مقابل 861 مليون دولار في الفترة نفسها من العام الماضي، رغم انخفاض الكميات المستورة بحوالي 500 ألف طن، بل إن المشتريات من الشعير انتقلت بين الفترتين من 33 مليون دولار إلى 299 مليون دولار، بعد ارتفاع الكميات المشتراة من 133 ألف طن إلى 771 ألف طن.
ويعتبر أن أبلغ مثال على تحمّل المغرب تكاليف كبيرة من أجل توفير السلع الأساسية، يتمثل في واردات زيت الصويا الخام أو المكرر، حيث ارتفعت الفاتورة إلى 300 مليون دولار في الخمسة أشهر الأولى من العام الجاري، مقابل 189 مليون دولار في الفترة نفسها من العام الماضي، رغم زيادة طفيفة في الكميات المستوردة التي انتقلت بالكاد من 192 ألف طن إلى 220 ألف طن.
وكانت فاتورة الغذاء ارتفعت في الخمسة أشهر الأولى من العام الجاري، مدفوعة بمشتريات القمح والشعير بنسبة 31.8 في المائة، كي تستقر في حدود 3.7 مليارات دولار، مقابل ارتفاع صادرات المنتجات الفلاحية ومنتجات الصناعة الغذائية بنسبة 24 في المائة، لتصل إلى 4 مليارات دولار.
انتقلت القيمة المضافة الزراعية في العشرة أعوام الأخيرة من 8 مليارات دولار إلى حوالي 12 مليار دولار، علما أن المغرب يراهن على تحقيق قيمة مضافة في حدود 14 مليار دولار في نهاية المخطط الأخضر
ويتصور الهاكش، عضو حركة "فيا كامبيسينا" العالمية التي تدافع عن السيادة الغذائية، والتي أبدت اهتماما بالدفاع عن المزارعين الصغار والعمال الزراعيين في بلدان عربية مثل مصر والجزائر والمغرب والسودان، أنه يتوجب التوجه نحو التركيز على الإنتاج الزراعي المحلي، الذي يوفر الحاجيات الأساسية، عوضا عن التوجه نحو تشجيع المساحات الكبيرة التي تحبذ التصدير.
ويعتبر أن السيادة الغذائية يمكن أن تتحقق عبر إعطاء الكلمة للمزارعين المحليين والمستهلكين من أجل المساهمة في تحديد مقوماتها التي يفترض أن تفضي إلى تحقيق نوع من الاكتفاء الذاتي بالنسبة للسلع الأساسية مثل القمح والزيوت والسكر، مشددا على ضرورة استحضار الزراعات غير الضارة بالبيئة.
يرى مراقبون أن السيادة الغذائية يمكن تحقيقها عبر الزراعة الأسرية، وهو ما عبّر عنه المندوب السامي في التخطيط، أحمد الحليمي، عند تقديم توقعات المؤسسة التي يشرف عليها حول تطور الاقتصاد الوطني في العام الحالي والعام المقبل، حين أكد ضرورة إحداث قطيعة على مستوى السياسة الزراعية لفائدة المزارع الصغير.
وجاء حديث المندوب السامي في التخطيط، بعدما عبرت المؤسسة نهاية الأسبوع الأخير، عن ترقب تباطؤ النمو في العام الحالي إلى 1.3 في المائة، مقابل 7.9 في المائة في العام الماضي، متأثرا بالجفاف الذي خفض محصول الحبوب من 10.3 ملايين طن إلى 3.2 مليون طن، ما يدفع إلى التأكيد على ارتهان النمو للتساقطات المطرية في سياق التغيرات المناخية.
وتساهم الزراعة بنسبة 15 في المائة من الناتج الإجمالي المحلي، وتساهم في صناعة حوالي 40 في المائة من فرص العمل، غير أن مراقبين يرون أن أغلب فرص العمل المحدثة في الأرياف تتميز بهشاشتها.