يوصي صندوق النقد الدولي المغرب بتليين أكبر لسعر صرف العملة، غير أن السياق الحالي المتسم بتراجع روافد رصيد المملكة من النقد الأجنبي، يجعل من ذلك مجازفة غير محمودة العواقب بالنسبة لذلك الرصيد والقدرة الشرائية.
ذهب صندوق النقد الدولي، إلى أن تليينا (تحرير تدريجي) أكبر لسعر صرف الدرهم المغربي، سيفيد الاقتصاد، عبر الحفاظ على رصيد النقد الأجنبي والتنافسية ودعم القدرة على التعاطي مع الصدمات الخارجية.
أوضح رئيس بعثة صندوق النقد الدولي المكلف بالمغرب، روبرتو كارداريلي، في نهاية المشاورات التي أجرتها بعثة الصندوق مع السلطات المغربية، أن السلطات منكبة على تتبع شروط الانتقال إلى مرحلة جديدة في مسلسل تليين سعر الصرف، وتعميق الدراسات من أجل اختيار الوقت المناسب للانخراط من تلك المرحلة الجديدة.
وكان المغرب انتقل في مارس/ آذار الماضي إلى المرحلة الثانية من تليين سعر صرف الدرهم، إذ قرر رفع نطاق تحرك الدرهم صعودا أو هبوطا ضمن حدود 5 في المائة، بعدما كان محدداً في 2.5 في المائة، غير أن زحف الفيروس لم يحرض على النقاش حول تداعيات ذلك التليين.
واعتبرت السلطات المغربية، في مارس/ آذار أن توسيع ذلك النطاق سيساهم ليس فقط في تطوير سوق الصرف، بل في تدعيم قدرة الاقتصاد المغربي على الصمود وامتصاص الصدمات الخارجية، ذات الصلة بالأزمة الحالية المرتبطة بجائحة كورونا.
وتوقع المركزي المغربي في سبتمبر/ أيلول الماضي أن يستقر رصيد النقد الأجنبي في العام الحالي في حدود 32 مليار دولار، وهو رصيد سيحصر في حدود 31 مليار دولار في العام المقبل، ما سيتيح تغطية 6 أشهر و20 يوما من واردات السلع والخدمات.
ويعتقد أنه في ظل رصيد النقد الأجنبي الذي يتيح تغطية تلك الفترة من الواردات، لا يواجه المغرب وضعا حرجا على مستوى رصيد النقد الأجنبي، الذي يمكن أن يبرر المضي في تليين سعر صرف الدرهم إلى أبعد حدود، كما فعلت مصر، وهو ما دأب محافظ البنك المركزي، عبد اللطيف الجواهري، على التأكيد عليه منذ إطلاق مسلسل التليين قبل عامين.
وأكدت وزارة الاقتصاد والمالية وإصلاح الإدارة، أن الدرهم واصل تحركه ضمن النطاق المحدد له، دون تدخل من المركزي المغربي، مشددة على أن المرور للمرحلة الموالية ضمن مسلسل تليين سعر الصرف، سيتم باتباع مقاربة تدريجية وحذرة.
ويعتبر مراقبون أنه إذا كانت قيمة الدرهم ارتفعت تحت تأثير زيادة قيمة اليورو وانخفاض قيمة الدولار في الأشهر الأخيرة، فإن ذلك يبقى ضمن الحدود المرسومة، حيث إن التوجه نحو خفض قيمة الدرهم، سيدعم تنافسية الصادرات، غير أنه سيرفع من قيمة الواردات.
ويتصورون أنه إذا اتخذ المغرب قرار تليين سعر الصرف، فإن ذلك سينعكس على قيمة المدخلات المستوردة، مما سيرفع سعر المنتجات المصنعة، ما سيكون له تأثير على القدرة الشرائية التي تراجعت بسبب تداعيات الجائحة.
ويرون أن المغرب لا يعاني في الفترة الحالية من مشاكل على مستوى الحساب الجاري، على اعتبار أنه رغم انخفاض إيرادات الصادرات والسياحة والاستثمارات الأجنبية المباشرة، إلا أن ذلك يقابله انخفاض على مستوى الواردات وسعر النفط، ناهيك عن دعم رصيد النقد الأجنبي باللجوء للاقتراض من السوق المالي الدولي.
ويؤكد الخبير الاقتصادي، مصطفى ملكو، أن المغرب يتريث في سياسة تليين سعر صرف الدرهم، معتبرا أن التحرير التدريجي للعملة قد يكون بهدف تشجيع التصدير، غير أن ذلك غير مناسب في ظل الظرفية الحالية، التي من سماتها انكماش الاقتصاد في البلدان الشريكة للمملكة، مشيرا في الوقت نفسه إلى أن ضعف العرض التصديري يمكن أن يساهم في توسيع عجز الميزان التجاري.
ويتصور ملكو في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن النطاق الذي يتحرك فيه الدرهم والمحدد في 5 في المائة صعودا أو نزولا، يجعل السلطات المعنية تتحكم في أداء العملة المحلية، مشيرا إلى أن المضي في التليين لن يكون مفيدا في الظرفية الحالية، كما ستكون له آثار سلبية على القدرة الشرائية في حال انخفضت قيمة العملة.
وكان محافظ البنك المركزي، أوضح ردا على بعض المصدرين، أنه قبل الحديث عن خفض قيمة الدرهم يجب العمل على التأثير على تنافسية العرض التصديري للمغرب وإعادة تأهيل الفاعلين، مؤكدا أنه مع خفض قيمة العملة، على أن لا يكون التدبير الوحيد، إذ يفترض أن يكون مندرجا ضمن حزمة من التدابير.
ويعتقد اقتصاديون، أن المغرب اختار تليين سعر صرف الدرهم ضمن نطاق محدد ومسلسل ينتظر أن يمتد على مدى عقد ونصف العقد، ما يجلعهم يستبعدون اتخاذ القرار بخفض قيمة الدرهم، وهو القرار الذي يكون سياسيا.
وأبدى المغرب تريثا قبل إبرام اتفاق جديد لخط السيولة والوقاية مع صندوق النقد الدولي، بعد استعمال الخط السابق في سياق الجائحة، حيث اعتبر محافظ البنك المركزي، أن التفاوض حول الخط يستدعي توفير شروطه، مشددا على أن المملكة تتوفر على ما يكفي من النقد الأجنبي من أجل تدبير الوضعية الحالية وما بعد كورونا.