لم تتأخر الدولة المغربية في صرف رواتب الموظفين في الأشهر التي تلت جائحة كورونا، إلا أنها اتخذت تدابير ترمي إلى تأجيل الترقيات ومباريات التوظيف في الوزارات والإدارات وترشيد بعض مصاريف التشغيل، وهو النهج الذي يبدو أنها ستسير عليه في العام المقبل.
وسيكلف الموظفون في العام الحالي 12.9 مليار دولار، خارج المساهمات التي توفرها الإدارة من أجل التقاعد والمرض، حيث يتجلى أن تلك الأجور ارتفعت بنسبة 47% على مدى عشرة أعوام، وعند احتساب المساهمات برسم التقاعد والمرض، تقفز تلك الأجور إلى 15 مليار دولار.
وتمثل تلك الأجور 12.5% من الناتج الداخلي الخام المتوقع برسم العام الحالي؛ أي أكثر من 34% من الموازنة العام، و64% من الإيرادات العادية للدولة.
ولم يرتفع عدد الموظفين المدنيين، خارج موظفي الجماعات المحلية وشركات ومؤسسات الدولة وإدارة الدفاع، في العشرة أعوام الأخيرة سوى بـ 1.37%، حيث انتقل من 560497 موظفاً إلى 568149 موظفاً، ويفسر ذلك باللجوء للتعاقد في التعليم وعدم خفض إحداث وظائف جديدة عبر الموازنة.
وتؤكد الإدارة المكلفة بالوظيفة العمومية أنّ الإيرادات العادية للميزانية المخصصة لنفقات الموظفين تظل مرتفعة، على حساب توجيه مبالغ مهمة لنفقات الاستثمار العمومية، التي يعول عليها من أجل حفز النمو الاقتصادي في البلاد.
وقررت الحكومة في مسعاها لترشيد الإنفاق في العام الحالي، تأجيل الترقيات ومباريات التوظيف في الوزارات والإدارات الحكومية، من أجل تسخير موارد الموازنة العامة للدولة لمواجهة تداعيات كورونا. واستثنى ذلك القرار من هذه التدابير الاستثنائية، الموظفين والأعوان التابعين للإدرات المكلفة بالأمن الداخلي ومهنيي قطاع الصحة.
وساهم موظفو وأعوان الدولة والجماعات المحلية ومستخدمو المؤسسات العمومية، تنفيذاً لقرار أصدرته رئاسة الحكومة، بأجرة يوم واحد من العمل على مدى ثلاثة شهور، حيث حولت إلى الصندوق الخاص الذي أحدثه المغرب من أجل مواجهة تداعيات الجائحة.
وصنف وزير الاقتصاد والمالية وإصلاح الإدارة، محمد بنشعبون، عند حديثه عن تفاصيل موازنة العام المقبل، نفقات رواتب الموظفين ضمن النفقات غير القابلة للتقليص، قائلاً إنها سترتفع بحوالي 850 مليون دولار.
غير أن الحكومة تراهن في سياق متسم بتوقع انخفاض الإيرادات الجبائية بما بين 2.5 و3.3 مليارات دولار، إلغاء بعض نفقات التسيير المتعلقة باستئجار السيارات، وخفض نفقات النقل والسفر داخل وخارج والإقامة بالفنادق.
ويتصور الاقتصادي المتخصص في المالية العامة، محمد الرهج، أن المغرب لم يجد صعوبات في صرف رواتب الموظفين منذ الفترة التي أفضت إلى العمل ببرنامج التقويم الهيكلي في الثمانينيات من القرن الماضي، حيث كانت شحت الإيرادات، ما دفع المملكة إلى الإمعان في الاستدانة ما أخضعها لتوصيات المؤسسات المالية الدولية.
ولفت الرهج، في حديث لـ" العربي الجديد"، إلى أنّ القانون التنظيمي للمالية الجاري به العمل حالياً، يمنع توجيه القروض لتغطية نفقات التسيير ومنها رواتب الموظفين، غير أنه يشير إلى أن ذلك يبقى مرهوناً بوضعية الرصيد العادي للميزانية الذي ينجم عن الفرق بين الإيرادات العادية والنفقات العادية التي تغطي نفقات التسيير ونفقات الدعم وفوائد الديون، علماً أنّ المغرب سجل فوائض في الأعوام الأخيرة على مستوى ذلك الرصيد.
ولم تكف الحكومة في الأعوام الأخيرة عن التعبير عن تطلعها إلى خفض كتلة الأجور في الوظائف الحكومية، من أجل تقليص عجز الموازنة إلى المستوى الذي يحصر في حدود 3% من الناتج الإجمالي المحلي.
تلك توصيات يلح عليها صندوق النقد الدولي، غير أن الجائحة، بما أفضت إليه من تراجع الإيرادات الجبائية، سيؤدي إلى عجز موازني في حدود 7.4%، وهو عجز ينتظر أن يتراجع إلى 6.5% في العام المقبل.
ويساهم الموظفون بشكل كبير في الطلب الداخلي الذي تساهم فيه الأسر التي تدعم النمو الاقتصادي. وتتصور اتحادات عمالية أنّ تطور رواتب الموظفين لم تواكب ارتفاع الأسعار التي مست الخدمات والسلع، لا سيما أن فئات عريضة من الموظفين تتحمل تكاليف تمدرس الأبناء في المدارس العمومية.