المغتربون الجدُد ينقذون خزينة تونس من الإفلاس: التحويلات تتفوق على إيرادات السياحة

09 اغسطس 2022
جيل المهاجرين في العشرية الأخيرة يقدر بنحو 300 ألف تونسي (ياسين غايدي/الأناضول)
+ الخط -

تأخذ تحويلات أكثر من 1.5 مليون تونسي في الخارج منحى تصاعديا، مدفوعة بدخول جيل جديد من المغتربين على الخط، الأمر الذي جعل التحويلات تتفوق على عائدات السياحة وقطاعات أخرى، وأصبحت مصدرا رئيسيا للنقد الأجنبي، ما أنقذ خزينة البلاد من الإفلاس.

وتواصل تحويلات المغتربين إسعاف احتياطي النقد الأجنبي في تونس متفوقة على أهم القطاعات الاقتصادية المدرة للعملة الصعبة ومنها الصناعة والسياحة.

وتأخذ تحويلات أكثر من 1.5 مليون تونسي في الخارج منحى تصاعديا منذ سنوات، مدفوعة بدخول جيل جديد من المغتربين مرحلة "النضج الاقتصادي" بما يسمح لهم بتوجيه جزء من دخولهم في بلدان الإقامة نحو بنوك بلدهم.

وكشفت بيانات حديثة صادرة عن البنك المركزي التونسي أن تحويلات المغتربين بلغت منذ بداية العام الحالي وإلى غاية نهاية يوليو/ تموز الماضي نحو 4.9 مليارات دينار أي نحو 1.5 مليار دولار مقابل 4.2 مليارات دينار خلال الفترة ذاتها من سنة 2021 مسجلة زيادة بـ15 بالمائة.

كما كشفت الأرقام ذاتها بلوغ عائدات القطاع السياحي 1.9 مليار دينار أي ما يعادل 615 مليون دولار خلال الأشهر السبعة الماضية مسجلة زيادة بنحو 65 بالمائة مقارنة بنفس الفترة من السنة الماضية.

اقتصاد عربي
التحديثات الحية

ويتوزع عمل المغتربين التونسيين، من ذوي الشهادات الجامعية في المهن الطبية والهندسة ومجال التكنولوجيات الحديثة إلى جانب الاختصاصات المالية وهندسة الطاقة. بينما يعمل آخرون من الحاصلين على التدريب في المهن باختصاصات البناء والسواقة والسباكة إلى جانب مهن المساعدة الطبية التي زاد الطلب عليها ما بعد جائحة كوفيد لتتحول ألمانيا والبلدان الإسكندينافية إلى الوجهة الأولى لخريجي مدارس مهن المساعدة الطبية بمختلف أنواعها.

تفوق على إيرادات السياحة
وتبرز بيانات البنك المركزي التونسي تفوّق تحويلات التونسيين في الخارج على إيرادات صناعة السياحة بما يزيد على 151 بالمائة لتتحوّل إلى المصدر الأول للعملة الصعبة في تونس في ظل تواصل تعثّر صناعة الفوسفات والقطاعات الصناعية المصدرة.

ويفسر الخبير الاقتصادي محمد منصف الشريف زيادة محاصيل العمل المحوّلة من قبل التونسيين بالمهجر بمجموعة من العوامل، أهمها دخول جيل جديد من المغتربين مرحلة الإنتاج الاقتصادي وهم بالأساس التونسيون الذين غادروا البلاد خلال السنوات العشر الماضية بغاية الدراسة في الخارج.

وأفاد في تصريح لـ"العربي الجديد" بأن تركيبة المغتربين تشهد تحولات من حيث النوعية، مشيرا إلى أن جيل التونسيين الذي هاجر في السنوات الأخيرة أغلبه من حاملي الشهادات العليا في اختصاصات الهندسة والطب والمالية ويعملون بشكل منظم في دول أوروبية ومنطقة الخليج العربي بما يسمح لهم بتقاضي رواتب جيدة يحوّل جزء منها إلى تونس.

وأكد الخبير الاقتصادي أن المغتربين يساهمون عبر تحويلاتهم في منع تهاوي قيمة الدينار التونسي الذي يواجه ضغوطا كبيرة بسبب تراجع المداخيل بالنقد الأجنبي مقابل ارتفاع الدفوعات الناجمة عن زيادة واردات الغذاء والطاقة وتسديد أقساط الدين الخارجي.

في المقابل، قال الشريف إن التونسيين في الخارج يكتفون بالتحويل للاستهلاك أو شراء العقارات أو الادخار مقابل ضعف مساهمتهم في الاستثمار نتيجة غياب الحوافز وصعوبات إدارية تعترضهم لبعث مشاريع أو الدخول في شراكات استثمارية مع أجانب أو متعاملين اقتصاديين من تونس.

وشدد على ضرورة الارتقاء بدور المغتربين في هيكلة الاقتصاد ومساندتهم في بعث مشاريع استثمارية، والاستفادة من الخبرات التي يراكمونها في دول الإقامة ونقل التكنولوجيات بغاية زيادة نسب النمو العامة وخلق مزيد من مواطن الشغل. وسجلت العملة المحلية تراجعا أمام الدولار منذ بداية العام الحالي بنسبة 13.57 بالمائة مقابل شبه استقرار مقارنة بالأورو.

300 ألف مغترب جديد
جيل المهاجرين في العشرية الأخيرة يُقدر بنحو 300 ألف تونسي، وهؤلاء أظهروا قدرة على دعم الاقتصاد عن طريق التحويلات المنتظمة لفائدة أسرهم التي تحولت إلى دخل أساسي للبعض منهم. وتضم الجالية التونسية في الخارج نخباً وكفاءات عالية.

اقتصاد عربي
التحديثات الحية

وحسب دراسة إحصائية أنجزت بإشراف ديوان التونسيين بالخارج (هيئة حكومية تشرف على الجاليات التونسية في الخارج)، فإن عدد الكفاءات العالية التونسية في أوروبا يفوق 90 ألف شخص.

وفي مايو/ أيار الماضي توقع البنك الدولي أن تزيد تدفقات التحويلات المسجلة رسمياً إلى البلدان منخفضة ومتوسطة الدخل بنسبة 4.2 بالمائة هذا العام لتصل إلى 630 مليار دولار في أعقاب تعاف قياسي بلغ 8.6 بالمائة في عام 2021.
وشكلت التحويلات، حسب تقرير المؤسسة المالية الدولية، منذ وقت طويل أكبر مصدر لتدفقات الموارد الخارجية للبلدان النامية في المنطقة، إذ شكلت 61 بالمائة من إجمالي التدفقات الوافدة في عام 2021.

مصدر رئيسي للعملة
وعام 2021 سجلت تحويلات المغتربين رقما قياسيا ببلوغها 7.5 مليارات دينار لتكون بذلك المصدر الرئيسي للعملة الاجنبية في تونس، ما ساعد على مواصلة توريد المواد الأساسية وسداد أكثر من 3 مليارات دولار من القروض الخارجية.
لكن رغم المستوى القياسي، فإن تحويلات المهاجرين التونسيين لا تزال بعيدة من حيث القيمة عما يحوله المهاجرون من بلدان أخرى على غرار مصر التي بلغت فيها تحويلات المقيمين بالخارج سنة 2021 حوالي 33 مليار دولار والمغرب 9.3 مليارات دولار.

حسب دراسة إحصائية أنجزت بإشراف ديوان التونسيين بالخارج (هيئة حكومية تشرف على الجاليات التونسية في الخارج)، فإن عدد الكفاءات العالية التونسية في أوروبا يفوق 90 ألف شخص


ومن جانبه، أكد الخبير المالي خالد النوري، أن تحويلات التونسيين بالخارج تحتل المرتبة الأولى في مصادر النقد الأجنبي إلى جانب القروض الخارجية التي حصلت عليها البلاد.

وقال في حديثه لـ"العربي" الجديد إن هذه المداخيل المتأتية من عائدات عمل أكثر من مليون ونصف المليون مواطن في المهجر ساعدت على تغطية خدمة الدين منذ بداية العام في وقت تتواصل فيه الضائقة المالية لتونس بسبب تأخر اتفاق صندوق النقد الدولي. وأشار في سياق متصل إلى أن المصادقة على قانون الصرف الجديد الذي يتيح للأفراد مسك حسابات بنكية بالعملة الصعبة سيزيد من قيمة التحويلات مستقبلا، مرجحا تواصل نسقها التصاعدي بالسنوات القادمة.

وأفاد بأن التونسيين بالخارج لا يزالون يساهمون بشكل كبير في تنمية بلادهم من خلال التدفقات المالية التي بلغت سنة 2020 ما يعادل 2.1 مليار دولار، ما يمثل 5.4% من الناتج المحلي الإجمالي مقابل 2.05 مليار دولار سنة 2019. وحسب بيانات رسمية، سجلت تحويلات التونسيين بالخارج ارتفاعا مهما بين 2016 و2020 قارب 15.3%.

المساهمون