المغاربة يكتوون بغلاء الوقود: شبهات الاحتكار

03 أكتوبر 2022
مطالب بحماية المواطنين من الارتفاع الحاد في سعر الوقود (فرانس برس)
+ الخط -

يتطلع المدافعون عن المستهلك المغربي والمنادون بالشفافية في السوق، إلى حسم الجدال حول سوق البنزين والسولار بالمغرب، ليبدد أو يدعم الشكوك حول وجود اتفاقات بين الشركات تنافي قانون حرية الأسعار والمنافسة. وهو ما أفضى إلى ارتفاع أسعار السولار والبنزين إلى أكثر من دولار ونصف في الفترة الأخيرة. وهو الأمر الذي أجج المخاوف من سعي الشركات إلى توسيع هوامش أرباحها على حساب القدرة الشرائية للمستهلكين المتضررين من ارتفاع التضخم، الذي وصل إلى 8 في المائة.

رسالة من جبهة "سامير"
رفعت الجبهة الوطنية لإنقاذ مصفاة سامير المغلقة، رسالة إلى رئيس الحكومة، عزيز أخنوش، طالبته بـ"إرجاع المحروقات لقائمة المواد المنظمة أسعارها في ظل إبطال الفاعلين شروط المنافسة بالسوق، والعودة لتحديد ثمن البيع العمومي بناء على تركيبة عادلة تضمن الأرباح المعقولة للفاعلين، وتراعي القدرة الشرائية للمستهلكين الكبار والصغار".
جاءت تلك الرسالة التي بُعثت إلى رئيس الحكومة، الأربعاء الماضي، بعد تقرير صادر عن مجلس المنافسة حاول رصد تداعيات الارتفاع الذي شهدته الأسعار في السوق الدولية على السير التنافسي في سوق السولار والبنزين.

وتدعو الجبهة إلى "ابتكار آلية جديدة للدعم والتعويض عن الضرر الناجم عن غلاء أثمان المحروقات، على غرار ما قامت به العديد من الدول، واسترجاع الأرباح الفاحشة المتراكمة منذ التحرير في نهاية سنة 2015".
دأبت تلك الجبهة على التوجه بالخطاب نفسه إلى السلطات العمومية، التي تطالبها كذلك بإعادة تشغيل المصفاة، إذ تعتبر أنّه تتوجب العودة إلى التكرير من أجل حماية المغرب ضد تقلبات الأسعار في السوق الدولية.

ماذا يقول التقرير؟
يشير تقرير مجلس المنافسة إلى أنّه رغم نقل عدد الشركات الفاعلة في السوق منذ خمسة أعوام من إحدى عشرة شركة إلى خمس وعشرين شركة، فإنّ أربع شركات تحوز 68 في المائة من سوق الاستيراد على مستوى الحجم، و61 في المائة من قدرات التخزين.
ويسجل التقرير أن بنية السوق دينامية المنافسة ظلت شبيهة بالفترة التي كانت تحدد فيها، ويؤكد أن شركات الوقود عملت على الاستفادة من ارتفاع الأسعار في السوق الدولية، بهدف تحسين هوامش أرباحها، خصوصاً في الفترة التي شهدت انخفاضاً في الأسعار في السوق الدولية والممثلة في 2020 والنصف الأول من العام الماضي.
ويرى أن مستوى المردودية المرتفع الذي يحققه الفاعلون في السوق لا يدفعهم إلى المنافسة عبر الأسعار. تلك المنافسة التي أبطلت، عبر سعي الشركات إلى مضاعفة هوامش الربح عوض زيادة حصصها عبر خفض الأسعار في الفترة التي سبقت الارتفاعات التي شهدتها الأسعار في السوق الدولية في الأشهر الأخيرة.

تركيز كبير في السوق
لم يُستطلَع رأي جمعيات حماية المستهلك عند إعداد تقرير المجلس، خلافاً لما جرت العادة، هذا ما يؤكده رئيس الجامعة المغربية لجمعيات المستهلك، مديح وديع، الذي يشير إلى أنّ التقرير لم يشفِ غليل المستهلك، الذي تعتبر الجمعيات المدافعة عنه أنّه يتضرر من ارتفاع أسعار الوقود في السوق.

ويذهب إلى أنّ التقرير مع ذلك جاء بتوضيحات تتمثل أساساً في كون شركات المحروقات تعمد إلى عكس ارتفاع أسعار النفط بسرعة في سوق التجزئة، بينما تتأخر في ذلك عندما تنخفض تلك الأسعار في السوق الدولية. ويشير إلى أنّ تلك الشركات، خصوصاً التي تحوز حصة كبيرة في السوق، تمكنت من تعظيم هوامش أرباحها في الفترة التي تراجعت فيها الأسعار في السوق الدولية بحدة بين 2020 والنصف الأول من العام الماضي.

اقتصاد عربي
التحديثات الحية

ويؤكد أنّ التقرير أثبت أنّ هناك تركيزاً كبيراً في السوق ما دامت ثلاث أو أربع شركات تتوفر على حصة كبيرة على مستوى التخزين والتوزيع، إذ إنّ السوق لم تتغير رغم الانفتاح الذي تشهده. ويشدد على أنّ هيمنة أربعة فاعلين على الاستيراد في السوق المحلية يجعل المنافسة صعبة في سوق الوقود، كما أنّ توفر بعض الفاعلين على بنيات للتخزين يساهم في نوع من التركيز في السوق. غير أنّ التركيز الذي يتحدث عنه التقرير، لا يعني في رأي وديع، سيادة نوع من الاحتكار من قبل أحد الفاعلين في السوق، فالاحتكار يحدث عندما يحوز فاعل واحد حصة قد تصل إلى 40 في المائة من رقم مبيعات السوق، وهو ما ليس حاصلاً اليوم.
من جانبه، يعتبر الخبير في قطاع الطاقة، المهدي الداودي، أنّ التركيز الذي يتحدث عنه تقرير مجلس الحسابات ليس وليد اليوم، بل إنّ شركتي "شيل" و"توتال" كانتا تتمتعان به في السوق إلى غاية العشرين عاماً الأخيرة. يقول الداودي لـ"العربي الجديد" إنّ الشركتين أضيفت إليهما شركة "أفريقيا" في العقدين الأخيرين، وحصلت على حصة معتبرة في السوق، خصوصاً عبر محطاتها في المواقع الاستراتيجية، ومنها محطات الاستراحة بالطريق السيار. ويؤكد أن تلك الشركات التي تتوفر على حصة كبيرة في السوق، أنجزت استثمارات من أجل ذلك، مقارنة بالشركات الأخرى، بل إنّ شركة "سامير" حتى، التي تملك المصفاة المغلقة، لم تملك محطات كثيرة.

حقيقة المنافسة
إذا كان التركيز معطى ثابتاً في السوق، فإنّ المراقبين ينتظرون تقريراً آخر لمجلس المنافسة لتوضيح حقيقة المنافسة في السوق، ويفترض به الكشف عن الممارسات المنافية للمنافسة التي تعرفها السوق في المملكة.

هذا ما يؤكده رئيس جبهة الدفاع عن مصفاة سامير ورئيس النقابة الوطنية للبترول والغاز، الحسين اليماني، حين يتساءل عن الأسباب الكامنة وراء إبداء المجلس الرأي في أسعار المحروقات، بينما ينتظر القانون الجديد حول مجلس المنافسة، كي ينظر في الشكوى المتعلقة بشبهة التفاهمات حول الأسعار بين الشركات.
وكان مجلس المنافسة قد اطلع على شكوى رفعها اتحاد النقل قبل ستة أعوام، يطالب فيها ببحث مدى احترام قانون حرية الأسعار والمنافسة من قبل الشركات، بعد تحرير سعر السولار والبنزين في 2015.
ويلاحظ اليماني أن المجلس كان يدفع بأنّه لا يمكنه النظر في موضوع الشكوى، إلّا بعد تصويت البرلمان على القانون الذي ينظم المجلس، إذ يرى أنّ التقرير الأخير للمجلس يمثل نوعاً من التشويش على القرار القادم، الذي يفترض أن يتناول مسألة التفاهم حول الأسعار والذي يحرمه القانون.

لم يُستطلَع رأي جمعيات حماية المستهلك عند إعداد تقرير المجلس، خلافاً لما جرت العادة، هذا ما يؤكده رئيس الجامعة المغربية لجمعيات المستهلك، مديح وديع،

وقد استندت وكالة الاتحاد العمالي للنقل على قانون حرية الأسعار والمنافسة، الذي يعاقب الممارسات المنافية للمنافسة.

ويعيب اليماني على المجلس الذي أنجز التقرير الأخير عدم استماعه لجمعيات حماية المستهلك، ومنظمات المجتمع المدني المهتمة بموضوع الطاقة والمحروقات، وشركة سامير مالكة المصفاة المغلقة، رغم وجودها في وضعية تصفية قضائية، مشيراً إلى أنّ المجلس اقتصر عند إعداده التقرير على الاستماع للشركات والوزارة الوصية على القطاع.

وكان النقاش الذي استدعاه صدور تقرير من مجلس النواب، قبل أربعة أعوام، انصبّ على أرباح شركات الوقود، التي قدرت بحوالي 1.7 مليار دولار منذ تحرير الأسعار، وهي أرباح وُصفت بـ"الفاحشة".
ويتطلع المراقبون إلى عودة المجلس للنظر في حقيقة المنافسة في سوق الوقود، خصوصاً بعد حديثه عن التركيز على مستوى الاستيراد والتخزين والتوزيع، إذ يمكن أن يفضي ذلك إلى نوع من التعسّف، الذي يؤدي إلى تكريس الانطباع بوجود شبه احتكار في السوق، ما قد يرسخ تقليص فرص المنافسة فيها.

المساهمون