استمع إلى الملخص
- **ضغوط صندوق النقد**: يضغط صندوق النقد على الحكومة المصرية لتحويل الدعم العيني إلى نقدي بحلول يوليو 2025، والتحول إلى نظام سعر صرف مرن، وخفض قيمة الجنيه بنسبة 40% منذ مارس الماضي، مع كبح جماح الشركات المملوكة للدولة.
- **مخاوف بيع الأصول العامة**: أبدى خبير التمويل رشاد عبده تحفظه على بيع الأصول العامة، محذرًا من خطورة تلك السياسات، بينما أكد هشام السيد على أهمية بيع الأصول بسعر عادل لتحسين الاقتصاد وتوفير الدولار، مع بناء الثقة مع المستثمرين.
تنفست الحكومة المصرية الصعداء، بعد موافقة صندوق النقد الدولي الاثنين على إقرار المراجعة الثالثة لبرنامج الإصلاح الاقتصادي، بينما يتحسس المواطنون جيوبهم، حيث جاءت الموافقة بعد ساعات من رضوخ الحكومة لطلبات صندوق النقد، برفع أسعار الوقود بنسبة 15%، والتزامها برفع أسعار الكهرباء ومياه الشرب في فواتير شهر أغسطس/ آب 2024.
وكشفت أنطوانيت سايح نائب المديرة العامة لصندوق النقد في كلمتها أمام المجلس التنفيذي، عن مطالبة الحكومة بوقف دعم الطاقة بشقيها الكهرباء والوقود، بشكل شامل خلال 15 شهرا تنتهي بحلول ديسمبر/ كانون الأول 2025، مؤكدة أن إعادة أسعار الطاقة والمحروقات للمستهلكين إلى مستويات التكلفة أمر ضروري لدعم التزويد السلس بالطاقة للسكان والحد من اختلالات التوازن في القطاع.
ودعت إدارة الصندوق الحكومة إلى احتواء المخاطر المالية الناجمة عن انخفاض إنتاج الغاز الطبيعي الذي ساهم في انقطاعات الكهرباء يوميا منذ العام الماضي، معتبرة رفع الأسعار بنحو 15% نهاية الأسبوع الماضي، نقطة بداية ويجب أن تتواصل لتحقيق التوازن بين التكلفة والعائد، بما يوقف دعم الطاقة من الموازنة العامة للدولة.
وينتظر أن تصل لجنة المراجعة الرابعة من الصندوق نهاية سبتمبر/ أيلول المقبل، للاتفاق على الشريحة الرابعة للقرض، يواكب ذلك ارتفاع جديد في أسعار المحروقات، وحصول اللجنة على خطة واضحة حول تحويل الدعم العيني الذي تقدمه الدولة للمواطنين على رغيف الخبز والسلع التموينية الأساسية إلى دعم نقدي، يجري تنفيذه اعتبارا من يوليو/ تموز 2025. ويمارس خبراء الصندوق ضغوطا كثيفة على الحكومة، لتسير وفق برنامج كشف عن تفاصيله في مارس/ آذار 2024.
مراجعات صندوق النقد
ويعتبر الصندوق أن تلك الضغوط خلال المراجعتين الأولى والثانية للبرنامج الاقتصادي، ساهمت في مواجهة نقص العملة الأجنبية وتحقيق الأهداف المالية، في إشارة إلى مشاركته في إتمام صفقة بيع مدينة رأس الحكمة للصندوق السيادي الإماراتي، مقابل 35 مليار دولار، ودعوته للدول والمؤسسات الداعمة للاقتصاد المصري، بمنح قروض إضافية تبلغ نحو 22 مليار دولار، لتحسين نظام المدفوعات.
ويُلزم الصندوق الحكومة بالتحول إلى نظام سعر صرف مرن، في إطار سياسة يعتبرها "حجر الزاوية في برنامج الإصلاح الاقتصادي"، الأمر الذي دفع البنك المركزي إلى خفض قيمة الجنيه بنسبة 40% منذ مارس الماضي أمام الدولار وباقي العملات الرئيسية.
وقد أعلن صندوق النقد استكماله مراجعة تسمح لمصر بسحب 820 مليون دولار، لافتا في بيان أصدره عقب اجتماع مجلسه التنفيذي، إلى أن الجهود الرامية إلى استعادة الاستقرار الاقتصادي الكلي بدأت تؤتي ثمارها، داعيا الحكومة إلى إحراز مزيد من التقدم في كبح جماح الشركات المملوكة للدولة، لوضع مصر على المسار نحو النمو بقيادة القطاع الخاص، وتسريع ممارسات تسهيل الأعمال وتحقيق المساواة لتجنب الممارسات التنافسية غير العادلة من قبل الشركات الحكومية.
وأكد خبير التمويل والاستثمار الدكتور رشاد عبده لـ "العربي الجديد" أن الصندوق سيوجه بعثة جديدة من خبرائه، خلال الربع الأخير من العام الجاري، لمراجعة التزام الحكومة ببرنامج الإصلاح المتفق عليه مارس الماضي، ومدى سيرها على التعليمات التي وضعها مجلسه التنفيذي أخيرا، والتي تشمل مراجعة النفقات الحكومية، وتأهيل الشركات العامة للطرح أمام المستثمرين، وحوكمة البنك المركزي والبنوك العامة، للتفاوض على صرف القسط الرابع المخطط إصداره قبل نهاية العام.
وأبدى عبده تحفظه على هرولة الحكومة لإرضاء صندوق النقد، في ما يخص بيع الأصول العامة، لضمان الحصول على قروض توجه لسداد مديونيات تسببت في ارتفاعها، من دون أن يستفيد منها الشعب، بينما تفرط في الملكية العامة، وتتوسع في بيع أصول الشعب التاريخية، بما يحرم المواطنين من الاستفادة من عوائدها ويحول دون استفادة الأجيال المقبلة من عوائدها، بدل البحث عن أفضل السبل لاستثمارها، على حد تعبيره.
خطورة بيع الأصول
واعتبر عبده أن الحكومة استطاعت الترويج لفكرة بيع الأصول العامة، عبر توظيف جيش من الأكاديميين ورجال الأعمال الداعمين لفكرة بيع الشركات الحكومية، من دون النظر إلى خطورة تلك السياسات في التخلص من العمالة، وإهدار قيمة الأصول، وعدم الاستفادة من عوائد البيع بإقامة مشروعات بديلة، تساهم في خفض معدلات البطالة ورفع معدلات النمو وتقليل الفجوة بين الصادرات والواردات.
وشدد عبده على أهمية بحث الحكومة عن شراكة حقيقية بين القطاع الخاص والرسمي، لضمان عدم التفريط في الأصول العامة، مع الاستعانة بذوي الخبرة والكفاءة في إدارة تلك الأصول، محذرا من التفاف الحكومة على حق الأجيال القادمة في التمتع بثروات بلدها.
وكشف رئيس لجنة أسواق المال بجمعية رجال الأعمال المصريين، هشام السيد لــ"العربي الجديد" عدم وجود رغبة من رجال الأعمال في مشاركة الدولة بأية مشروعات، خاصة في الفترة الحالية، مؤكدا أن المستثمرين يعانون من معوقات كبيرة في كافة مجالات الاستثمار، تستدعي التدخل الحاسم والسريع من قبل الحكومة للحد منها، لتضمن استقطاب المستثمرين المصريين قبل الأجانب، ومشاركتهم في حل الأزمة الاقتصادية.
وحول رؤيته لسوق الأعمال، في ضوء موافقة صندوق النقد على المراجعة الثالثة للاقتصاد المصري، أكد السيد أهمية النظر إلى برنامج طرح الشركات العامة للبيع من وجهة إيجابية، تساهم في توفير السيولة المالية للحكومة والنقد الأجنبي، للحد من تداعيات الأزمة المالية وشح الدولار، مشترطا أن تتم إجراءات البيع وفق تقييم موضوعي وعادل للأصول والشركات، بما يضمن استمرار أنشطة تلك الشركات بالعمل بكفاءة تحت إدارة القطاع الخاص وتشجيع المستثمرين على إقامة مشروعات مماثلة لها، لتظل المنافسة قائمة في الأسواق لمصلحة الدولة والمستهلك.
ولفت السيد إلى ضرورة أن طرح الأصول العامة للبيع بسعر عادل يساهم في تحسين الاقتصاد، ويمكن الحكومة من توفير الدولار بالأسواق، والسيطرة على التضخم عبر سياسات مالية ونقدية، مذكرا بأن عمليات الطرح للأصول العامة أصبحت برنامجا معروفا للمتخصصين والعامة، منذ أربع سنوات، مع ذلك لا ينفذ وفقا للخطط الموضوعة مسبقا، سواء عبر شراكات مع القطاع الخاص أو بالطرح أمام المستثمرين وبورصة الأوراق المالية.
وشدد على حاجة الحكومة إلى بناء الثقة مع المستثمرين المصريين، وتقديم حوافر كاملة، تدفع مشروعاتهم للبقاء على قيد الحياة في ظل المعوقات التي تعرقلهم، وتحد من خروجهم للعمل بالخارج، ولتكون دافعا أمام المستثمرين الأجانب الراغبين في دخول السوق، بمشروعات إنتاجية، بدلا من الاعتماد على الاستثمار غير المباشر المدعوم بحركة الأموال الساخنة فقط.