تستعد المصارف التونسية للخسائر المترتبة على تداعيات التغيرات المناخية والتي قد تؤدي إلى تعثر الكثير من المقترضين وخاصة في القطاع الزراعي.
وتدفع الدوائر الاقتصادية والمؤسسات المالية نحو وضع آليات تمويل تأخذ بعين الاعتبار التغيرات المناخية وارتفاع درجات الحرارة التي تهدد بخسارة قد تصل إلى 10 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي في غضون العقدين القادمين.
وتبرز دراسات حديثة أجرتها وزارة البيئة التونسية تعرض البلاد لانعكاسات التغّيرات المناخية عبر طقس أكثر حرارة وجفافا مع حدوث تغّيرات على مستوى أهم التساقطات الموسمّية وارتفاع مستوى سطح البحر ودرجة ملوحة المياه وحموضتها.
وتتوقع الدراسة أن يتكبد القطاع الزراعي خسائر اقتصادية تعادل ما بين 5 و10 بالمائة من الناتج الداخلي الخام القطاعي، في غضون سنة 2030، بسبب اختلال المناخ بينما تتراوح تقديرات فقدان مواطن الشغل في القطاع الفلاحي بين 8250 و16500 موطن شغل مع إمكانية ارتفاع خسائر مواطن الرزق إلى 37 في حالة حدوث جفاف.
دعا الرئيس السابق للجمعية المهنية للبنوك والمؤسسات المالية أحمد الكرم، البنك المركزي إلى إعداد دراسة تخص التأثيرات المناخية على القروض التي منحتها البنوك ويحدّد المخاطر المستقبليّة بما ينمي إدراك المؤسسات المصرفية بالمخاطر المناخية ويساعد على تقدير الخسائر التي قد تنجم عنها.
وقال الكرم في تصريح لـ"العربي الجديد" إن السياسات الحكومية والمالية للدولة يجب أن تتهيأ لتأثيرات المناخ على القطاعات الاقتصادية، مؤكدا ضرورة وضع خطط تأهيل شامل تحد من آثار الخسائر وتأقلم المهنيين مع التحديات المناخية التي تعترضهم. وأشار المتحدث إلى أن التغيرات المناخية قد تسبب زيادة في الديون المتعثرة للبنوك نتيجة عجز المقترضين على الإيفاء بتعهداتهم المالية.
وأضاف الرئيس السابق للجمعية المهنية للبنوك والمؤسسات المالية أنّ الاتحاد الأوروبي سيفرض ضريبة على كلّ البضائع المصدّرة نحو أوروبا التي لا تطبق المعايير المعتمدة فيها والتّي ترمي إلى التّخفيض من غاز الكربون والانبعاثات الحرارية المضرة للبيئة.
وبحسب الكرم فإن المصانع التّونسية التّي لا تقوم بالاستثمارات الضّرورية للتحكم في إصدار الكربون ستواجه ضريبة في أوروبا وهو ما يهدد تنافسية السلع المحلية في الدخول إلى الفضاء الأوروبي والأسواق التي تطبّق المعايير البيئية الخاصة بالانبعاثات الغازية.
وكشفت دراسة أنجزتها العام الماضي وزارة البيئة التونسية بالتعاون مع السفارة البريطانية بعنوان "الآثار الاقتصادية للتغّيرات المناخية في تونس، أن القطاع الزراعي الذي يمثل 14.2 بالمائة من الناتج الداخلي الخام، يواجه خطر فقدان ما يقارب 1000 موطن شغل سنوياً.
وتوقعت تأثيراً كبيراً لنقص الأمطار على إنتاج الحبوب، مرجحة أن تنخفض مساهمته من الناتج الداخلي الخام بنسب تقدر ما بين 30 و50 بالمائة في غضون سنة 2100 مع إمكانية فقدان مجال النشاط نحو 30 بالمائة من مواطن الشغل.
ويؤكد عضو المكاتب التنفيذي لمنظمة المزارعين محمد رجايبية، على مواجهة المزارعين لتأثيرات متقلبة للمناخ من أبرزها الجفاف وتراجع مردودية الأراضي بسبب أزمة المناخ العالمي، مؤكدا أن السياسات المالية للدولة لا تأخذ بعين الاعتبار هذه المتغيرات التي تؤثر على الأمن الغذائي للتونسيين ومصدر دخل أكثر من نصف مليون مزارع.
وأشار رجايبية في تصريح لـ"العربي الجديد" إلى أن شركات التأمين بدورها لا تنخرط في تأمين الخسائر الناجمة عن التغيرات المناخية بشكل كافٍ، مؤكدا أن آلية التعويض الوحيدة للخسائر المتمثلة في صندوق الجوائح تعرف تعثرا بسبب الأزمة المالية للبلاد.
يؤكد عضو المكاتب التنفيذي لمنظمة المزارعين محمد رجايبية، على مواجهة المزارعين لتأثيرات متقلبة للمناخ من أبرزها الجفاف وتراجع مردودية الأراضي بسبب أزمة المناخ
وصندوق تعويض الأضرار الفلاحية الناجمة عن الجوائح الطبيعية هو صندوق محدث بموجب قانون المالية لسنة 2018 وبدأ تفعيله بتاريخ 28 أكتوبر/تشرين الثاني 2019. ويهدف إلى المساهمة في تعويض الأضرار التي تلحق بالمنخرطين من فلاحين أو بحارة جراء الجوائح الطبيعية التي يشملها محال تدخل الصندوق.
ويمكّن هذا الصندوق إجمالًا من تعويض الفلاحين بما قدره 60 في المائة على أقصى حدّ من قيمة المنتوج أو من كلفة الانتاج. ويغطي هذا الصندوق التعويضي 6 جوائح هي الجليد، والجفاف، والعواصف، والرياح، والفيضانات.
ويؤكد الخبير في السياسات البيئية حمدي حشاد بروز تأثيرات عميقة للتغير المناخي في أغلب الجهات التونسية، مؤكداً أنّ هذه التغيرات تؤثر على قدرة البلاد في الحفاظ على أمنها الغذائي مع تراجع المحاصيل وعدم قدرة القطاع الزراعي على تلبية الحاجيات المعيشية للعاملين فيه.
ويشير في تصريح لـ"العربي الجديد" إلى أنّ الجفاف أصبح عامل هجرة داخلية من المناطق الزراعية نحو المدن والتجمعات الحضارية التي تعاني بدورها من إشكالات بيئية عميقة.
وينتقد حشّاد غياب المرافقة الرسمية والدعم المالي للقطاعات المتأثرة من تغيير المناخ، مشدداً على ضرورة توفير التمويلات اللازمة لمساعدة المهنيين في مواجهة تحديات المناخ وإيجاد حلول تساعد على أقلمة الزراعة والأنشطة الصناعية الخدماتية مع التطورات المتسارعة.