المسؤولون اللبنانيون يتقاذفون المسؤوليات في أزمة دعم المحروقات وسط غضب الشارع
لا تزال السلطات اللبنانية تتخبط في رمي المسؤوليات فيما بينها فيما يتعلق برفع الدعم عن المحروقات. وقال مصدر مسؤول في قصر بعبدا، لـ"العربي الجديد"، إن حاكم مصرف لبنان يصر على وجهة نظره برفع الدعم عن المحروقات وتقديم دعم مباشر للمواطن، إلا في حال صدور تشريع يجيز الصرف من الاحتياطي الإلزامي.
وكان من اللافت منذ صباح اليوم صدور مواقف من رؤساء الحكومة والجمهورية وحاكمية مصرف لبنان عبر وسائل التواصل الاجتماعي، بدلاً من عقد مؤتمرات صحافية لشرح مستجدات هذا الملف الحيوي بالنسبة للمواطنين.
إذ غرّد موقع رئاسة الجمهورية أن "رئيس الجمهورية العماد ميشال عون شدد في اجتماع بعبدا على أنّ قرار حاكم مصرف لبنان برفع الدعم عن المحروقات له تداعيات اجتماعية واقتصادية خطيرة".
وتابع أنه "ذكّر الرئيس عون بالمداولات التي ركّزت على قانون البطاقة التمويلية التي تربط رفع الدعم بإصدار هذه البطاقة، وكذلك بالموافقات الاستثنائية لمجلس الوزراء التي أجازت للمصرف استعمال الاحتياطي الإلزامي لفتح اعتمادات لشراء المحروقات ومشتقاتها وطالب سلامة بالتقيد بهذه النصوص".
الرئيس عون ذكر بالمداولات التي ركزت على قانون البطاقة التمويلية التي تربط رفع الدعم بإصدار هذه البطاقة، وكذلك بالموافقات الاستثنائية لمجلس الوزراء التي اجازت للمصرف استعمال الاحتياطي الالزامي لفتح اعتمادات لشراء المحروقات ومشتقاتها وطالب سلامة التقيد بهذه النصوص
— Lebanese Presidency (@LBpresidency) August 12, 2021
فيما تم نشر تغريدة من رئاسة الحكومة جاء فيها أن "رئيس الحكومة حسان دياب قال في الاجتماع الوزاري المخصص لمناقشة قرار حاكم مصرف لبنان حول رفع الدعم إن هذا القرار استمرينا بمقاومته طيلة الأشهر الماضية، وكنا نصرّ على اعتماد سياسة ترشيد للدعم وليس على رفعه نهائياً".
وتابع: "أقر مجلس النواب مؤخراً قانون البطاقة التمويلية ومعها خطة ترشيد الدعم التي بذلنا جهداً كبيراً لإنجازها. وهي خطة كانت تراعي التوازن بين حماية الناس والمجتمع وبين حماية موجودات مصرف لبنان. وهذه الخطة يفترض أن يبدأ تطبيقها مع بدء تطبيق البطاقة التمويلية، بحيث نعطي للناس مباشرة جزءاً من فارق الدعم على الأدوية والخبز والمواد الأساسية، مقابل تخفيف نسبة الدعم. اليوم اتخذ حاكم مصرف لبنان هذا القرار منفرداً، والبلد لا يحتمل التداعيات الخطيرة لهكذا قرار".
1/7 الرئيس دياب في الاجتماع الوزاري المخصص لمناقشة قرار حاكم مصرف لبنان رفع الدعم:
— رئاسة مجلس الوزراء 🇱🇧 (@grandserail) August 12, 2021
نجتمع اليوم لمناقشة قرار حاكم مصرف لبنان رفع الدعم. هذا القرار الذي استمرينا بمقاومته طيلة الأشهر الماضية، وكنا نصرّ على اعتماد سياسة ترشيد للدعم وليس على رفعه نهائياً ...
وأضاف: "هذه التداعيات ستطاول كل شيء: لقمة عيش المواطنين، وصحتهم، والاقتصاد... وأيضا مؤسسات الدولة التي ستكون مربكة في التعامل مع واقع جديد غير جاهزة له، فضلاً عن الرواتب وحضور الموظفين. إن لبنان يعبر اليوم نفقاً مظلماً، وبكل أسف، زادت ظلمته في ظل انتشار سلوك تجاري فاسد في العديد من الجوانب الحياتية الأساسية للبنانيين، وساد الفساد في ممارسات قسم كبير من التجار، من مختلف أحجامهم وسرقوا لقمة عيش اللبنانيين، واحتكروا المواد الغذائية والأدوية والبنزين والمازوت، وحوّلوا البلد إلى سوق سوداء للتجارة والمضاربة".
وأضاف: "لقد بذلنا جهداً كبيراً، واستنفرت كل الأجهزة العسكرية والأمنية، من أجل منع التهريب والاحتكار والتخزين، لكن ذلك لم يفلح في حماية الناس من تجار الفساد. اليوم، سيكون علينا جميعاً، في أي موقع، العمل بكل طاقاتنا من أجل احتواء قرار رفع الدعم وتقليل أضراره الكبيرة".
فيما أغلق مواطنون غاضبون الخميس طرقا عدة في لبنان، واكتظت محطات الوقود بالسيارات غداة قرار المصرف المركزي الأربعاء فتح اعتمادات شراء المحروقات وفق سعر الصرف في السوق السوداء، ما يعني عملياً رفع الدعم عن هذه المواد الحيوية، وفقاً لوكالة "فرانس برس".
وعلى وقع شحّ احتياطي المصرف المركزي بالعملة الأجنبية، شرعت السلطات، منذ أشهر، في ترشيد أو رفع الدعم عن سلع رئيسية، أبرزها الطحين والوقود والأدوية.
ووافقت الحكومة الشهر الماضي على تمويل استيراد المحروقات وفق سعر 3900 ليرة للدولار، ما أدى إلى ارتفاع أسعارها بأكثر من ثلاثين في المئة، فيما وصل سعر الدولار في السوق السوداء إلى أكثر من 21 ألف ليرة.
وتتحكم الاحتكارات التابعة للأحزاب المسيطرة على السلطة في لبنان بسوق المحروقات، إن كان من ناحية تجفيف الأسواق أو البيع وفق سعر السوق السوداء، أو تهريب المحروقات المدعومة نحو سورية. فيما ينفد الدولار من مصرف لبنان ليتبقى الاحتياطي الإلزامي، وفقاً لمتابعين للملف.
وتسعى الأحزاب الحاكمة، التي أودت باقتصاد لبنان إلى أسوأ أزمة يعيشها في تاريخه، إلى تمويل الدعم من الاحتياطي الإلزامي، ما يعني استخدام ما تبقى من أموال المودعين المتحجزة منذ العام 2019 لتهدئة الشارع الغاضب.
وكان سعر الدولار مثبتا رسميا قبل الأزمة غير المسبوقة التي يشهدها لبنان منذ حوالى سنتين على 1507 ليرات، وبدأ يرتفع تدريجيا حتى أصبح متداولا اليوم في السوق السوداء بأكثر من عشرين ألف ليرة.
وقدّر مركز الدولية للمعلومات، وهو شركة أبحاث وإحصاءات، أن يرتفع سعر صفيحة البنزين من 75,600 ليرة (3,78 دولارات بحسب سعر الدولار في السوق السوداء) إلى 336 ألف ليرة (16,8 دولارا)، وسعر صفيحة المازوت من 57,100 ليرة (2,8 دولار) إلى 278 ألف ليرة (13,9 دولارا)، علماً أن الحد الأدنى للأجور أصبح لا يتعدى الـ32 دولاراً بعد انهيار سعر الليرة.
وأفادت الوكالة الوطنية الرسمية للإعلام والإعلام المحلي عن إغلاق محتجين طرقا عدة في شمال وجنوب وشرق البلاد، بينها الطريق السريع الذي يربط بيروت بجنوب البلاد.
كما وقفت مئات السيارات منذ الصباح أمام محطات الوقود، ويأمل أصحابها بتعبئة خزانات سياراتهم قبل صدور لائحة الأسعار الجديدة التي من المتوقع أن ترتفع بنسبة تفوق 300 في المئة. وأقفلت العشرات من المحطات أبوابها في انتظار تحديد الأسعار الجديدة.
وأثار قرار مصرف لبنان جدلاً. واعتبره مسؤولون، بينهم رئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب، مخالفاً للقانون. لكن المصرف المركزي أصدر بيانا أعلن فيه أنه "دفع ما يفوق 800 مليون دولار للمحروقات في تموز/يوليو الماضي"، وأن هذه المواد لا تزال "مفقودة من السوق وتباع بأسعار تفوق قيمتها".
ودعا دياب إلى اجتماع وزاري طارئ لبحث الأمر. وتراجع احتياطي الدولار في مصرف لبنان من 32 مليار دولار مع بدء الأزمة إلى ما بين 14 و15 مليار دولار، وفق أرقام صادرة عن مسؤولين.
وقال مصرف لبنان في بيانه اليوم إنه "لا يمكن قانوناً المساس بالتوظيفات الإلزامية بالعملات الأجنبية"، في إشارة إلى نسبة مئوية تودعها المصارف الخاصة في المصرف المركزي مقابل ودائعها، ويمنع القانون المسّ بها.
وبسبب أزمة المحروقات وغياب الصيانة والبنى التحتية، تراجعت تدريجاً خلال الأشهر الماضية قدرة مؤسسة كهرباء لبنان على توفير التغذية، وفق تقرير "فرانس برس"، ما أدى الى رفع ساعات التقنين لتتجاوز 22 ساعة يومياً. ولم تعد المولدات الخاصة قادرة على تأمين المازوت اللازم لتغطية ساعات انقطاع الكهرباء، ما اضطرها أيضاً إلى التقنين ورفع تعرفتها بشكل كبير جراء شراء المازوت من السوق السوداء.
علما أن أسعار الكهرباء التي تتقاضاها الدولة لا تزال بالليرة اللبنانية، ولم تتغير منذ سنوات طويلة. ويعتبر الهدر في مؤسسة كهرباء لبنان من أبرز أسباب العجز الحكومي.
في الوقت ذاته، بدأت أزمة غاز، ويستمر نقص الأدوية ومواد أساسية مدعومة في الأسواق.
ويحصل غالبية اللبنانيين على أجورهم بالعملة المحلية التي فقدت أكثر من 90 في المئة من قيمتها أمام الدولار، جراء انهيار اقتصادي صنّفه البنك الدولي بين الأسوأ في العالم منذ منتصف القرن الماضي. وقدّرت الأمم المتحدة الشهر الحالي أن 78 في المئة من السكان باتوا يعيشون تحت خط الفقر.