المرضى الروس يئنّون من آلام العقوبات... اختفاء الأدوية المستوردة

10 ابريل 2023
شح في أدوية السرطان بمختلف المدن الروسية (Getty)
+ الخط -

تتسع أزمة الأدوية المستوردة في روسيا متأثرة بالعقوبات الغربية المفروضة على موسكو، لتشمل عقاقير لعلاج الأمراض المزمنة والسرطان، ما يزيد من معاناة الكثير من المرضى.

ومع بداية فرض العقوبات الغربية في ربيع العام الماضي، في أعقاب الغزو الروسي لأوكرانيا، بدأت الأدوية المستوردة في الاختفاء تباعاً بشكل ملحوظ من السوق الروسية، خاصة أدوية مرضى السكري. ومع نهاية العام، بدأ السكان يشكون من اختفاء العديد من المضادات الحيوية، كما اختفى عقار "تاموكسيفين هيكسال" الألماني الصنع، الذي يتم وصفه لمرضى السرطان.

تحدّث مرضى من مناطق مختلفة في روسيا لـ"العربي الجديد" عن استحالة الحصول على هذا العقار من الصيدليات، لعدم توفره في العديد من المناطق.

قالت إيرينا من مدينة موسكو، لـ"العربي الجديد": "أنا مصابة بمرض سرطان الثدي منذ فترة كبيرة، وقبل الحرب بين روسيا وأوكرانيا كنت أستطيع شراء دواء تاموكسيفين هيكسال الموصوف من قبل الطبيب، وكان متوفراً بشكل طبيعي في الصيدليات، ولكن منذ العام الماضي بعد بداية الحرب تقريباً، أصبح الدواء يشح بشكل تدريجي، حتى وصلنا إلى مرحلة أنه غير متوفر في الكثير من الصيدليات".

وأضافت إيرينا أنها خضعت قبل سنوات لجراحة لإزالة الورم ونجحت، ولكن منذ إجراء الجراحة وأنا أحتاج دائماً إلى الأدوية، من بينها هذا العقار، ومنذ بداية الأزمة حاولت أن أحصل عليه من الخارج، لكن للأسف شركات الشحن ترفض تنفيذ الطلب".

بدورها، قالت يوليا، من مدينة تشليابنسك غرب وسط روسيا بالقرب من جبال الأورال وهي تعاني أيضا من سرطان الثدي: "منذ بداية العملية العسكرية في أوكرانيا، وأصبحت هناك أزمة في الأدوية المستوردة من الخارج، من مضادات حيوية وأدوية خاصة بمرضي السرطان، دواء تاموكسيفين هيكسال تقريباً أستطيع أن أقول إنه غير متوفر في مدينتي بأكملها، بل حاولت البحث عن الدواء في مدن روسية من بينها العاصمة موسكو، لكن من دون جدوى".

من جهتها، أكدت أولغا بولياكوفا التي تعمل صيدلانية في موسكو لـ"العربي الجديد" أن "الحكومة تعمل على توفير البدائل والحلول لمساعدة المرضى بشتى الطرق".

لكن يوليا المصابة بسرطان الثدي أشارت إلى أنه حتى البديل الروسي لدواء تاموكسيفين هيكسال غير منتشر في الوقت الحالي، إضافة إلى أن له أعراضا جانبية.. حاولت استخدام الدواء الروسي، ولكن تسبب في آلام شديدة في البطن، مما جعلني أتوقف فورا عن تناوله".

ولم تسلم مواد أطباء الأسنان من العقوبات الغربية، بل كان التأثير واضحاً عليها أيضاً، رغم توفير الحكومة الروسية البديل، لكن مع رفع الأسعار. وقال أندريه نيكولايفتش، وهو طبيب أسنان في موسكو، لـ"العربي الجديد": "معظم المواد التي نستخدمها في علاج المرضى تكون مستوردة من الخارج، إما من دول أوروبية أو الولايات المتحدة الأميركية، لكن هناك بدائل أصبحت متوفرة، تأتي من كوريا الجنوبية بأسعار مرتفعة مقارنة بنظيرتها الأوروبية والأميركية".

وفي 30 مارس/آذار الماضي، جرى افتتاح ثلاث شركات جديدة لتصنيع الأدوية في مدن سارانسك وسانت بطرسبورغ وكاليننغراد، وأثناء الافتتاح قيّم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين نطاق شركات تصنيع الأدوية. وأوضح أن من الضروري السعي لتحقيق أقصى قدر من الاستقلال عن الأدوية المستوردة، مؤكدا أن الدولة مستعدة لدعم مصنّعي الأدوية لهذا الغرض.

وفي خريف عام 2022، أعلنت وزارة الصحة أن سوق الأدوية المحلية تنمو بشكل مطرد، وبلغت إجماليا ما يقرب من 2 تريليون روبل. واستحوذت الشركات الروسية المصنعة للأدوية على ثلثي السوق المحلية في 2022.

أدنى مستوى للروبل في عام

يبدو أن أضرار العقوبات الغربية على روسيا بدأت تظهر على العديد من الأنشطة الاقتصادية والخدمية الحيوية الأخرى، على غرار القطاع المالي في الدولة. وعاش الروبل أسبوعاً عاصفاً، بعد أن تراجع إلى أدنى مستوى أمام الدولار منذ قرابة عام، وسط مؤشرات سلبية تتعلق بأداء الاقتصاد الروسي، بما فيها انخفاض عوائد تصدير الطاقة، وتكبد بعض المصارف الكبرى الخاضعة للعقوبات الغربية خسائر كبيرة.

وسجل سعر صرف الدولار ارتفاعاً نسبته 7% خلال أسبوع، متجاوزا 83 روبل في بعض الأوقات من التعاملات، قبل أن تعوض العملة الروسية بعض خسائرها، ليبلغ سعر صرفها نحو 81 روبل للدولار بحلول بدء عطلة نهاية الأسبوع، التي تصادف في روسيا يومي السبت والأحد.

ويقول كبير المحللين في مجموعة تيلي تريد للتداول، مارك غويخمان، إن "تراجع الروبل ناجم عن اجتماع مجموعة من العوامل السلبية في آن معا، من بينها إعلان وزارة المالية عن عجز الموازنة في الربع الأول من العام، وكذلك تراجع فائض الميزان التجاري على إثر انخفاض عوائد التصدير مقابل زيادة الاستيراد، مما يؤثر سلبا على التوازن بين عرض العملة والطلب عليها".

وكانت وزارة المالية الروسية قد أعلنت، يوم الجمعة الماضي، عن تقديراتها الأولية لعجز الموازنة في الربع الأول من عام 2023 بواقع 2.4 تريليون روبل (30 مليار دولار تقريباً)، وسط تراجع عوائد خزينة الدولة بنسبة 21% مقارنة مع الفترة ذاتها من العام الماضي، مقابل ارتفاع الإنفاق بنسبة 34%.

ومع ذلك، يشير غويخمان إلى عوامل أخرى قد تشكل دعماً للروبل في الفترة المقبلة، موضحاً: "من المتوقع أن تستمر أسعار النفط في الارتفاع، نظرا لقرار بلدان منظمة أوبك وروسيا خفض الإنتاج اعتباراً من مايو/أيار المقبل، مما سيؤدي حتى في إبريل/نيسان الجاري إلى الزيادة التدريجية لتدفق العملة والارتفاع النسبي لعوائد الخزانة، ما يعني أنه يمكن توقع وقف تراجع الروبل في الأفق القريب".

ورأى وزير المالية الروسي، أنطون سيلوانوف، أن تغييرات سعر صرف الدولار تعود إلى تدفقات العملة إلى روسيا ومنها التي تعتمد بدورها على الميزان التجاري. وقال سيلوانوف في تصريحات إعلامية: "تعود هذه التغييرات إما إلى زيادة الاستيراد، وإما إلى تراجع عوائد التصدير". وأضاف أن "سعر الصرف يخضع عندنا لمبادئ السوق، عائماً في ظروف تغير الظروف الاقتصادية الخارجية". وفي معرض إجابته عن سؤال حول المستويات التي قد يبلغها سعر الصرف، أكد الوزير أن البنك المركزي الروسي لا يضع أي حدود. وتابع: "ارتفعت أسعار مواردنا من الطاقة، وهذه إشارة إلى تدفق مزيد من العملة الصعبة إلى البلاد، وبالتالي هذا سيؤدي إلى توجه سعر صرف الروبل نحو تعزيز مواقعه".

وجاء تراجع الروبل بالتزامن مع إعلان مصارف روسية كبرى خاضعة للعقوبات الغربية، عن نتائجها المالية عن العام الماضي، وما حققته من خسائر غير مسبوقة. وكشف أكبر مصرف روسي خاص "ألفا بنك"، يوم الخميس الماضي، عن تكبده خسائر بقيمة 117.1 مليار روبل (1.5 مليار دولار تقريباً) العام الماضي، حسب معايير المحاسبة الروسية.

وكانت آخر مرة يسجل المصرف نتيجة مالية سلبية في عام 2009، التالي لاندلاع الأزمة المالية العالمية، حين بلغت الخسائر حينها 3.35 مليارات روبل (حوالي 100 مليون دولار وفقاً لسعر الصرف السائد آنذاك).

وقبل ذلك وبعده، ظل المصرف يحقق أرباحا، حسب تقارير المصرف المتوفرة على موقع المصرف المركزي منذ عام 1999. وفي عام 2021، بلغت أرباح "ألفا بنك" 136.6 مليار روبل (1.7 مليار دولار تقريباً).

وقال كبير المديرين في "ألفا بنك"، فلاديمير فيرخوشينسكي، لصحيفة إر بي كا الروسية: "في النصف الأول من عام 2022، سجل المصرف خسائر إثر تجميد قسم من الأصول بالعملة الأجنبية. وعلاوة على ذلك، أثرت إعادة التقييم بالعملة على النتيجة المالية والتقارير وفق معايير المحاسبة الروسية".

كما كشف "في تي بي" ثاني أكبر مصرف روسي والخاضع هو الآخر للعقوبات الغربية، الأسبوع الماضي، عن تسجيله خسائر بلغت 756.8 مليار روبل (9.5 مليارات دولار تقريبا)، وفق معايير المحاسبة الروسية في 2022، مقابل أرباح قدرها 242.6 مليار روبل (3 مليارات دولار تقريباً) في عام 2021.

المساهمون