في الوقت الذي عادت الليرة اللبنانية إلى مسارها النزولي أمام الدولار الأميركي، صرح حاكم "مصرف لبنان"، رياض سلامة، اليوم الثلاثاء، بأن البنك المركزي لا يمكنه استخدام احتياطيه الإلزامي لتمويل التجارة بمجرد بلوغه الحد الأدنى.
فقد شهدت السوق السوداء (عند الصرافين غير الشرعيين) تراجعاً لافتاً للعملة الوطنية أمام الدولار الذي راوح سعره اليوم، ضمن هامش بين 7500 ليرة للمبيع و7300 ليرة للشراء، رغم أن الدولار حافظ في سوق بيروت المالية الرسمية على استقراره وأقفل على 1507.5 ليرات سعراً وسطاً، وفقاً لنشرة "مديرية القطع والعمليات" لدى "مصرف لبنان"، وفي حين أعلنت "نقابة الصرافين" (المرخصين أو الشرعيين) تسعير سعر صرف الدولار مقابل الليرة ليوم الثلاثاء حصراً، بهامش متحرّك بين الشراء بسعر 3850 ليرة حداً أدنى والبيع بسعر 3900 ليرة حداً أقصى.
وفي مقابلة نقلتها رويترز عن النسخة الفرنسية لصحيفة "عرب نيوز"، قال سلامة إنه يؤيد اقتراح الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بإرسال خبراء من بنك فرنسا (البنك المركزي الفرنسي) لتدقيق حسابات مصرف لبنان، وذلك بعدما قال مصدر رسمي الأسبوع الماضي إن المصرف يمكنه فقط دعم الوقود والقمح والعقاقير لمدة 3 أشهر أخرى مع تضاؤل احتياطيات العملة الصعبة المنخفضة جدا، مضيفاً أن البنك سينهي الدعم لمنع نزول الاحتياطي عن 17.5 مليار دولار.
وقدرت مصادر أخرى في يوليو/تموز أن الاحتياطيات بلغت نحو 18 مليار دولار قبل الانفجار الهائل في مرفأ بيروت الذي أودى بحياة أكثر من 180 شخصاً وسبب دمارا في أجزاء شاسعة في المدينة. وتضافرت تداعيات الانفجار مع أزمة مالية أدت منذ أواخر العام الماضي إلى خفض قيمة الليرة في السوق الموازية مما أثر على الواردات وسط ندرة الدولارات. وزاد معدل التضخم وتفاقم الفقر.
ولا يزال سعر الربط الرسمي عند 1507.5 ليرات مقابل الدولار متاحاً حتى الآن، لدعم الواردات الرئيسية من وقود وقمح وعقاقير.
وقال حاكم "المركزي" في التصريحات التي نُشرت اليوم، إن "مصرف لبنان يبذل قصارى جهده ولكن لا يمكنه استخدام الاحتياطي الإلزامي لتمويل التجارة.. حين نبلغ الحد (الأدنى) لهذه الاحتياطيات، سنضطر لوقف التمويل. ولكننا بصدد إيجاد سبل أخرى للتمويل". وقال إن نية مصرف لبنان هي أن يسترد المودعون أموالهم، مضيفا أن ذلك ربما يستغرق وقتا، علماً أن المصارف جمدت ودائع بالدولار ومنعت تحويلات للخارج منذ أواخر العام الماضي.
وعن سبب عدم تنبيهه الحكومة إلى خطورة العجز، فيما كان يطمئن اللبنانيين مرات عدة، إلى أن لا داعي للقلق، قال سلامة إن "كل شيء كان على ما يرام في البنك المركزي. أنا شخصياً لم أتوقف عن المطالبة بالإصلاحات وتقليص العجز مع كل تدخل من قِبَلي. قلت إننا كنا في وضع نتحكّم فيه بالوضع النقدي، لكنني لم أطمئن أبدًا في شأن حالة المالية العامة. لقد كرّرت وأصررت على ضرورة معالجة الإصلاحات للحفاظ على الاستقرار النقدي. في مؤتمرات باريس 1 و2 و3، وكذلك في مؤتمر سيدر طالبت بإجراء إصلاحات".
وشدَّد سلامة على أن "البنك المركزي أقرض الدولة بموجب التزام قانوني"، لافتاً إلى أن "ليس الأمر كما لو كنا نبحث عن استثمارات مع الدولة اللبنانية. في الواقع، تلزم المادة 91 من قانون النقد والتسليف، البنك المركزي بتمويل الحكومة عندما تطلب ذلك. في الموازنات التي صوتت عليها البرلمانات في 2018 أيضًا ، طُلب منا إقراض 6 مليارات دولار بالليرة بفائدة أقل بنسبة 1% من معدلات الفائدة الحالية. في عام 2019، سُنّ قانون آخر يطالب مصرف لبنان بإقراض 3.5 مليارات دولار بالليرة اللبنانية أيضًا وبنسبة فائدة 1%".
وتابع سلامة قائلاً: "أما بالنسبة إلى موازنة 2020 ، فقد طالبنا القانون بسداد الفوائد التي نجمعها على المحفظة التي لدينا مع الدولة، وكذلك سداد تريليون ليرة، أي 3 مليارات دولار. ليس عدلاً القول إن البنك المركزي وحاكمه رسما حياة ورديّة للبنانيين. أتساءل عما إذا كانت هناك بعض النوايا السيّئة وراء هذه الصورة التي يحاولون التمسك بها".
وعن حقيقة نفاد أموال المصارف، أشار سلامة إلى "حدوث صدمات متتالية ضغطت على البنوك وأثارت الذعر بين المودِعين، بما في ذلك إغلاق البنوك في تشرين الأول لمدة شهر أثناء بدء الثورة. فتحوّل الاقتصاد اللبناني إلى اقتصاد نقدي. فقد الناس الثقة بالنظام. ثم جاء إعلان الحكومة أن الدولة غير قادرة على سداد آجال استحقاق ديونها السيادية على سندات يوروبوند، كنت شخصياً ضدّها وعبّرت عن ذلك رسمياً".