الليرة السورية ... القاع لا يزال عميقا

03 يناير 2023
قفزات في الأسعار داخل سورية بسبب تهاوي الليرة/فرانس برس
+ الخط -

عندما تتوحش الأنظمة وتمارس أبشع أنواع القتل على الهوية وأقصى درجات القمع والقهر والسلطوية والديكتاتورية والاستبداد والفساد وكبت الحريات تكون النتيجة كارثية وقاتلة كما يحدث في سورية حاليا، ليس على مؤسسات الدولة والنظام السياسي الحاكم، أو النظام الاجتماعي القائم فحسب، بل على كل شيء بما فيه النظام الاقتصادي والمالي والمعيشي برمته.

في سورية دولة الحاكم الأوحد منذ سنوات طويلة بات الكل عبيداً من وجهة نظر السلطة، مجرد أصفار على اليسار، سكرتاريا مهمتها الوحيدة تنفيذ التعليمات الشفهية والأوامر العليا، حاملو حقائب مليئة بتشريعات وقوانين ومراسيم تنص على زيادة الأسعار والرسوم وخفض الدعم وسرقة ما تبقى في جيب المواطن.

لا أحد من حقه أن يسأل عن سبب قفزات الأسعار وزيادة الفقر والبطالة والتضخم والعشوائيات، وأين مليارات الدولارات التي تم تهُرّيبها إلى الخارج

لا أحد في دولة الحاكم الفرد يشارك في دائرة صنع القرار، أو يبدي رأيه في مسألة، حتى لو كانت فنية وعلى درجة عالية من الحساسية.

لا أحد من حقه أن يسأل عن سبب قفزات الأسعار وزيادة الفقر والبطالة والتضخم والعشوائيات، وتدهور الأحوال المعيشية، وأين مليارات الدولارات المنهوبة والتي تم تهُرّيبها إلى الخارج في السنوات الماضية، وسر تفشي الفساد، وأسباب سيطرة الإيرانيين والروس على مفاصل الاقتصاد السوري، وحصائل مصادرة الأموال.

هكذا يبدو المشهد داخل سورية الأسد والتي توارثها الابن عن أبيه، ومع ذلك المشهد المزري تعيش البلاد أسوأ أزمة اقتصادية ومالية عرفها التاريخ الحديث، أحدث فصول الأزمة انهيار العملة الوطنية الليرة أمس الاثنين وفقدانها نصف قيمتها بين عشية وضحاها.

موقف
التحديثات الحية

في عام 2011 وقبل اندلاع الثورة السورية وغرق البلاد في حرب أهلية دموية ومتواصلة على مدى عقد كامل بسبب الاستبداد كان سعر الدولار يبلغ 45 ليرة، كانت الدولة وقتها لديها احتياطي مريح نسبياً من النقد الأجنبي، لديها اكتفاء من العديد من السلع الأساسية.

يذكر السوريون أنّ إبريل/ نيسان 2010 حمل خبراً ساراً بالنسبة لهم وهو إغلاق ملف الديون الخارجية، والتي تجاوزت حجم الناتج المحلي ببلوغها 23 مليار دولار في فترة التسعينيات.

أما الآن فقد تهاوى سعر الليرة السورية بعد أن فقدت ألفاً في المائة من قيمتها في فترة لا تزيد عن 10 سنوات، وهي نسبة لا تحدث إلا في الاقتصادات المنهارة، أو التي شهدت انهيارات مالية وإفلاس الدولة كما حدث في لبنان.

تهاوى سعر الليرة السورية بعد أن فقدت ألفاً في المائة من قيمتها في فترة لا تزيد عن 10 سنوات، وهي نسبة لا تحدث إلا في الاقتصادات المنهارة

أحدث فصول الانهيار المالي في سورية هو قرار البنك المركزي أمس الاثنين خفض قيمة العملة بنسبة 50% مرة واحدة ليصل سعر الدولار إلى 4522 ليرة للدولار مقابل 3015 ليرة يوم الأحد.

أما في السوق السوداء فإن الوضع أسوأ بكثير إذ تهاوت العملة إلى أكثر من 7 آلاف للدولار في الأسبوع الماضي وإلى 6500 ليرة أمس وسط أزمة عملة حادة وندرة في المعروض من النقد الأجنبي في الأسواق، وزيادة ظاهرة اكتناز العملة الأميركية، أي "الدولرة"، والإقبال الشديد من المدخرين نحو حيازة الأصول مثل الذهب والعقارات والتخلص من عملتهم الوطنية.

ببساطة، تحولت العملة السورية إلى مجرد ورق في أيدي السوريين ملتحقة بنظيرتها اللبنانية، ومع تهاوي الليرة باتت الأوضاع المعيشية بالغة السوء، فمحطات الوقود تعاني نقصاً شديداً في البنزين والسولار، والأسواق تشهد قفزات قياسية في أسعار السلع الأساسية بما فيها السلع الغذائية.

والحكومة تواصل زيادة فواتير الكهرباء والمياه، والنظام الحاكم يقف عاجزاً عن فعل شيء لحلحلة الوضع باستثناء زيادة الأسعار والضرائب وخفض قيمة العملة، مستخدماً كعادته القمع الأمني والآلة الحديدية في معالجة الأزمات الاقتصادية والمعيشية.

المساهمون