دفعت أزمة السيولة النقدية المتفاقمة في ليبيا الكثير من عملاء البنوك إلى اتباع طرق بديلة لصرف أموالهم، بعد أن شهدوا صعوبة بالغة في سحب الأموال في الأشهر الأخيرة عبر ماكينات الصراف الآلي أو نوافذ البنوك.
وبدت مشاهد المبيت أمام ماكينات الصراف الآلي التابعة للبنوك التجارية لغرض الحصول على 200 دينار (142 دولاراً) يومياً مألوفة، بينما يتردد البعض الآخر يومياً على المصارف لغرض الحصول على شيك مصدق لصالح متجر للمواد الغدائية أو صيدلية.
ووسط غياب الحلول الرسمية، لجأ الليبيون لطرق بديلة عبر بيع الشيكات المصرفية للغير مقابل الحصول على سيولة مالية تقل عن القيمة الحقيقية للشيك، وفق المواطن علي السنوسي، الذي تحدث لـ"العربي الجديد"، مشيراً إلى أن الفارق يصل في الغالب إلى 30%، لكن الحاجة إلى السيولة النقدية لا تترك خياراً آخر أمامه.
وامتدت السيولة المالية إلى المعاملات التجارية، إذ قال إسماعيل الخويلدي؛ صاحب متجر لبيع الخضراوات في العاصمة طرابلس، إن "85% من حجم المبيعات تجرى حالياً عبر البطاقة المصرفية، والمواطن لا يملك الكاش (النقود)".
وقال المحلل الاقتصادي نور الحبارات، لـ"العربي الجديد"، إن سحب المواطنين لمدخراتهم وعزوف البعض الآخر عن إيداع أموالهم في البنوك تسببا بشكل بالغ في أزمة السيولة الحالية، مشيرا إلى أن الأزمة الحالية هي الأسوأ منذ عقود، وتسببت في تداعيات قاسية فاقمت من معاناة المواطنين.
وتظهر البيانات الرسمية أن إجمالي السيولة النقدية المتداولة يبلغ نحو 55 مليار دينار، منها 38.6 مليار دينار لدى الجمهور و1.4 مليار دينار لدى الجهاز المصرفي، بالإضافة إلى 15 مليار دينار عملة مطبوعة لدى المصرف الموازي في البيضاء (شرق) وتوزعت ما بين التداول في السوق والاكتناز في البيوت.
وتعيش ليبيا على وقع أزمات مالية خانقة وتدهور لمختلف القطاعات الاقتصادية، بسبب تواصل الصراع الذي أدى إلى خسائر فادحة في المصدر الرئيسي للدخل في البلاد وهو النفط، إذ بلغت الخسائر المالية نتيجة الإقفالات غير القانونية للحقول والموانئ النفطية خلال تسع سنوات 155 مليار دولار، وفق تقارير رسمية، ما أدى إلى تضرر العملة الوطنية مقابل الدولار الأميركي.
وأعلنت المؤسسة الوطنية للنفط وصول مجموع خسائر وقف إنتاج النفط بسبب الحصار الذي فرضته مليشيات تابعة للجنرال المتقاعد خليفة حفتر على كثير من منشآت إنتاج وتصدير الخام إلى نحو 10 مليارات دولار، منذ يناير/ كانون الثاني الماضي وحتى 12 سبتمبر/ أيلول الماضي فقط.
وقدرت لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا "إسكوا" الكلفة الإجمالية للصراع في ليبيا منذ اندلاعه في عام 2011 حتى اليوم بنحو 576 مليار دولار. وحذرت من ارتفاع الكلفة بشكلٍ حاد إذا لم يُوقع اتفاق سلام قريباً، موضحة أنه إذا استمرّ الصراع حتى عام 2025 فقد يضيف ما يساوي 462 مليار دولار إلى الكلفة الاقتصادية.
وذكرت وزارة المالية بحكومة الوفاق في تقرير حديث لها اطلعت عليه "العربي الجديد" أن احتياطات النقد الأجنبي تناقصت إلى 63 مليار دولار حالياً، مقابل 77 مليار دولار في أكتوبر/ تشرين الأول من عام 2019.
وقال مصدر في مصرف ليبيا المركزي لوكالة رويترز، أمس الأربعاء، إن مجلس إدارة المصرف اتفق على سعر صرف موحد جديد في أنحاء البلاد عند 4.48 دنانير للدولار الأميركي الواحد.
وعقد المجلس اجتماعاً كاملاً للمرة الأولى في خمس سنوات بعد أن انقسم عقب التشظي الأوسع نطاقاً للمؤسسات في البلاد بين فصائل متحاربة في الغرب والشرق، ما أدى أيضاً إلى أسعار صرف مختلفة في أجزاء متعددة من ليبيا.
ويبلغ سعر صرف الدولار رسمياً، بحسب المصرف المركزي، نحو 1.4 دينار، في حين يبلغ سعره في السوق الموازية غير القانونية أكثر من 5 دنانير، والتي نمت وتغذت على الصراع السياسي والحرب الأهلية وتراجع إيرادات البلاد من النقد الأجنبي.
وخلال النصف الأول من العام الحالي خسر الدينار الليبي 54% من قيمته بالسوق الموازية، ودعا البنك الدولي في آخر تقرير له إلى الالتزام بإدارة سياسية وطنية لتوحيد مؤسسات البلاد مع تنفيذ الإصلاحات.
وخفضت ليبيا عملتها رسمياً بنسبة 62% في عام 2002 بهدف تعزيز قدرتها التنافسية، وربطت الدينار الليبي بحقوق السحب الخاصة لصندوق النقد الدولي لتعزيز استقراره، بحسب الأهداف المعلنة من المسؤولين آنذاك.