الليبيون تحت رحمة تقنين الكهرباء بسبب نقص الغاز

17 يوليو 2024
تصليح مولدات كهرباء في ورشة بالعاصمة طرابلس، 25 يونيو 2020 (محمود تركية/ فرانس برس)
+ الخط -
اظهر الملخص
- **تفاقم أزمة الكهرباء في ليبيا وتدابير الحكومة**: رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبد الحميد دبيبة يوجه تفعيل تعاون المؤسسة الوطنية للنفط مع الشركة العامة للكهرباء لضمان إمدادات الغاز، لكن المشكلة لم تُحل بالكامل، مما يؤثر على حياة المواطنين.

- **استهلاك وإنتاج الغاز الطبيعي وتضارب البيانات**: ليبيا تستهلك 1172.1 مليون قدم مكعب من الغاز يومياً، مع تضارب في البيانات بين الشركة العامة للكهرباء والمؤسسة الوطنية للنفط، مما يؤدي إلى انقطاع التيار الكهربائي لمدة تصل إلى ثلاث ساعات يومياً.

- **الفساد المالي وسوء التشغيل كعوامل رئيسية للأزمة**: الفساد المالي وسوء التشغيل يعوقان حل الأزمة، مع مصروفات قطاع الكهرباء بلغت 2.91 مليار دينار في 2022، وتخطيط الشركة لزيادة طاقتها الإنتاجية بحلول 2030.

دفع استفحال أزمة الكهرباء في ليبيا إلى إصدار رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبد الحميد دبيبة توجيهاً بضرورة تفعيل تعاون المؤسسة الوطنية للنفط مع الشركة العامة للكهرباء بشأن إمدادات الغاز لمحطات الكهرباء من أجل ضمان التشغيل الكامل للمعامل مع ضرورة وضع ضوابط للاستهلاك وفق الاحتياج الفعلي. لكن هذا التدبير المبدئي الرسمي لم يُفضِ إلى حلّ المشكلة التي يكابدها الناس يومياً.

وفي هذا الصدد، قال لـ"العربي الجديد" محمود بن إسماعيل من مدينة الخمس التي تبعد 102 كيلومتر إلى الشرق من طرابلس، إن "التيار الكهربائي ينقطع علينا فيما نحن بأمسّ الحاجة إليه". أما علي محمد المحجوبي من مدينة مصراتة، وسط البلاد، فأكد "عودة طرح الأحمال مرة أخرى". وهذا ما أكده أيضاً المواطن شهاب المسلاتي من منطقة صلاح الدين بطرابلس، مشيراً إلى أن التقنين يصل إلى ثلاث ساعات موزعة على فترتين صباحية ومسائية.

وتؤكد المؤسسة الوطنية للنفط أن استهلاك الغاز الطبيعي عبر الشبكة الساحلية يبلغ 1172.1 مليون قدم مكعب، منها 1007.9 ملايين قدم مكعب للشركة العامة للكهرباء، والباقي موزع على مصانع الإسمنت بمقدار 29.9 مليون قدم مكعب، و50.5 مليون قدم مكعب لدوائر تابعة لمؤسسة النفط، إضافة إلى بقية الجهات بنحو 84.1 مليون قدم مكعب. ويبلغ إنتاج ليبيا اليومي من الغاز الطبيعي 216 ألف برميل مكافئ نفطي يومياً، أو ما يعادل 1.25 مليار قدم مكعب.

في هذا السياق، قال المحلل الاقتصادي محمد الشيباني في تصريحات لـ"العربي الجديد" أن ثمة تضارباً في البيانات بين الشركة العامة للكهرباء والمؤسسة الوطنية للنفط حول عدم توافر الغاز الطبيعي لتشغيل محطات الكهرباء، موضحاً أن هناك طرح أحمال في مختلف المناطق من ساعتين إلى ثلاث ساعات يومياً مع صرف أموال لتحسين الشبكة العامة. ولفت إلى أن "أكثر من 45% من إنتاج ليبيا من الغاز يذهب إلى الاستهلاك المحلي، وبالرغم من ذلك لدينا مشكلة في الكهرباء وتوقف في بعض مصانع الإسمنت".

اقتصاد الناس
التحديثات الحية

وسبق أن حملت الشركة العامة للكهرباء في بيان لها المؤسسة الوطنية للنفط ومصنع الحديد والصلب تبعات تأثير شبكة الكهرباء لعدم توفير الغاز اللازم لتشغيل وحداتها. وأوضحت أن انخفاض الغاز الطبيعي المشغل لمحطات الكهرباء في مصراتة والخمس أدى إلى خروج وحدات عن الخدمة وخسارة 500 ميغاوات من الإنتاج.

وصرفت الشركة العامة للكهرباء حتى نهاية يونيو/ حزيران الماضي، 2.5 مليار دينار سعر الصرف على المشروعات التطويرية، بحسب أحدث بيان صادر عن مصرف ليبيا المركزي. (الدولار= 4.8 دنانير). وتستمر الشركة العامّة للكهرباء في تركيب عدّادات مسبقة الدّفع تعمل بنظام الكارت، وأفادت الشركة بأن هذه الخطوة تأتي في إطار تطوير خدمات المستهلكين والتنوع في طرق التحصيل وجمع الإيرادات وتقليل الفاقد التجاري والفوترة.

وذكرت بيانات المصرف المركزي أن إنفاق ليبيا خلال النصف الأول من العام الحالي، بلغ 43.7 مليار دينار، في حين بلغت الإيرادات النفطية والسيادية 45 مليار دينار. وأوضح المركزي أن إيرادات النقد الأجنبي سجلت 9.1 مليارات دولار، منها 1.5 مليار دولار إتاوات نفطية، وبلغت استخدامات النقد الأجنبي 18 مليار دولار.

وسبق أن قال الناشط المدني عقيلة الأطرش لـ"العربي الجديد": "يشهد حيّ فنيسيا وسط بنغازي انقطاعاً لساعات معدودة يومياً بسبب وجود مساكن غالبية المسؤولين الحكوميين فيه، بينما تعاني أحياء أخرى انقطاعاً مستمراً لفترات أطول". من جهته، يتحدث حاتم العايب، وهو مهندس صيانة في الشركة العامة للكهرباء، لـ"العربي الجديد"، عن أن "أسباب انقطاع التيار الكهربائي لا تتعلق بقدرات شركة الكهرباء بعدما تجاوزت العوائق التي كانت تسبب انقطاع الكهرباء خلال السنوات الماضية، بل بتعدي شركات مكلفة تنفيذ مشاريع طرقات وجسور وإجراء صيانات، بطريقة غير مقصودة، على خطوط نقل الكهرباء الرئيسية والفرعية".

لكن العايب يستدرك بأن "هناك علاقة غير مباشرة لشركة الكهرباء بالأعطال هذه السنة، باعتبارها لا تملك خرائط كهربائية تحتاج إليها شركات الصيانة والمواصلات لتفادي التعديات والقطع غير المقصود لخطوط نقل الكهرباء، وغياب هذه الخرائط والتدابير الاحتياطية من مسؤولية الحكومات".

ويقول مصباح أبحيري، أحد سكان حيّ الفرناج بطرابلس، لـ"العربي الجديد": "غابت الكهرباء 4 أيام عن أحياء في المنطقة بسبب تعدي شركة مكلفة بناء طرقات على خط إمداد الكهرباء، وأبدى الأهالي تذمراً واسعاً من تسبب الأعطال في إرباك حياتهم اليومية، علماً أن محلات ومتاجر توقفت عن العمل بالكامل، وحصلت أخرى على الكهرباء لثلاث أو أربع ساعات فقط قبل أن تقفل أبوابها".

وخلال السنوات الماضية شهدت ليبيا أزمة كهرباء خانقة كانت تزداد حدتها مع دخول مواسم الصيف، لكن حكومة الوحدة الوطنية في الغرب نجحت في معالجة الأزمة وإنهاء برامج طرح الأحمال.

وفيما عرض رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبد الحميد الدبيبة خلال زيارته القاهرة أخيراً مساعدة مصر في تجاوز أزمة الكهرباء، يعلّق الأطرش بالقول: "واضح أن الأمر يتعلق بالمناكفة السياسية، وأن الدبيبة يوجه رسالة داخلية تفيد بأن حكومة الوحدة الوطنية تخطت أزمة الكهرباء إلى حدّ امتلاك القدرة على معالجتها في مصر، في وقت تعجز حكومة بنغازي عن حل الأزمة".

يضيف: "لم تتوقف المتاجرة السياسية في معاناة المواطن وأزماته، وهذا مؤشر مقلق يؤكد أن حاجة المواطن الأساسية إلى الكهرباء باتت ورقة في يد المتصارعين يستخدمونها في أي وقت لضغط بعضهم على بعض من أجل تحقيق مكاسب".

اقتصاد عربي
التحديثات الحية

هذا وقد استنزف قطاع الكهرباء ما يعادل 600 مليون دولار خلال عام 2022 للصيانة ومواجهة العجز في توفير الطاقة، ومع اقتراب موسم الصيف وارتفاع مستويات الاستهلاك بشكل قياسي، فإن الرهان لتجاوز الأزمة يبقى على بعض محطات الطاقة الجديدة المرتقب تسليمها ومشاريع الطاقة المتجددة.

وعلى مدار 12 سنة الأخيرة، حوّل العجز الكبير في الكهرباء في ليبيا، صاحبة أكبر احتياطي نفطي في أفريقيا، الصيف إلى جحيم، ومع انتهاج الشركة العامة للكهرباء سياسة "طرح الأحمال"، يُفصَل التيار بين مناطق البلاد، بقصد المحافظة على استقرار الشبكة، فيما كانت للأزمة انعكاسات أخرى على جوانب الحياة اليومية، مثلما كشف استطلاع لمنظمة "العمل ضد الجوع" الفرنسية غير الحكومية ومنظمة الأمم المتحدة للطفولة "يونيسف" العام الماضي، أن 40% من السكان الليبيين يعتقدون أن الانقطاع المتكرر للتيار الكهربائي هو الدافع الرئيسي لعدم الحصول على المياه.

فتّش عن الفساد المالي وسوء التشغيل

تكشف لغة الأرقام حجم الأموال المرصودة سنوياً لمعالجة أزمة انقطاعات الكهرباء، وتؤكد أن الفساد المالي وسوء التشغيل أكثر ما يعيق طي هذا الملف، فقد بلغت مصروفات قطاع الكهرباء 2.91 مليار دينار عام 2022، أي ما يعادل 600 مليون دولار، مقابل صرف الخزينة سنويا أكثر من المبلغ ذاته 615 مليون دولار، لدعم الكهرباء.

ويذكر ديوان المحاسبة في أحد تقاريره أن إجمالي العقود المبرمة في قطاع الكهرباء منذ 2001 حتى نهاية 2021، تفوق 35 مليار دينار، إلى جانب تنامي رصيد المديونية لحساب الشركة العامة للكهرباء بمبلغ 5.5 مليارات دينار. بدوره، يقدّر موقع "إنرجي كابيتال باور" الأميركي المتخصص القيمة الإجمالية لعقود مشروعات الكهرباء في ليبيا لمواجهة العجز بنحو 5 مليارات دولار.

وتشير إدارة الشركة العامة للكهرباء إلى نمو الاستهلاك بنحو 12%، بينما يبلغ الإنتاج نحو 5 آلاف ميغاواط، حيث وصل العجز إلى نحو 2500 ميغاواط يومياً، متوقعة ارتفاع طاقتها إلى 14 ألفا و834 ميغاواطاً بحلول العام 2025، و21 ألفاً و669 ميغاواطاً بحلول العام 2030. وهي تخطط لإنشاء محطة توربينات غازية ذات دورة مركبة في بنغازي.

المساهمون