الكوليرا يكمل ما بدأه الجفاف في سورية... الري من الصرف الصحي يكبد المزارعين خسائر فادحة
بات انتشار الكوليرا في سورية مفزعاً ليس فقط على الصعيد الصحي، وإنما المعيشي في ظل حملات حكومة النظام لإتلاف بعض المحاصيل التي تُسقى بمياه الصرف الصحي رغم علمها منذ فترات طويلة باضطرار المزارعين إلى ذلك في ظل شح موارد المياه النقية وتراجع هطول الأمطار، لتتفاقم خسائر المزارعين خاصة في ظل عبورها الحدود لتصل إلى حد تشديد إجراءات السماح بدخول المنتجات الزراعية السورية الأردن الذي يعد بمثابة بوابة عبور لها نحو دول الخليج.
ومع انتشار مرض الكوليرا في محافظات عدة من سورية، قامت مديرية زراعة ريف دمشق بإتلاف بعض المحاصيل في تغطية على سقاية المزروعات بمياه الصرف ومحاولةً حكومة النظام تسويق نفسها على أنها تكافح الكوليرا، وفق المهندس الزراعي سائر بيضون لـ "العربي الجديد"، الذي أشار إلى هذه السقاية جرت بعلم النظام، إذ يسقي مزارعو العديد من مناطق ريف مزروعاتهم بمياه الصرف الصحي بالتواطؤ مع شرطة البلدية، فيقوم هؤلاء المزارعون بفتح مياه الصرف الصحي من الساعة 8 مساءً وحتى 5 صباحاً.
ويضيف بيضون، أن "معظم الخضروات ومن مختلف الأصناف ذات رائحة كريهة، وحجم مختلف عن تلك التي كنا نراها ونعرفها منذ سنوات، عود النعنع أصبح طوله متراً والملوخية 3 أمتار"، مشيرا إلى أن تلك الخضروات تنمو في بيئة وتربة غنية بمخلفات الصرف الصحي.
ويعزو أحد المزارعين، ويدعى حمزة عبدالله، 44 عاماً، وهو من سكان الغوطة، استخدام مياه الصرف الصحي في السقاية إلى قلة الأمطار وجفاف الآبار، وتعطل شبكات الري بسبب الحرب وتداعياتها، فضلاً عن عدم توفر المازوت وارتفاع سعره. ويقول لـ "العربي الجديد" إن "كل البساتين المحيطة بالمدن تسقي مزروعاتها من مياه الصرف الصحي، وليس فقط في الغوطة"، مضيفاً أنه حتى شجر الزيتون يسقى من مياه الصرف الصحي.
سقاية المزروعات بمياه الصرف الصحي
ويضيف عبدالله لـ"العربي الجديد"، أن سقاية المزروعات بمياه الصرف الصحي ليست سراً وكانت تجري بعلم شرطة البلدية ولولا السقاية بتلك المياه لكان إنتاج مزارعنا انخفض إلى النصف فضلاً عن التكاليف المرتفعة لتوفير المازوت للسقاية.
وتنتشر الظاهرة في مناطق عدة من دمشق وريفها (الكسوة، جديدة عرطوز، النبك، مزارع كفرسوسة، قطنا، التل، القطيفة) ويكرر المزارعون في تلك المناطق ما يقوم به مزارعو الغوطة من سقاية مزروعاتهم بمياه الصرف الصحي دون أدنى شعور بمسؤوليتهم تجاه غذاء الناس وصحتهم.
وفي وقت سابق من سبتمبر/أيلول الجاري، حذّرت منظمة الصحة العالمية، من مغبّة انتشار الكوليرا في سورية. والسبت الماضي جرى تسجيل 201 إصابة بالكوليرا، و14 حالة وفاة في مدن عدة، حسب وزارة الصحة السورية، التي دعت السكان لإتباع خطوات الحماية ومنها "غسل الفواكه والخضار بشكل جيد، وعدم شرب أو تناول أي شيء مجهول المصدر أو يشك بسلامته".
وقال مصدر طبي من دمشق رفض ذكر اسمه حفاظاً على أمانه الشخصي، إن "سقاية المزروعات بمياه الصرف الصحي أو بمياه ملوثة بمخلفات أدوية طبية كما حدث في بساتين حرستا (في ريف دمشق) التي كانت تُسقى من مياه الصرف الصحي لمشفى الشرطة، له تأثير صحي سلبي حالي ومستقبلي على صحة الناس".
وأوضح المصدر الطبي، أنَّ تلك المزروعات تتغذى على البكتيريا والطفيليات وتسبب أمراضاً وسرطانات وأوبئة ومنها الكوليرا التي عادت اليوم للظهور من جديد، مؤكداً أن "مكافحة الكوليرا تحتاج إلى القضاء على ظاهرة السقاية تلك وتعقيم مستمر لمياه الشرب الرئيسية، وليس فقط حراثة المزروعات وتركها في التربة".
وربما كان الأجدر بحكومة النظام التوجه إلى معالجة مشكلات الصرف الصحي وأقنيته التي يسقي منها المزارع بدلاً من فلاحة المزروعات كما حدث في مناطق عدة، وفقاً للمهندس الزراعي سائر بيضون.
وكانت مديرية زراعة ريف دمشق أتلفت محاصيل تُسقى بمياه الصرف الصحي بمساحة إجمالية قدرها 91 دونما (الدونم يعادل ألف متر مربع)، وسطرت 8 مخالفات بحق المزارعين، حسب صفحة مديرية زراعة ريف دمشق على موقع فيسبوك أخيراً.
ووفق بيضون فإن أغلب المزارعين أنهوا قطاف ثلثين من منتجاتهم الزراعية التي تغزو الأسواق اليوم، وأن صحوة وزارة صحة النظام ومديريات الزراعة التابعة لوزارة الزراعة متأخرة وليست كافية والناس أكلت كل أنواع المزروعات الصيفية بطعم الصرف الصحي.
الجفاف وقلة الأمطار
في المقابل يعترض المزارعون على إتلاف محاصيلهم الزراعية جراء تعرضهم للخسارة المادية، ويحملون حكومة النظام مسؤولية خسائرهم، وفقاً لمزارعين التقاهم "العربي الجديد" ومنهم حمزة، الذي يقول "موضوع سقاية المزروعات من مياه الصرف الصحي قديم ويعود لسنوات الجفاف وقلة الأمطار، وليس وليد سنوات الحرب التي تسببت في تفاقمه".
وهنا، يؤكد أسامة قزيز عضو لجنة تجار ومصدري الخضروات والفواكه في دمشق، أن المزارعين تكبدوا خسائر كبيرة وبات معظم إنتاجهم معرضا للتلف، مضيفا في تصريحات صحافية أن الطلب على الخضروات الورقية انخفض بنسبة تقارب 30%، وكذلك انخفضت أسعارها بالجملة بنسبة 50% بعد صدور تعميم من مديرية الشؤون الصحية في محافظة دمشق لكافة أصحاب المطاعم بالامتناع عن تقديم جميع أنواع الخضروات الورقية تحت طائلة الإغلاق بسبب نقلها لمرض الكوليرا.
وما بين الجفاف والكوليرا، يواجه السوريون صعوبات كبيرة في توفير الطعام الآمن. ويتوقع أن تتفاقم خسائر السوريين بعد أن امتدت الأزمة إلى الحدود، إذ أصدرت السلطات الأردنية لإدارة الحدود، تعليمات بعدم إدخال المواد الغذائية غير المعلبة القادمة من سورية. وقال مستشار رئيس الوزراء الأردني لشؤون الأوبئة، عادل البلبيسي إن المملكة منعت دخول المنتجات النيئة والعصائر من سورية، باستثناء المواد المعلبة وذلك في إطار جهود منع دخول الكوليرا للمملكة بحسب ما نقلت عنه وسائل إعلام محلية.
ويتوقع المهندس الزراعي السوري، يحيى تناري، أن تتأثر المنتجات السورية بشكل أكبر مع امتداد حالات منع السلع السورية في دول منطقة الخليج العربي، على اعتبارها الأكثر استيراداً للإنتاج الزراعي السوري، بينما الأردن منطقة عبور لهذه السلع، إذ لا يستهلك الأردن من الإنتاج الزراعي السوري إلا القليل.
الكوليرا ضمن المنتجات الزراعية
ويشير تناري لـ"العربي الجديد" إلى أن سقاية الأراضي الزراعية بمياه ملوثة (الصرف الصحي) يزيد من احتمال وجود فيروس الكوليرا ضمن المنتجات الزراعية، خاصة الورقيات (بقدونس، خس، سبانخ، ملفوف وحتى الجزر والبطاطا) وهي منتجات تصدر بكثرة إلى منطقة الخليج العربي.
واعتبر أن شح الأمطار وتراجع منسوب المياه، الجوفية والسطحية الجارية، دفع بعض المزارعين للسقاية بمياه ملوثة، بل ثمة تسابق على شراء مياه الصرف الصحي من البلديات، حتى بالمناطق المحررة شمالي شورية.
ويؤكد الخبير الاقتصادي السوري محمود حسين، أن انتشار الكوليرا سيؤثر على المزارعين السوريين ويزيد خسائرهم، بعد تراجع الاستهلاك المحلي ووقف الدول المجاورة استيراد المنتجات الزراعية، لأن الإنتاج الزراعي في سورية مكلف وبمثابة مجازفة في ظل غلاء البذور والمحروقات والأسمدة.
وكان حجم التبادل التجاري بين سورية والأردن قد ارتفع إلى 85 ألف طن بقيمة 150 مليون دولار خلال النصف الأول من العام الجاري، بحسب ما كشف أخيراً المدير العام للمنطقة الحرة المشتركة، عرفان الخصاونة. ووصف الخصاونة خلال مقابلة مع التلفزيون الرسمي الأردني "المملكة" النشاط التجاري بين الأردن وسورية بالجيد، داعياً المستثمرين لزيارة المنطقة الحرة المشتركة لزيادة التبادل التجاري مع الجانب السوري. ويذكر أن الأردن أعاد فتح معبر نصيب الحدودي في 21 سبتمبر/أيلول 2021، بعد إغلاقات كورونا عام 2020، حيث تراجع التبادل التجاري إلى 96 مليون دولار مقارنة بنحو 630 مليون دولار عام 2011.