القمح السوري.. ورقة نظام الأسد للعبث بخبز الشعب

18 يونيو 2024
جانب من موسم حصاد القمح في إدلب شمالي سورية / 4 يونيو 2024 (Getty)
+ الخط -
اظهر الملخص
- سوريا تواجه تحديات كبيرة في تأمين القمح بسبب الحرب وسياسات نظام بشار الأسد، مع تعقيدات في نظام توزيع الخبز وتلاعب النظام بالموارد الغذائية.
- المزارعون يشكون من قلة إنتاج القمح وجودته، مطالبين بتسهيلات مالية وتحسين سلالات القمح، في ظل تحذيرات من توجههم لزراعات بديلة بسبب العبء المالي.
- النظام السوري يتعرض لانتقادات لعدم دعمه لإنتاج القمح وتحسينه، مع استمرار الاستيراد لتغطية العجز واستغلال الموارد لصالحه، مما يعمق الأزمة الغذائية ويهدد الأمن الغذائي في البلاد.

بدأت وسائل إعلام النظام السوري الترويج لانخفاض إنتاج القمح السوري مع انتهاء موسم حصاد المادة الأهم في البلاد، والأساسية لخبز السوريين، التي بات الحصول عليها محددا بكمية، ووفق نظام معقد لم يعتد عليه الشعب السوري من قبل.

وعلى الرغم من مرور سورية بظروف استثنائية عقب اندلاع الثورة السورية، التي شن نظام بشار الأسد في إثرها حربا على الشعب السوري في مناطق عدة من خلال قواته وأجهزته الأمنية، فإن هذه الحالة مستمرة في البلاد منذ نحو 13 عاما، ويدرك النظام هذه الحقيقة، وما يجب عليه القيام به لتأمين القمح الكافي للاستهلاك، سواء لجهة الإنتاج أو الاستيراد. ومع ذلك، بات العبث بلقمة عيش المواطن السوري سمة رئيسية لتعامل النظام مع الناس القاطنين في مناطق سيطرته، وذلك بحسب ما يشتكي منه السوريون في مناطق عدة.

ونشرت صحيفة "تشرين" الحكومية التابعة للنظام تقريرا نقلت فيه شكاوى مزارعين ومختصين من قلة إنتاج القمح السوري مخصصة تقريرها عن محافظة حماه وسط البلاد، التي تحتضن سهل الغاب، المنطقة الثانية في سورية من حيث إنتاج القمح بعد الجزيرة السورية شرق البلاد. ونقلت الصحيفة كتابا مقدما من اللجنة الزراعية في المحافظة واتحاد فلاحي حماة ومجالس الروابط الفلاحية فيها، يطلب تقسيط الديون على المزارعين نتيجة تدنى المحصول والإنتاج "نتيجة الظروف الجوية"، التي أدت إلى "انخفاض الإنتاجية للدونم الواحد من 500 كيلوغرام إلى 175 كيلوغراما وسطيا"، حيث طالب مزارعو المحافظة "بضرورة تقسيط الديون لمدة عامين وإعفائهم من الفوائد المترتبة، نتيجة للظروف الجوية التي سادت في محافظة حماة وتسببت بغرق محصول القمح في منطقة الغاب".

ورغم ذلك لفتت الصحيفة إلى شكاوى المزارعين من "تردي جودة البذار وعدم تحسين سلالة الأصناف المزروعة"، لكون الأصناف الحالية لا تقاوم المناخ وليست ذات جودة عالية، إذ إن "حجم المنتج وكميته يتوقفان حصراً على جودة الخدمة وتوافر المستلزمات المطلوبة للمحصول، أي إعطاء الدونم حاجته الفعلية من السماد ومواد المكافحة وعملية الري".

ونقلت "تشرين" عن الخبير الاقتصادي إبراهيم قوشجي تحذيره من أن انخفاض مردودية القمح، سوف يؤدي إلى انخفاض الصافي للمزارعين، ما سيجعل "زراعة القمح عبئاً على الفلاحين، ويجعلهم يتوجهون نحو مزيد من الزراعات"، منوها بأن محصول القمح استراتيجي بامتياز، مع الإشارة إلى أن البلاد كان لديها فائض في الإنتاج سابقا، لكنه أردف: "إذا استمررنا في النهج نفسه، فسنبقى نستورد القمح لزوم حاجة صناعة الرغيف، فدعم المحصول يبقى أقل تكلفة من استيراده".

ويشير كل ذلك إلى عدم اكتراث النظام بدعم إنتاج القمح السوري، لا من خلال دعم المزارعين لهذا المنتج الرئيسي، ولا من خلال جهود المراقبة والجودة وتحسين السلالات، لكنه دائما ما يلجأ إلى التبرير بأشكال مختلفة، لا سيما بخروج الجزيرة السورية، شرقي البلاد، المنتج الرئيسي للقمح في سورية، من قبضته.

 ومنذ اندلاع الثورة السورية، ومع بداية كل موسم حصاد للقمح، اعتاد النظام أن يبرر، عبر مسؤوليه أو وسائل إعلامه، قلة وتدني إنتاج محصول القمح السوري بسبب شح كمية الأمطار، أو سيطرة قوات سورية الديمقراطية (قسد)، المدعومة من الولايات المتحدة الأميركية على قرابة ثلث مساحة سورية الموزعة بين محافظات الحسكة ودير الزور والرقة وأجزاء من ريف حلب، التي تعد المصدر الأساسي للقمح وسلة سورية الغذائية، بنسبة تصل الى أكثر من 65% من الإنتاج الكلي للقمح.

 ودائما ما يطرح "خبراء النظام" الزراعيون أرقاما متدنية متوقعة للإنتاج وعجزا وفجوة بين الإنتاج والاستهلاك، في الموسم الجديد، ويذكرون أرقاما للإنتاج في الموسم السابق، وحجم وكمية الأقماح المستوردة من روسيا الحليف الرئيسي للنظام، أو من دول أخرى لتغطية العجز، مع إغفال حجم وعدد المهجرين من البلاد، بالإضافة إلى الملايين الذين يعيشون في مناطق خارجة عن سيطرة النظام، شمال شرق وشمال غرب البلاد.

وكان رئيس حكومة النظام السوري حسين عرنوس قد أشار أمام مجلس الشعب في 8 مايو/أيار الماضي إلى أن كمية الأقماح المستوردة خلال العام الحالي بلغت نحو 674 ألف طن، بقيمة وصلت إلى نحو 3000 مليار ليرة سورية، علماً بأن سورية، وحسب زعم النظام ومنذ قيام الثورة، تستورد ثلثي احتياجها السنوي من القمح، البالغ 2.5 مليون طن. وتعليقا على ذلك يشير الخبير الزراعي صلاح الدين الأغا إلى أن "هذا النظام اعتاد أن يستغل ويسرق مواطنيه وخصوصا المزارعين والفلاحين الذين ينتجون الغذاء، ويريد أن يظهر وكأنه يقدم مكرمة للشعب حين يشتري منهم القمح وأيضا حين يبيعهم الخبز، مدعيا أن سورية بحاجة الى استيراد مليون ونصف مليون طن من القمح هذه السنة، وأنه يشتري القمح بأسعار عالية، ويقدم الخبز بأسعار مدعومة ورخيصة".

ويوضح الأغا في حديثه لـ"العربي الجديد": "للعلم عندما كان إنتاج سورية من القمح يصل إلى خمسة ملايين طن، كان النظام وعبر مؤسسة مكتب الحبوب يشتري القمح من الدول الصديقة له، لأنه ببساطة كان يشتري أقماحا ذات نوعية وجودة متدنية وأحيانا غير صالحة للاستهلاك البشري، وبالمقابل كان يبيع ويصدر القمح السوري، وخاصة الأصناف القاسية، إلى الدول الأوروبية مثل إيطاليا وغيرها بأسعار عالية تبلغ أضعاف السعر الذي كان يستورد به القمح". وأكد أن النظام مستمر على هذه الآلية، حيث يعمل بعقلية وسلوك السمسار، وما زال يتلاعب بالأرقام ليؤكد روايته ويدعي أن استهلاك السوريين قرابة المليونين ونصف مليون طن من القمح، وهذا غير صحيح إذا ما أخذنا بالحسبان عدد المهجّرين.

بينما يقول أحمد العلي، وهو مزارع من ريف الحسكة، أن "هناك توافقا بين حكومة النظام السوري ومسؤولي الإدارة الذاتية، الذراع المدنية لـ"قسد" شمال وشرق سوريا، بالإضافة لتنسيق على مستويات عالية، وخاصة في القضايا الاستراتيجية وفي إدارة الشؤون الاقتصادية والزراعية، وذلك بما يخدم النظام تحديدا". وأوضح لـ"العربي الجديد" أن "دلالات هذا التنسيق توضحت عندما حددت الإدارة الذاتية في شمال وشرق سورية سعر شراء كيلو القمح من الفلاحين في المناطق التي تسيطر عليها، بـ31 سنتاً أميركياً، بينما كان العام الماضي 43 سنتاً أميركيا. وحدد النظام السوري سعر شراء القمح للموسم الحالي بمبلغ 5,500 ليرة سورية للكيلوغرام الواحد، أي ما يعادل 36 سنتاً".

وعن مغزى تدني تسعيرة الإدارة الذاتية أمام تسعيرة النظام السوري يقول العلي: "هو مؤشر يدل على عودة تسلم النظام تدريجيا المؤسسات الحيوية التي سلمها سابقا للإدارة، فالآن اضطر المزارعون للعودة والتعامل مع النظام وبيعه محاصيلهم، سواء بشكل مباشر، أو عبر تجار مرتبطين بهذه الإدارة، مع احتفاظهم بهامش ربح هو الفرق بين التسعيرتين، وبذلك يعود النظام للاستفادة من مردود بيع وتصدير القمح، وأيضا تسليمه لإدارة المطاحن والأفران والصوامع وإن كان بشكل غير معلن". وأكد العلي أن إجمالي عدد مراكز استلام محصول القمح هذا العام بلغ 30 مركزا، بقدرة استيعابية تفوق مليون ونصف مليون طن، وهي كمية الإنتاج التي كانت متوقعة في شمال وشرق سورية. وحسب العلي، فإن هذه المراكز قد امتلأت، وهي موزعة بين صوامع مجهّزة لاستلام القمح "الدكمة" تفوق 500 ألف طن، بينما لا تستوعب ساحات العراء أكثر من مليون طن.

من جانبه، يشير رامان محمد، وهو مزارع من ريف عامودا، لـ"العربي الجديد"، إلى أن "الإدارة الذاتية رضخت على ما يبدو لشروط النظام ومتطلباته، والدليل على ذلك عدم تلبية مطالب المزارعين وعموم السكان برفع سعر شراء القمح، والذين خرجوا في تظاهرات شعبية في كل من أرياف الحسكة والرقة، تنديدا بالسعر المتدني الذي حددته الإدارة الذاتية لكيلو القمح". وتبرز مخاوف من قبل السوريين، من خلال الإعلانات المتكررة للنظام عن تدني منتج القمح، باللجوء إلى تخفيض كمية حصة العائلة السورية من الخبز، والتي باتت منذ أعوام عدة محددة، وعلى نظام ما يسمى "البطاقة الذكية"، وهي حصة يشتكي الكثير من السوريين في مناطق سيطرة النظام من قلتها، بالإضافة إلى عدم الدقة والكفاءة في آلية التوزيع.

ومنذ عام 2014، خرجت المحافظات الرئيسية المنتجة للقمح في سورية، وهي الرقة ودير الزور والحسكة وريف حلب الشرقي عن سيطرة النظام، الأمر الذي يجعل النظام دائما ما يشتكي من نقص القمح، واضطراره للاستيراد، لكن دون الأخذ بالاعتبار أن هناك نحو 12 مليون سوري، إما باتوا خارج البلاد، أو في مناطق خارج سيطرته. وكانت زراعة القمح السوري حتى عام 2011 من الزراعات التي يُطلق عليها صفة "الاستراتيجية" حيث كانت البلاد تنتج في كل موسم أكثر من أربعة ملايين طن، تسد حاجة السوق المحلية ويفيض منها كميات للتصدير.

المساهمون