الفيدرالي والدولار... القرار الذي لن يرضي أحداً

19 سبتمبر 2022
جيروم باول محافظ الفيدرالي في مأزق بسبب زيادة التضخم (Getty)
+ الخط -

العالم كله في مأزق شديد هذه الأيام بسبب كثافة الأزمات الاقتصادية والمالية التي يمر بها، الولايات المتحدة في مأزق بسبب التضخم الحاد ومخاوف الوقوع في الركود التضخمي.

أوروبا في مأزق بسبب أزمة الطاقة الشرسة وقبلها غلاء الأسعار وتداعيات حرب أوكرانيا الخطرة عليها، وروسيا في مأزق بسبب العقوبات الغربية الشرسة التي شلت اقتصادها وجمدت نحو نصف احتياطياتها من النقد الأجنبي وبما يعادل 300 مليار دولار.

الفيدرالي يعيش أوقاتا صعبة بسبب ضخامة الضغوط التي تمارس عليه بشأن الفائدة وفشله في وقف قفزة التضخم رغم 4 زيادات خلال العام

تمتد الأزمة للصين لأسباب عدة منها تراجع معدل النمو والجفاف وخطر كورونا وزيادة البطالة والقلق الواسع الذي يعيشه قطاع العقارات والذي يمكن أن يقذف به إلى حافة الانهيار، خاصة مع ضخامة الديون المتعثرة والتي تتجاوز 300 مليار دولار لدى شركة واحدة.

الدول النامية في مأزق كذلك بسبب اضطرابات أسواق الصرف، وتراجع إيرادات النقد الأجنبي، وزيادة فاتورة واردات الطاقة والأغذية، والأخطر ضخامة المديونيات الخارجية المستحقة عليها والتي يمكن أن تدفع بها نحو خطر الإفلاس.

لكن المأزق الأكبر في تقديري هو من نصيب مجلس الاحتياط الفيدرالي "البنك المركزي الأميركي" الذي يعيش أوقاتا صعبة بسبب ضخامة الضغوط التي تمارس عليه بشأن سعر الفائدة وفشله في وقف قفزة التضخم رغم 4 زيادات للفائدة خلال العام الجاري.

فمعدل التضخم في زيادة داخل الولايات المتحدة عكس توقعات كثيرة، وهو ما يرغم البنك الفيدرالي على مواصلة تبني سياسة التشدد النقدي ورفع سعر الفائدة على الدولار ضاربا بعرض الحائط بكل المطالب التي تطالب بخفض تكلفة الأموال للحفاظ على قطاع الإنتاج.

والبنك المركزي يتعرض لانتقادات شديدة على خلفية تقديراته السابقة غير الدقيقة بالنسبة لاتجاهات التضخم، كما يتعرض لانتقادات أخرى من قبل الجميع، خاصة مجتمع المال والأعمال، لأن سياساته القائمة على الرفع العنيف لسعر الفائدة ستقود الاقتصاد الأميركي نحو الوقوع في خطر الركود التضخمي والذي قد يستمر سنوات وينجم عنه زيادة كبيرة في معدلات البطالة والإفلاس وإغلاق المصانع والشركات وخروج مستثمرين من الأسواق.

سياسات البنك القائمة على الرفع العنيف للفائدة ستقود الاقتصاد الأميركي نحو الوقوع في خطر الركود التضخمي

كما يلقى الفيدرالي انتقادات حادة من قبل مستثمري "وول ستريت" لأن الرفع الحاد للفائدة ودخول الاقتصاد في ركود يكبد الأسهم الأميركية خسائر فادحة قد تتجاوز 25% من قيمتها حسب توقعات بنك غولدمان ساكس الاستثماري الأخيرة. كما يرفع معدلات البطالة من 3.7% حاليا إلى 6% وهو ما يعني طرد الملايين من سوق العمل.

موقف
التحديثات الحية

ومع زيادة أسعار الفائدة على الدولار تزيد حالة انكماش الاقتصاد وتتراجع أرباح الشركات الأميركية، وهو ما يعني بطالة أعلى وتراجع في القيمة السوقية لأسهم الشركات المقيدة في البورصة.

لا تتوقف الضغوط على الفيدرالي عند هذا الحد، فبنوك الاستثمار العالمية وكبار الاقتصاديين والمستثمرين الأميركيين يضغطون أيضا حينما يتوقعون زيادات قياسية في سعر الفائدة.

فالمستثمر الأميركي، مارك موبيوس، قال إن البنك قد يرفع الفائدة إلى 9%، في إطار المعركة ضد التضخم، وهو سعر يشل الاقتصاد الأميركي، ودويتشه بنك، أكبر بنك أوروبي، توقع رفع الفائدة إلى 5%.

مارك موبيوس، توقع رفع البنك الفائدة إلى 9%، في إطار المعركة ضد التضخم، وهو سعر يشل الاقتصاد الأميركي

الفيدرالي هو أكبر وأهم البنوك المركزية العالمية على الإطلاق، وهو الذي يرسم السياسات النقدية حول العالم، فإذا رفع سعر الفائدة على الدولار فإن البنوك المركزية العالمية تسارع برفع الفائدة على عملاتها والعكس.

وإذا رفع الفائدة بشكل كبير كما يحدث الآن فإن اضطرابات عنيفة تصيب الأسواق الناشئة يعقبها هروب الأموال الساخنة وسحب الاستثمارات الاجنبية من تلك الأسواق متجهة نحو البنوك والسندات الأميركية ذات العوائد المرتفعة.

ببساطة، فإن أي إشارة من الفيدرالي لها تداعيات سريعة على كل أسواق وعملات وبورصات وأدوات الدين في العالم من سندات وأذون خزانة، وكذا على أسعار الذهب والفضة وغيرهما من المعادن النفيسة، كما لها تأثيرات على أسعار الطاقة مثل النفط والغاز الطبيعي، وكذا المعادن وغيرها من السلع الأساسية.

البنك الفيدرالي يعقد اجتماعا بعد الغد الأربعاء ولمدة يومين، ومن المتوقع أن يسفر الاجتماع عن قرار بزيادة خامسة لسعر الفائدة بنسبة 0.75 في المائة.

وفي حال توقع هذا الاحتمال فإن البنك يكون قد رفع الفائدة بنسبة 3.75% خلال العام الجاري، وهي نسبة ضخمة جدا مقارنة بالزيادات السابقة وستكون لها انعكاسات خطيرة على الاقتصاد العالمي بما فيها الاقتصاد الأميركي.

مأزق البنك المركزي الأميركي أنه في ظل التضخم الحاد الذي تعيشه الولايات المتحدة بات يصم أذنيه ويغلق عينيه عن أي اعتبارات أخرى، حتى لو كانت تتعلق بتنشيط الاقتصاد، أو زيادة التحذيرات من دخول الاقتصاد الأميركي في حالة كساد وركود تضخمي، لأنه يعتبر أن الأولوية القصوى الآن هي مكافحة ظاهرة ارتفاع الأسعار باعتبارها أساس كل كارثة اقتصادية.

المساهمون