- تم إحالة الملف للهيئة المركزية للرقابة والتفتيش لاتخاذ الإجراءات القانونية، حيث تبين وجود فساد في استخراج البطاقات الذكية لتوزيع الغاز، مع تلاعب واسع النطاق يمثل 15% من الكميات الموزعة.
- القضية تسلط الضوء على الفساد المستشري في مؤسسات النظام السوري، مع إعفاء مسؤولين وإحالة ملفات فساد للجهات القضائية، مما يعكس مشكلة أكبر تشمل سرقات تصل إلى تريليونات الليرات، تستنزف الخزينة العامة وتعيق التنمية الاقتصادية.
لا يزال الكشف عن قضية الفساد في سورية وسرقة المال العام بمئات مليارات الليرات (كل دولار يعادل نحو 14 ألف ليرة)، في عمليات استجرار غير مشروعة للغاز الصناعي المدعوم من الدولة، مثار جدل لدى الأوساط المعنية والشارع المحلي في مناطق سيطرة النظام السوري.
وكان حسين دياب، محافظ مدينة حلب شمال سورية، قد كشف عن هذه القضية في تصريحات لوسائل إعلام محلية قبل أيام، مشيرا إلى الشكاوى الواردة للمحافظة من جانب عدد من الصناعيين والحرفيين حول نقص في عدد أسطوانات الغاز الصناعي الموزع في المحافظة.
وشُكلت خمس فرق فنية وقانونية في نهاية شهر يناير/كانون الثاني الماضي للكشف عن الفعاليات والمنشآت الصناعية والحرفية الخاصة لتحديد الحاجة الفعلية لها من مادة الغاز الصناعي، مقارنة مع ما تستلمه من مخصصات مدعومة من هذه المادة بموجب "البطاقة الذكية"، ليتضح بعد شهر من التحقيقات وجود نحو 1300 منشأة تستجر الغاز الصناعي من دون وجه حق، (مغلقة أو غير موجودة عمليا) فتم إيقاف العمل بالبطاقات الذكية الممنوحة لتلك المنشآت، وذلك من أصل 7515 منشأة مسجلة في حلب.
وأوضح دياب أنه منذ بدء العمل بنظام "البطاقة الذكية" في منتصف عام 2021 وحتى الوقت الحالي، تبيّن أن الفعاليات التي لا تعمل تحصل شهريا على 15 ألف أسطوانة غاز صناعي، بوزن 16 كغ للأسطوانة الواحدة. علماً بأن الفعاليات الصناعية في حلب إجمالاً تحصل شهريا على 100 ألف أسطوانة غاز صناعي، أي أن الكميات المسروقة تصل إلى 15% من إجمالي الكميات الموزعة. وأشار إلى أنه جرى إحالة كامل الملف إلى الهيئة المركزية للرقابة والتفتيش لاتخاذ الإجراءات القانونية المطلوبة.
من جهتها، أوضحت مديرة الرقابة الداخلية في محافظة حلب، عبير مكتبي، في تصريحات نقلتها صحيفة "الوطن" السورية، أن عدداً كبيراً من البطاقات الذكية الموزعة هي بحوزة ناقلي الغاز المعتمدين في تلك المنطقة، وبالتالي الناقل هو الذي يتحكم في تصريف المادة، مشيرة إلى أن الحصول على البطاقة كان يتم بالتنسيق بينهم وبين الناقل، وأحياناً يحصل الناقل على البطاقة من دون وجود صاحب الترخيص، وهذا يشير إلى وجود فساد حقيقي في عملية استخراج هذه البطاقات.
وأضافت أنه بعد إحالة الملف إلى الهيئة المركزية للرقابة والتفتيش للتحقيق وتحديد المسؤوليات والكميات المستجرة من دون وجه حق، سيتم تحديد قيمة التغريم التي يجب فرضها وفق أحكام المرسوم 8 لعام 2021، مشيرة إلى أن شركة "محروقات" التابعة للدولة تبيع أسطوانة الغاز الصناعي بقيمة 160 ألف ليرة للأسطوانة الواحدة، في حين أن سعرها في السوق السوداء يتراوح بين 800 ألف ومليون ليرة بحسب فصول السنة. ومع احتساب عدد الأسطوانات المستجرة بشكل غير شرعي شهرياً 15 ألف أسطوانة لمدة تتجاوز 32 شهراً، يقدر عددها بحدود 480 ألف أسطوانة، والفرق بين السعر المدعوم وسعر السوق السوداء يصل إلى 840 ألف ليرة، وبالتالي تقدّر المبالغ المفقودة خلال هذه الفترة بنحو 400 مليار ليرة سورية.
تورط مسؤولي النظام
ورغم أن مسؤولي المحافظة لم يحددوا هوية بعض المسؤولين المتورطين في هذه القضية، بمن في ذلك موظفون في مديرية الرقابة الداخلية في محافظة حلب، إلا أنه تم في سبتمبر/أيلول الفائت إعفاء مدير محروقات حلب من منصبه على خلفية ملف فساد، حيث تحدثت وسائل إعلام النظام آنذاك عن إحالة 45 ملفاً تتعلق بمخالفات في المحروقات، بينها 38 ملفاً أحيلت للهيئة المركزية للرقابة والتفتيش، وملفان للقضاء، وواحد إلى الجهاز المركزي للرقابة المالية، و4 لفرع الأمن الجنائي.
كما أعلنت مديرة الرقابة الداخلية في حلب عبير مكتبي في شهر أكتوبر/تشرين الأول الماضي إحالة أكثر من 150 ملفاً للجهات المختصة نتيجة ثبوت ارتكاب مخالفات وفساد، لافتة إلى أنه تم إعفاء 55 موظفاً فاسداً، غالبيتهم مسؤولون في المحافظة.
وأعلنت مديرية التموين لدى النظام في محافظة حماة (وسط البلاد)، الثلاثاء الماضي، عن ضبط معتمد غاز منزلي بمخالفة التلاعب في وزن أسطوانات الغاز، وذلك باستخدام وصلات وخراطيم لتفريغ الغاز، وإنقاص وزن الأسطوانة بقصد الغش والاحتيال.
ما خفي أعظم
وعلّق وزير التجارة الداخلية وحماية المستهلك السابق عمرو سالم، في منشور له على فيسبوك، الخميس الماضي، على تزايد اكتشاف السرقات والفساد في مؤسسات النظام، خاصة في مجال الوقود.
واعتبر سالم أن اكتشاف سرقة الغاز بقيمة 400 مليار ليرة "يعكس واقعاً خطيراً وكارثياً". لكنه أكد أن "هذه السرقة ليست الوحيدة، وبكل تأكيد تتكرر في جميع وحدات الغاز والمازوت والفيول والبنزين". وأضاف أن هناك سرقات للمشتقَات النفطيَة تصل إلى تريليونات الليرات السورية تستنزف الخزينة العامة وتتسبب بالتمويل بالعجز وبيع سندات الخزينة وغيرها، وهو ما يمنع زيادة الرواتب ويشل الاقتصاد.
وأكد أن "الأخطر من السرقات أنها موجودة ومستمرة منذ سنوات، وما تم اكتشافه لا يتعدى قمة جبل الجليد، ولا يمثل إلا نزرا يسيرا من الواقع". وانتقد تجاهل حكومة النظام مقترحات كان قد قدمها عندما كان وزيرا للتموين، حيث قدم عام 2021 مذكرة لحكومة النظام، أكد فيها أن ما يتم استيراده من مشتقات نفطيَة يكفي الحاجة لجميع الأغراض، ولا مبرر للأزمات والتأخير في التوزيع، لكن المشكلة هي سرقة تلك المشتقات وبيعها في السوق السوداء، وفق قوله.
وذكر أن المذكرة تضمنت "التفاصيل والحلول، والدليل أن كل منشأة أو مواطن مستعد لدفع سعر السوق السوداء، يجد الكمية التي يريدها بكل بساطة، ولكن، وللأسف الشديد، قوبل الطرح باستخفاف عجيب".
وكشف أن رد الحكومة أفاد بأنه قبل 2011 كان يتم توزيع 22 مليون طن من المازوت وحده، أما في 2021 فيتم توزيع 8.5 ملايين طن، متسائلا: فكيف تقول إن الكميَة تكفي؟ وقال إن "الحكومة لا تحسب عدد المنشآت والمنازل التي تدمَرت، وكذلك مساحات الأراضي الخارجة عن سيطرة نظام بشار الأسد، وتناقص عدد السكان بسبب تهجيرهم بالملايين، وعدد الشاحنات والقطارات التي توقفت بالكامل، معتبرا أن "كل رقابات الدنيا لا تستطيع وقف الفساد والهدر بالنسبة للسلع المدعومة في سورية".
ويشير تقرير نشرته منظمة الشفافية الدولية، نهاية يناير/كانون الثاني الماضي، إلى تذيل سورية قائمة ترتيب مؤشر "مدركات الفساد العالمي"، بتسجيلها 13 درجة من أصل مائة، لتحتل مع الصومال آخر مرتبتين في القائمة.
ويقدر خبراء أن تكون دورة الفساد والتهرب الضريبي في مؤسسات النظام تستنزف نحو 8 آلاف مليار ليرة.