الأزمة النقدية تتصاعد في العراق. الدينار يزيد هبوطاً، والاقتصاد يضيق انكماشاً. ملفات الفساد بدأت تظهر على الطاولة. مجلس القضاء الأعلى كشف عن عمليات تهريب للعملة الأجنبية إلى الخارج، وتحايل وتزوير في مزاد بيع العملة. الكل يطرح تساؤلات حول الجهة التي تقوم بالتهريب وتغطيه.
البنك المركزي العراقي هو المؤسسة الوحيدة المخولة بيع العملة الأجنبية إلى مصارف وشركات معروفة من قبله، بعد شرائها من وزارة المالية. في المقابل، تتزايد الاحتجاجات الشعبية ضد خفض سعر الدينار ورفع الأسعار.
مجلس القضاء الأعلى قال في بيان، الأربعاء، إنه يجري تحقيقا في عمل مزاد بيع العملة الأجنبية، ووجود مخالفات من قبل بعض المصارف، مؤكدا أن التحقيق أثبت وجود عمليات مخالفة للقانون. وتابع أن "مجلس القضاء الأعلى وجه بتعميم صادر عنه كافة محاكم التحقيق باتخاذ الإجراءات القانونية بحق كل من تسبب بالضرر للاقتصاد الوطني، سواء من تجار العملة الأجنبية أم التجار المحتكرين للبضائع والسلع الغذائية والسلع الضرورية التي يحتاجها المواطنون يوميا".
وأوضح أن محكمة التحقيق المختصة بمكافحة غسل الأموال باشرت منذ عدة أيام التحقيق بخصوص مزاد بيع العملة الأجنبية ومخالفة بعض المصارف الخاصة للقانون للاشتراك فيه. وأشار مجلس القضاء الأعلى إلى أن التحقيق وصل إلى مراحل متقدمة بشأن وجود عمليات غير قانونية وتحايل وتزوير للاشتراك في مزاد بيع العملة وتهريب العملة إلى الخارج.
وأكد مصدر في اللجنة المالية بالبرلمان العراقي، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن ملف الفساد في بيع العملة وعمليات التلاعب ستكون له الأولوية في القضايا التي ستطرح عند استجواب وزير المالية علي عبد الأمير علاوي، ومدير البنك المركزي العراقي مصطفى غالب عند استضافتهما في البرلمان في الجلسة التي يجري التحضير لها.
بيّن المصدر أن المعلومات التي أدلت بها السلطة القضائية المتمثلة بمجلس القضاء الأعلى بشأن تهريب العملة الأجنبية مهمة جدا وخطيرة، ولا بد من العمل من أجل وقف عمليات التهريب ومعرفة الجهات التي تقف خلفها. وأشار إلى وجود ملفات أخرى ستطرح خلال استجواب علاوي وغالب، موضحا أن هذه الملفات لها علاقة بالإرباك الذي تسبب به رفع سعر الصرف من قبل وزارة المالية والبنك المركزي.
ويشهد البرلمان العراقي منذ أيام حراكاً متسارعاً لاستضافة رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي، واستجواب وزير ماليته في مجلس النواب، على خلفية رفع سعر صرف الدولار، ووجود بعض البنود في موازنة العام المقبل التي من شأنها أن تثقل كاهل العراقيين.
وشدد عضو ائتلاف "دولة القانون" سعد المطلبي، في حديث خاص مع "العربي الجديد"، على أن الأمور في العراق تسير نحو المجهول، مبينا أن بعض الأحزاب حققت أرباحاً بسبب الفرق في سعر صرف الدولار، وربما تستخدمها لتمويل الانتخابات. وأوضح أن الحكومة هي التي تبيع الدولار، والأحزاب المقربة منها هي التي تشتري الدولار بسعر مخفض، مشيرا إلى أن "الأحزاب المقربة من الحكومة تمتلك مصارف ولها القدرة على شراء الدولار وتهريبه إلى خارج العراق". ولفت المطلبي إلى أن بعض الأموال المهربة تذهب إلى حسابات خاصة، والبعض الآخر قد يستخدم لمساعدة دول معينة. وبين أن وجود مبالغ مالية مهربة يشير إلى وجود حركات حزبية تقف خلفها، مضيفا أن "من يشتري الدولار ويهربه هي جهة حكومية أو قريبة جدا من الحكومة".
يشار إلى أن البنك المركزي العراقي قرر، بدءاً من الأحد الماضي، رفع سعر صرف الدولار إلى 1460 دينارا للمصارف، و1470 دينارا للجمهور، بالتنسيق مع وزارة المالية، ما تسبب بإرباك في السوق العراقية وارتفاع في أسعار السلع، كما تضمنت مسودة موازنة عام 2021 المسربة بنوداً لتخفيض رواتب الموظفين وفرض ضرائب جديدة.
وكان عضو لجنة النزاهة في البرلمان العراقي، طه الدفاعي، قد أشار في وقت سابق، إلى وجود معوقات تحول دون استرداد الأموال المهربة إلى خارج البلاد، لافتا إلى أن استعادة هذه الأموال مناطة بهيئة النزاهة، وتحديدا بدائرة الاسترداد. لكن عمل هذه الدائرة لم يكن بمستوى الفساد وحجم الأموال المهربة.
وبين أن السبب الرئيس وراء ضعف إجراءات الاسترداد يعود إلى عدم وجود تعاون في هذا الملف من قبل المؤسسات الحكومية، ومنها وزارة الخارجية، والبنك المركزي العراقي، والمؤسسات ذات العلاقة، التي لم تتحرك لعقد اتفاقيات مهمة مع الحكومات التي توفرت معلومات تفيد بوجود أموال مهربة لمسؤولين عراقيين في دولها، من أجل استرداد الأموال والأشخاص عبر الانتربول الدولي والعربي. وأكد وجود مشكلة مهمة تتمثل بعدم وجود تعاون من بعض الدول مع العراق في متابعة الأموال والأشخاص، موضحاً أن هذه الدول مستفيدة من وجود الأموال في مصارفها.