الغرب يتجه لحظر الطاقة الروسية ...وموسكو قد تخسر السوق الأوروبي

22 مارس 2022
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أمام معضلة الخروج من وحل أوكرانيا (Getty)
+ الخط -

تدرس أوروبا بجدية سيناريوهات الاستغناء تماماً عن الغاز الروسي بعد الغزو الوحشي لأوكرانيا وتهديدها للأمن القومي في القارة العجوز، على الرغم من صعوبات البدائل المتوفرة خلال الشتاء المقبل.

وقال مسؤول السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي، جوزيب بوريل، أمس الاثنين، إنّ وزراء خارجية دول الاتحاد الأوروبي سيبحثون فرض مزيد من العقوبات على روسيا بما يشمل قطاعي النفط والغاز الطبيعي.
ووفق مصادر غربية، تناقش حكومات الاتحاد الأوروبي فرض حظر نفطي على روسيا نهاية هذا الأسبوع مع الرئيس الأميركي جو بايدن في سلسلة اجتماعات تهدف إلى تشديد رد الغرب على موسكو. 
وأجرت حكومات الاتحاد الأوروبي مناقشات بشأن حظر النفط الروسي بين وزراء الخارجية أمس الاثنين قبل وصول بايدن إلى بروكسل يوم الخميس لعقد اجتماعات قمة مع 30 من الحلفاء الأعضاء في حلف شمال الأطلسي، بالإضافة إلى الاتحاد الأوروبي ودول مجموعة السبع بما في ذلك اليابان.

من جانبه، كشف نائب المستشار الألماني والوزير الاتحادي للشؤون الاقتصادية وحماية المناخ روبرت هابيك، أن ألمانيا وقطر اتفقتا على "شراكة طويلة الأمد" في مجال الطاقة للمساعدة في خفض الاعتماد على الغاز الروسي بعد غزو أوكرانيا.

وتوصلت ألمانيا، يوم الأحد، إلى اتفاق للحصول على الغاز من قطر، وسط سعى أكبر اقتصاد في أوروبا لاستبدال جزء من احتياجاتها من الغاز، التي توفرها روسيا في الوقت الحالي.

وزار وزير الاقتصاد الألماني، روبرت هابيك، قطر نهاية هذا الأسبوع، حيث أشار إلى أن المنطقة منفتحة على مزيد من التعاون والاستثمارات في مشاريع الطاقة المتجددة.

وقال هابيك، في فيديو تم نشره على تويتر: "النبأ السار"، أن ألمانيا سوف تحصل على الغاز الطبيعي المسال من قطر. و"الأمر الآن متروك للشركات لإتمام العقود". وأضاف: "قطر تعمل على زيادة إنتاج الغاز، بينما نحتاج لمزيد من الغاز على المدى القصير بدلاً من الإمدادات الروسية". وأكمل: "هذا ما ناقشته مع الأمير ووزير الطاقة".
يذكر أنّ ألمانيا من كبار دول الاتحاد الأوروبي المستوردة للغاز الطبيعي من روسيا وتعتمد بنسبة 55% من إجمالي استهلاك الغاز الطبيعي على شركة "غازبروم" الروسية و30% على النرويج و13% على هولندا والباقي من مصادر أخرى من خلال استيراد الغاز المسال عبر الحاويات.

وبالتالي فهي من الدول الأكثر استهلاكاً للغاز الروسي بسبب حجم اقتصادها الضخم والذي يعتمد على الصناعة. لكن على الرغم من صعوبات إيجاد البدائل، يرى خبراء في معاهد دراسات متخصصة أنّ أوروبا بمقدورها الاستغناء عن الغاز والنفط الروسيين، وربما تنتهي موسكو بعد نهاية حربها الشرسة في أوكرانيا بخسارة إحدى أسواقها الرئيسية في الطاقة وتصبح فريسة لابتزاز شركات الطاقة الصينية.

وتعتمد روسيا في دخلها بنسبة كبيرة على صادرات الطاقة إلى أوروبا، حيث بلغت قيمة صادرات الغاز الروسي إلى أوروبا نحو 13% من إجمالي الصادرات الروسية في العام 2019، أي أكثر من 50 مليار دولار سنوياً من إجمالي قيمة صادراتها البالغة 425 مليار دولار في العام 2019، حسب بيانات شركة " ثاندر سيد إنيرجي" البريطانية.
من جانبها قدرت دراسة لأمن الطاقة نشرها الدكتور فرانك أومباخ، رئيس وحدة دراسات المناخ وأمن الطاقة بجامعة "برلين" في موقع "جي أي أس" أنّ روسيا تستخدم الطاقة في النفوذ السياسي في أوروبا والتأثير على القرار الأوروبي، وأنّ الاستغناء عن الغاز الروسي ضرورة استراتيجية لأوروبا. وأشار في الدراسة إلى أنّ أرباح شركة "غازبروم" الروسية الصافية، وهي الشركة المحتكرة لإنتاج وتجارة الغاز الروسي، قد تبلغ 90 مليار دولار في العام 2021.
ويقدر أومباخ أنّ استغناء أوروبا بشكل كامل عن الغاز الروسي سيكلف غاز بروم خسائر يومية تراوح بين 200 و 230 مليون دولار. لكنه يقول إنه في حال الاستغناء الكامل عن الغاز الروسي، فإنّ أوروبا ستحتاج إلى نحو 25% من إجمالي إنتاج الغاز المسال عالمياً.

في ذات الصدد، يرى خبراء أنّ أوروبا ستعمل على إيجاد البدائل للغاز الروسي والتي من بينها خفض استهلاك الغاز الطبيعي وبدائل الطاقة المتجددة لخفض الاستهلاك.
وتستورد أوروبا نحو 40% من إجمالي استهلاكها من الغاز الطبيعي من "غازبروم" بينما تستورد نحو 25% من إجمالي استهلاكها النفطي من روسيا. وبلغت صادرات الغاز الروسي إلى أوروبا، بما في ذلك تركيا، نحو 168 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي، جزء طفيف منها عبر ناقلات الغاز المسال الروسي بينما نحو 96 منها عبر الأنابيب. من بين هذه الصادرات 19 مليار متر مكعب عبر أوكرانيا، وهي أقل من الكميات المتفق عليها مع شركات الطاقة الأوروبية والبالغة 40 مليار متر مكعب.
من جانبه، يرى معهد "بروغيل" للدراسات في بروكسل ببلجيكا، أنّ أوروبا تمكنت من تكوين احتياطات من الغاز الطبيعي تمكنها من تلبية احتياجاتها حتى نهاية موسم الصيف المقبل دون الحاجة لاستيراد الغاز من روسيا. ويلاحظ المعهد أنّ أوروبا نشطت منذ العام الماضي في استيراد شحنات ضخمة من الغاز الطبيعي المسال من الولايات المتحدة وقطر ودول أفريقية من بينها نيجيريا والجزائر، تحسباً لاستخدام روسيا الغاز الطبيعي سلاحاً في غزوها لأوكرانيا.

وكانت الولايات المتحدة قد حذرت أوروبا من الاعتماد على روسيا في الطاقة وعارضت بشدة مشروع "نوردستريم 2" الذي يمر تحت بحر البلطيق إلى ألمانيا ويمدها بنحو 55 مليار متر مكعب من الغاز لتصبح إجمالي امدادات روسيا لألمانيا بالغاز 110 مليارات متر مكعب، وهو المشروع الذي أوقفت ألمانيا ترخيصه بعد غزو روسيا لأوكرانيا.
في الإطار نفسه، يقول معهد "بروغيل" للدراسات إنّ أوروبا تدرس مجموعة سيناريوهات للاستغناء عن الغاز الروسي. ويشير إلى أنّ أوروبا باتت مكتفية من الغاز الطبيعي حتى نهاية الصيف الجاري، لكنّها ستظل بحاجة لإمدادات إضافية في الشتاء المقبل، ولتلبية حاجة الشتاء، يفترض السيناريو خفض أوروبا لاستهلاك الغاز بنحو 400 تيترا واط / ساعة، أي بنحو 10 إلى 15% من حجم الاستهلاك السنوي من الغاز. ويرى المعهد في دراسته أنّ هذا ممكن.
على صعيد النفط، تعد أوروبا من كبار المستوردين للنفط والمشتقات الروسية، فهي تستورد نحو 2.8 مليون برميل من النفط والمشتقات الروسية يومياً حسب بيانات معهد "بروغيل". من بين هذه الكميات نحو 700 ألف برميل يومياً عبر الأنابيب والباقي عبر الناقلات.

ويرى المعهد أنّ صادرات النفط الروسية المقدرة بنحو 7.5 ملايين برميل يومياً قد فقدت نحو 4 ملايين برميل يومياً بسبب الحظر الأميركي والبريطاني وتوقف التجار عن شراء الشحنات الروسية.

المساهمون