العرب واليابان: نهج جديد

23 مايو 2024
مصنع سيارات تويوتا في مدينة ناغويا وسط اليابان، 30 يوليو 2018 (Getty)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- في 12 و13 مايو 2024، شهدت كلية الحسين بن عبد الله الثاني بالجامعة الأردنية حوارًا استراتيجيًا بين مركز رولز للدراسات بجامعة طوكيو ومركز الدراسات الاستراتيجية بالجامعة الأردنية، مع مشاركة باحثين وخبراء من اليابان، الأردن، ودول عربية وسفراء، لتعزيز العلاقات الدولية.
- العلاقات الأردنية اليابانية تعود لعقود، معتبرة الأردن شريكًا استراتيجيًا ومستقرًا في منطقة مليئة بالتحديات، حيث دعمت اليابان الأردن بمساعدات تصل إلى 6 مليارات دولار ودعمت القضية الفلسطينية.
- اليابان تسعى لتعزيز دورها في الشرق الأوسط عبر الأردن، رغم التحديات الدولية والإقليمية، مع التركيز على التعاون في الابتكار، التكنولوجيا، والسياحة كمجالات رئيسية للتعاون المستقبلي، مؤكدة على الأردن كشريك استراتيجي.

عُقد بكلية الحسين بن عبد الله الثاني بالجامعة الأردنية حوار استراتيجي بين مركز رولز Roles للدراسات بجامعة طوكيو اليابانية ومركز الدراسات الاستراتيجية بالجامعة الأردنية يومي 12 وَ13 من مايو/ أيار 2024. وشارك في الجلسات عدد من الباحثين من أساتذة الجامعات والخبراء بشؤون الشرق الأوسط من اليابان، وعدد آخر من الأردن ودول عربية أخرى مثل الإمارات ومصر، وفلسطين، وبحضور عدد من سفراء الدول العربية والآسيوية والأوروبية.

وللتذكير نجد أن الحزب الحاكم في اليابان (الحزب الليبرالي الديمقراطي) أو LDP كان واقفاً مع الأردن ومؤيداً له. والحزب مقتنع أن الأردن دولة مستقرة، وواجهت الكثير من التحديات وتصدت لها كلها بنجاح كبير. ولذلك، فقد توصلوا إلى النتيجة الراسخة لدى الحزب أن الأردن ودعم اقتصاده ضروريان لتحقيق السلام في الشرق الأوسط، والذي هو بدوره ضروري للعالم. ولذلك جاء عقد هذا المؤتمر في الأردن تأكيداً لهذه المعاني.

وأذكر أنني كنت في وفد رسمي كبير بصحبة الأمير الحسن بن طلال الذي زار اليابان زيارة دولة مندوباً عن الملك الراحل الحسين بن طلال عام 1988، وأصدر الحزب الحاكم يومها بياناً يؤكد ذلك. وقد كان للعائلة المالكة الأردنية علاقات ودّ وصداقة مع الأسرة الإمبراطورية في اليابان منذ أيام الامبراطور هيروهيتو Hirohito، والذي كان الأمير الحسن مِن آخر مَن زاره من غير اليابانيين عام 1988، واستمرت العلاقة بين الامبراطور أكيهيتو والراحل الملك الحسين، والتي امتدت إلى الامبراطور الحالي (ناروهيتو) والملك عبد الله الثاني بن الحسين.

وقدمت اليابان إلى الأردن قروضاً سهلة بفوائد متدنية أو مُعفاه الفوائد في حدود 6 مليارات دولار، وقدمت عوناً للجانب الفلسطيني بمقدار يقارب 4 مليارات. ومؤسسة جايكا أو JICA التي تقدم القروض الائتمانية للدول النامية لم تتخلَّ يوماً بقروضها الإنمائية للأردن وفلسطين، ولا قصرت اليابان في تقديم العون المتوقع منها لأونروا UNRWA، أو وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين.

موقف
التحديثات الحية

ولكن لليابان سياسات تحكمها منذ الحرب العالمية الثانية. فهي لا تستطيع إنتاج السلاح أو تزويده، ولا تزال فيها قواعد أميركية كبيرة خاصة في أوكيناوا، وتواجه الصين في النزاع على بعض الجزر، وكوريا الشمالية التي ما تفتأ تجري تجارب نووية وباليستية قارّية في المحيط الهادئ في مناطق قريبة من المياه الإقليمية اليابانية. وكل هذه الأمور تجعل اليابان مضطرة إلى أن تساير في سياساتها الدول الغربية الكبرى التي ضربت مدينتيها هيروشيما وَناغازاكي بالقنابل النووية عام 1945 للإسراع في إنهاء الحرب العالمية الثانية التي أصر اليابانيون على الاستمرار بها رغم هزيمة دول المحور بقيادة ألمانيا النازية.

اليابانيون ربما تعايشوا مع الاضطرابات والانعكاسات الخطيرة على حياتهم بسبب قنبلتي هيروشيما وناغازاكي النوويتين، ولكنهم بوصفهم شعباً محارباً وقومياً أدركوا أن من عنده قنابل نووية وقدرات اقتصاديه هائلة لا يمكن هزيمته، فاستسلموا، وقبلوا بتغيير نظامهم السياسي وسمحوا للأحزاب بالنمو.

وقد تمكن اليابانيون من تحقيق معجزة اقتصادية. فبعد أن هزم بلدهم واحتل، وخسر أعداداً هائلة من شبابه وأيديه العاملة الفتية، تمكن من النهضة الاقتصادية، وأنجز صناعات كبرى، وطور جامعاته وقدراته التكنولوجية، وبرع في مجالات الهندسة الإلكترونية والميكانيكية، وحقق إنجازات في تكنولوجيا الاتصالات، ويحتل حالياً المرتبة الثالثة في حجم اقتصاده بعد الولايات المتحدة والصين، ولكن قد يتأخر إلى الدرجة الرابعة عام 2030، إذ من المتوقع أن تحتل الهند تلك المرتبة.

ولكن اليابان تواجه تحديات من المنافسين لها في الصين والهند خاصة في الصناعات الإلكترونية، والسيارات ووسائل النقل، وحتى في مجال الكمبيوتر وعلومه وبرامجه وإنتاج الحواسيب فائقة السرعة أو الميتاكمبيوتر Meta computer. ولكن هذه التحديات تقابل من اليابانيين بالاعتراف الواضح والإقرار بأن غيرها صار ينافسها ويحل مكانها بالتدريج في الأسواق العالمية. ولكنهم لا يقفون مكتوفي الأيدي، بل يتحركون ولديهم تركيز على البحوث التكنولوجية في مجالات الحواسيب، والبرمجيات، والفضاء، والسوبركوندكترز، والطاقة البديلة، وعلم الديناميكا الهوائية أو Aerodynamics وهم يتعاونون مع الدول الكبرى في الغرب في مجالات البيئة، والفضاء، والأدوية، والطاقة. ونقلوا كثيراً من صناعاتهم من اليابان إلى الأسواق. ويرى اليابانيون فرصة هائلة أمامهم لتطوير وسائل التسويق، والانخراط بشكل فعال في سلاسل التزويد العالمية.

موقف
التحديثات الحية

وتنظر اليابان بعين يقظة إلى مبادرة الصين الطريق والحزام Road Belt Initiative، ومبادرة الكوريدور الهندي Bharat Corridor Initiative والذين من المتوقع أن يربطا كلّاً من الصين والهند بدول الخليج إلى دول المشرق العربي فأوروبا.

ولكن اليابان ليس لديها مشروعها، لذلك هي تريد أن يكون لها مناطق تتعامل معها بثقة مثل الأردن لكي تجعل منها واحدة من مراكز الخدمات اللوجستية للتخزين والنقل، وتكون هذه مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بسلاسل التزويد العالمية والهادفة للوصول إلى الشرق الأوسط وأوروبا. ويرى اليابانيون أن الأردن يجب أن يكون واحدة من محطاتهم الرئيسية.

في ضوء هذا التصور، يرى اليابانيون أن عليهم أن يقوموا بدور إيجابي في إنهاء الحرب الاجرامية على غزة، وأن استمرارها لا يسير لمصلحتهم، وأن اتساع رقعة الحرب في مناطق أخرى خاصة بالقرب من الطرق البحرية كباب المندب، يؤثر على حجم تجارتهم مع العالم. ولذلك، فإن اليابان تطلب من الباحثين العرب أن يَعْلموا محدودية الدور الياباني، ويطلبوا منهم أن يساهموا في تحديد الدور الذي يمكن أن تساهم به اليابان. ويقول هؤلاء الباحثون في حملة الدفاع عن موقفهم عندما يتعرض للهجوم إن هنالك نوعاً من الظلم وسوء الفهم للموقف الياباني.

وفي هذا الإطار، فقد قدمت الدكتورة ابتسام الكِتبي رئيسة مركز الإمارات للدراسات مداخلة صريحة قالت فيها إن اليابان تبالغ في مسايرتها للغرب ولإسرائيل في الوقوف صامتة على الاعتداءات على غزة وأهل فلسطين، أو مؤيدة للموقف الأميركي. وقد رد عليها عدد من الباحثين اليابانيين الرسميين والمستقلين بتأكيد أن اليابان قدمت مساعدات لأهل فلسطين أكثر من أي دولة عربية، ولربما ساعدت السلطة الفلسطينية أكثر مما ساعدتها دول الخليج كلها، وهو تصريح يستحق التأمل والتمحيص. وقالوا إن موقفهم السياسي المراعي لظروفهم واتفاقاتهم أمر ضروري، أما عن الدعم فهم يقدمون الكثير.

وعلى صعيد العلاقات الاقتصادية، فلا شك أن النفط ما يزال حتى الآن حجر الرحى فيها. وأذكر في عام 1973 حصلت في اليابان أزمة سميت (أزمة ورق التواليت) عندما أعلنت منظمة الدول العربية المصدرة للنفط OAPEC نيتها تقليص صادراتها إلى الدول التي تعتبر غير صديقة للعرب، وكانت اليابان واحدة منها. ولكن حجم التبادل التجاري مع الوطن العربي واليابان يفوق 250 مليار دولار سنوياً، نصفه من النفط والغاز والباقي في معظمه سلع تصديرية من اليابان.

موقف
التحديثات الحية

تركز اليابان في الآونة الأخيرة على السياحة بوصفها واحدة من مصادر الدخل غير المستثمرة بشكل كاف. وقد كانت اليابان إلى حد قريب مقتنعة بالتبادل السلعي والخدمي المصاحب للسلعي مثل التأمين والشحن، ولكن التنافس بدأ يفرض عليها أن تتوسع في مجالات جديدة مثل السياحة، والخدمات الزراعية، والأطعمة والمأكولات، وغيرها. وبدأ اليابانيون يدركون أن الثقافة تشكل مكوناً أساسياً في دعم الصادرات. وبالتراجع الذي يشهده العالم، خاصة في منطقتنا، بدأ الاقبال يزيد على المأكولات الصينية الشهيرة كالسوشي، والتوفو، والتيمبورا، والتاماغوياكي، والميسو، ولحم العجل الكوبي Kobe، وأرز الكاري وغيرها.

اليابان تريد علاقات جديدة مع العرب، وهي ترى أن باب السياسة سيساعدها في ذلك إن هي طورت مواقفها المعتبرة غير صديقة للعرب، وأن زيادة التبرعات للاجئين والمشردين والشهداء لا يمكن أن تعوض عن ألم غياب المشاعر الصادقة تعاطفاً مع الأطفال، والنساء الذين يقتلون على أيدي الجنود والبوليس والمتطرفين والمستعمرين من الإسرائيليين. وإذا أرادوا أن نفهمهم، فعليهم أن يفهموا كذلك.

الندوة التي عقدت في رحاب الجامعة الأردنية كانت خطوة إيجابية واضحة الأثر على ذلك الطريق.

المساهمون