تسببت أزمة شح المياه في العراق، في تراجع كميات إنتاج محصول القمح لهذا العام 2022 إلى مستويات قياسية بالمقارنة مع الأعوام الخمسة السابقة، الأمر الذي أدى إلى تراجع كبير في المخزون الاستراتيجي للبلاد، واتجاه السلطات نحو الاستيراد من الخارج لتلبية الاحتياجات المحلية، وسط أزمة إمدادات عالمية بسبب الحرب الروسية على أوكرانيا.
وتشتري الحكومة محصول القمح من الفلاحين لتقوم بتوزيعه لاحقاً على المواطنين على شكل طحين، ضمن برنامج البطاقة التموينية المتبع منذ تسعينيات القرن الماضي، لكن تراجع المساحات المزروعة في البلاد بسبب شح المياه وقلة مواسم الأمطار خلال العامين الماضيين، وانخفاض مناسيب المياه في نهري دجلة والفرات، أدت جميعها إلى خفض الإنتاج وتراجع مخزون القمح.
ويلحظ عراقيون آثار التراجع في كميات القمح المخزّنة والمتوفرة، على واقعهم المعيشي، إذ ارتفع سعر الخبز في عموم مدن البلاد إلى حوالي الضعف، وهو مستمر في الارتفاع، بحسب تاجر حبوب من بغداد أوضح لـ"العربي الجديد" أن "العراق يواجه أزمة حقيقية في القمح، وهناك مخازن حكومية باتت فارغة تماماً، ولا نعرف كيف يمكن للحكومة معالجة هذه المشكلة، ولا سيما أن الإنتاج بات منخفضاً.
وأضاف التاجر، الذي رفض ذكر اسمه أن هناك مشاكل في الاستيراد، لافتاً إلى أن "هناك حاجة فعلية لمادة الطحين في الأسواق، لكن الإعلام لا يتحدث عن آثار ذلك على الفقراء، وتتجه البلاد نحو رفع جديد لأسعار الخبز خلال الأشهر المقبلة".
قبل ذلك، اعترف المتحدث باسم وزارة التجارة محمد حنون أن "الحديث عن عدم وجود مخزون كاف كان صحيحاً، ففي الشهر الثاني والثالث من العام الحالي كان مخزون التجارة 300 ألف طن، لكن الوزارة كانت لديها خطة واضحة في مواجهة هذا الانخفاض، وأن أزمة ارتفاع الأسعار وقلة مخزون القمح في المخازن العالمية تم تداركها سريعا من خلال إجراءات فنية وإدارية، عبر استيراد 250 ألف طن من القمح المستورد من الأسواق الألمانية والأسترالية بعد أن تعاقدت وزارة التجارة مع هذه المنشآت".
وأضاف حنون في تصريح صحافي، مؤخراً، أن "القمح يصلنا بكميات كبيرة، فالعراق يعتمد منذ 4 سنوات على الحنطة المحلية المستلمة من المزارعين بشكل واسع، ويجري الآن استقبال كميات كبيرة وفق الخطة الزراعية وخطة وزارة التجارة، ولدينا برنامج لتوريد 3 ملايين طن عبر مقترح قانون الأمن الغذائي".
وحسب إحصاءات رسمية، فإن مجموع إنتاج القمح في العراق بلغ 4 ملايين و234 طنا خلال الموسم الشتوي لسنة 2021، وهذا الرقم انخفض بنسبة 32 بالمائة عن إنتاج سنة 2020 الذي أنتج فيه أكثر من 6 ملايين و238 طنا، و4.7 ملايين طن في 2019، وقد أعلنت الاكتفاء الذاتي في هذه السنوات، لكن انتكاسة حقيقية يعاني منها العراق الموسم الحالي، في ظل خلو مخازن الشركة العامة لتجارة الحبوب (حكومية) من القمح، حيث لا يتوفر فيها إلا 373 ألف طن، موزعة بواقع 269 ألف طن حنطة محلية، و104 آلاف طن حنطة مستوردة.
وأعلنت الحكومة العراقية، مطلع مايو/ أيار الجاري، اعتمادها على ألمانيا وأستراليا، لاستيراد القمح، ما أسفر عن ولادة مخاوف من أزمة قد تطاول القطاع الغذائي في البلاد، بعد بيانات رسمية أشارت إلى أن المخزون العراقي من القمح لا يكفي لشهرين، جرّاء الأزمة الأوكرانية الروسية، التي أثرت سلباً على واقع الاستيراد.
من جهته، قال عضو اتحاد الجمعيات الفلاحية في مدينة النجف، محمد الموسوي، إن "الحكومة العراقية تتحمل كل المسؤولية عن تدهور الوضع الاقتصادي، وتراجع مساحات القمح المزروعة في البلاد، بسبب التوزيع الجائر وغير المنصف للمياه بين الفلاحين من جهة، إضافة إلى لجوء السلطات إلى الاستيراد وعدم دعم الإنتاج المحلي من جهة ثانية".
وأضاف: تراجعت المساحات المزروعة من 5 ملايين دونم إلى أقل من 2.5 مليون دونم لهذه السنة"، معتبراً في اتصالٍ مع "العربي الجديد"، أن "الحلول التي تبحث عنها الحكومة حالياً، لا تدعم هي الأخرى جهود الفلاح العراقي، إذ إن هدف قانون الأمن الغذائي الذي تسعى لإقراره، هو زيادة حجم الأموال المخصصة للاستيراد، بالتالي فإن الأزمة الداخلية ستبقى على حالها".
أما الخبير الاقتصادي العراقي مهدي عبيد الخفاجي، فقد لفت إلى أن "أولى بوادر الأزمة هي أسعار الخبز، فقد ارتفع إلى الضعف في العاصمة بغداد وبقية المدن، وهذا يؤثر بصورة مباشرة على حياة الناس، والمشكلة أن الحكومة تبحث دائماً عن الحلول بعد وقوع المشاكل، ولا تسعى إلى استباق الأحداث"، مؤكداً أن "من واجب الحكومة أن توفر الأموال المخصصة للاستيراد في دعم الفلاحين، لأن الاستيراد من ألمانيا وأستراليا والولايات المتحدة، ثبت أنه لا يسد إلا نصف حاجة العراق فقط، لذلك لا بد من الاعتماد على الإنتاج المحلي للقمح".