تكاد لا تخلو شركة أو مؤسسة خاصة أو أهلية في العاصمة بغداد وبقية المحافظات العراقية من وجود واحد أو أكثر من العمّال الأجانب، الذي يعملون بصفات مختلفة، وخصوصاً في مجالات التنظيف والوظائف التي لا تجعلهم باحتكاك مع العراقيين، وأبرز هذه الجنسيات هي الآسيوية، التي تصر بعض الشركات الأهلية على توظيف عمال منها.
يؤكد عدد من أصحاب هذه الشركات أن "العمال الأجانب يرضون بأي مهام وظيفية توكل إليهم، فهم لا يشعرون بالحرج من غسيل الصحون في المطاعم، أو تنظيف الحمامات في المجمعات التجارية، لكن الموظف العراقي أحياناً يرفض هذه المهام، أو أنه يطلب أجراً أكبر من أجرة العامل الأجنبي".
قال صاحب شركة للسياحة والسفر في حي المنصور ببغداد، فالح الشمري، إن "لديه عاملين من الجنسية البنغالية، وهم ملتزمون جداً في تأدية مهامهم، كما أنهم لا يتحدثون كثيراً، إضافة إلى ذلك، فهم سريعو التعلم، ناهيك عن كونهم لا يتحسسون حين تُطلب منهم مهام أخرى غير واجباتهم المتفق عليها".
وأوضح الشمري لـ"العربي الجديد" أن "العامل الأجنبي بات مرغوباً جداً في عمل الشركات والمؤسسات الأهلية، كما أن هناك كثيراً منهم يتمتعون بخبرة كبيرة في مهن متفرقة، بسبب التنقل في العمل من مكان إلى آخر، وهذا الأمر جيد بالنسبة لنا".
وأضاف أن "كل الشركات والمؤسسات الخاصة في بغداد والمحافظات فيها عمّال أجانب، وهناك عائلات لديها أكثر من عامل موزعين في مهام متفرقة"، مؤكداً أن "العامل العراقي مرغوب أيضاً، لكنه مزاجي أحياناً ويرفض أن يؤدي بعض المهام غير المتفق عليها، وهذا ما لا يعجب الشركات، لأن مجال القطاع الخاص يتعرض دائماً إلى تغيرات في الأداء والمهام".
من جهته، أشار مدير مؤسسة "النمور" للطباعة في بغداد، عمار الجميلي، إلى أنه "أراد عامل نظافة في المطبعة، كما أن من واجباته إعداد الشاي والقهوة وتنظيف المطبخ الخاص بالمؤسسة والحمام، وقد عرض راتب مقداره 550 دولاراً أميركياً، لكنه فشل في الحصول على عامل عراقي، ما اضطره إلى اللجوء إلى عامل من جنسية آسيوية وافق براتب مقداره 400 دولار، بشرط توفير غرفة صغيرة له ليستقر فيها خلال فترة العمل".
وبيَّن الجميلي، لـ"العربي الجديد"، أن "التوجه نحو العمال الأجانب تجده بعض الشركات نوعاً من المظاهر التي تمنحها رونقاً وشخصية، رغم أنها أمر عادي، لكن هناك شركات تحتاج العمال الأجانب لأن العمال المحليين من الشباب العراقيين يرفضون تأدية هذه المهام".
لكن العامل حيدر البغدادي (29 عاماً) أشار إلى أن "الفرص الوظيفية والأشغال التي تمنح للعامل العراقي ليست جيدة في أغلب الأحيان، وتعطى الوظائف الجيدة للأجانب، كما أن الشركات والمؤسسات الأهلية تتأخر أحياناً بتسليم الرواتب للعمال المحليين، في حين أنها تتعامل بدقة مع العامل الأجنبي نظراً لكونه يستطيع تقديم الشكاوى والاعتراض ضد أي ممارسة سيئة تحدث معه". وأكد لـ"العربي الجديد" أنه "كان يعمل في مطعم فاخر، لكن جرى استبداله بعامل أجنبي لأنه رضي براتب أقل".
ووفقاً لتصريح سابق لوزير العمل والشؤون الاجتماعية العراقي أحمد الأسدي، فإن "هناك من 800 ألف إلى مليون عامل أجنبي في العراق، لم يسجل منهم في دائرة الضمان الاجتماعي سوى ما بين 160ألفاً و170 ألفاً فقط، والباقون عمال غير قانونيين، أي مخالفين لقانون العمل".
وأكد أن وزارته "شكّلت لجنة لتصحيح أوضاع العمالة الأجنبية بالعراق، عبر وضع ضوابط لعمل شركات استقدام العمال الأجانب، ومنح مهلة 45 يوماً لتسجيل العمالة الأجنبية رسمياً في عموم البلاد، كما أن القانون يشترط على أرباب العمل أن يكون مقابل كل عامل أجنبي عامل عراقي، وستكون هناك غرامات وعقوبات على من لا يلتزم بذلك من أرباب العمل، وقد تصل العقوبات إلى إغلاق مشروعه".
ورغم التعليقات الكثيرة من وزراء ومؤسسات عراقية رسمية عن أعداد العمالة الأجنبية في العراق، لكنها تتضارب وتتعارض فيما بينها، إذ أشارت إحصائية صدرت عن لجنة العمل والشؤون الاجتماعية في البرلمان العراقي عام 2021، إلى وجود نحو 1.5 مليون عامل أجنبي في العراق.
ويؤكد مسؤولون لـ"العربي الجديد" أن "ملف العمالة الأجنبية يعاني من فوضى كبيرة، إضافة إلى وجود شركات تابعة لأحزاب متنفذة تعمل على خط استيراد العمال الأجانب بطرق رسمية وأخرى غير رسمية".
وقال مسؤول في وزارة التخطيط، لـ"العربي الجديد"، إن "العمالة الأجنبية غير المدروسة والفوضوية في العراق لا تتسبب في مزيدٍ من البطالة فقط، بل تؤدي إلى مشاكل أخرى، لا سيما أن هناك عمّالاً من دون أوراق رسمية، وآخرين وقعوا في مشاكل أمنية، منها السرقات، كما تتورط أعداد منهم في تعاطي المخدرات"، مشيراً إلى أن "مبالغ ضخمة بالعملة الصعبة تخرج من العراق شهرياً، لأن العمال الأجانب يقومون بتحويل نحو 80 بالمائة من رواتبهم، وأقل عامل أجنبي يتقاضى 400 دولار".
بدوره، لفت عضو نقابة العمال العراقية مصطفى موسى إلى أن "قانون العمل في العراق يسمح بتشغيل العمال الأجانب، وهو أمر طبيعي، لكن هذا القانون سُنَّ في عقود القرن الماضي وجرى التعديل عليه أيضاً حين كان العراق لا يعاني من مشكلة البطالة"، مبيناً أن "العمالة الأجنبية، وخاصة غير الشرعية، تؤثر بشكل كبير على الاقتصاد العراقي، لأنها تساهم في توسيع قاعدة العاطلين عن العمل، وتسهم أيضاً في خروج الدولار من البلاد".