تعاني أسواق الحديد ومواد الإنشاءات في العراق من ركود كبير، مع الانخفاض الحاد للقدرة الشرائية وقلة المشاريع الاستثمارية، فضلاً عن ارتفاع الأسعار بشكل كبير بسبب أزمة الدولار وعمليات المضاربة التي تتم في السوق المحلية وعدم إمكانية الحصول على العملة الأميركية بالسعر الرسمي، مما يضطرهم إلى اللجوء للسوق السوداء بسعر يتراوح بين 1460 و1490 دينارا للدولار الواحد، في حين يبلغ سعره الرسمي 1302.
وانعكس ارتفاع الدولار على الأسعار المحلية وعمليات البيع، ما سبب حالة من الركود المتزايد مع قلة البناء وندرة المشاريع الاستثمارية التي توقفت منذ سنوات، على أمل أن تتم المباشرة بها بعد إقرار قانون الموازنة الذي صوّت عليه البرلمان العراقي الاثنين الماضي.
ركود وغلاء
شكا تجار حديد من الركود الكبير الذي تشهده الأسواق العراقية وتوقف حركة البيع التام لأيام عديدة، بسبب الخلافات السياسية التي أدت إلى تأخر الكثير من المشاريع الاستثمارية في المحافظات العراقية، فضلاً عن عجز الحكومة عن السيطرة على أسعار صرف الدولار.
وقال أحد تجار حديد البناء في بغداد، عباس الكاظمي، إن بقاء البلد من دون موازنة للعام الثاني على التوالي تسبب في توقف المشاريع الاستثمارية، بالإضافة إلى انخفاض قدرة المواطن الشرائية وتوقف حركة البناء من قبل المواطنين.
وأضاف الكاظمي، لـ"العربي الجديد"، أن من بين أسباب الركود الحاصل في السوق عمليات المضاربة في سعر صرف الدولار، والذي أدى بدوره إلى ارتفاع اسعار الحديد ومواد البناء، لأن التاجر يستورد بضاعته بالعملة الصعبة ليبيعها محلياً بالعملة المحلية (الدينار) حصراً.
وأشار إلى أن الحصول على الدولار صعب جداً في ظل سيطرة المتنفذين على سوق العملة ومنافذ شرائها من نافذة بيع العملة لدى البنك المركزي العراقي، مما يضطرهم إلى شراء الدولار من السوق الموازي بأسعار وصلت أخيراً إلى 148 ألف دينار لكل 100 دولار، في حين أن السعر الرسمي المحدد من قبل الدولة هو 132 ألف دينار.
ومن جانبه، أوضح تاجر مواد بناء، أحمد محسن، أن الخلافات والمصالح السياسية أدت إلى تعطل مصالح المواطنين وتوقف حركة البيع في السوق المحلية.
وانتقد محسن، خلال حديثه لـ"العربي الجديد" أداء الحكومة العراقية في التعامل مع الملفات الاقتصادية المحلية والحركة التجارية في الأسواق، مبيناً أن أكثر من 75 بالمائة من عمليات بيع المواد الإنشائية ترتبط بالمشاريع الاستثمارية، التي ما زالت متوقفة بسبب تأخر الشروع بالعمل في الموازنة ودخولها حيز التنفيذ.
وأشار إلى أن هناك شركات متنفذة تسيطر على المشاريع السكنية، حيث تقوم باستيراد المواد الإنشائية من خارج العراق عبر حصولهم على الدولار المدعوم من قبل الدولة بواسطة نافذة بيع العملة أو من خلال بنوك ومكاتب صرافة وسيطة تتعامل مع البنك المركزي بشكل مباشر.
وأكد محسن أن الضرر الأكبر من هذا الركود ينعكس بشكل مباشر على المواطن العراقي، لأن هناك أعدادا كبيرة من العمال والتجار الصغار الذين يعتمدون على العمل بهذا المجال، واستمرار الركود يخلف أضراراً اقتصادية كبيرة.
تقلبات السوق
من جانبه، أوضح الباحث الاقتصادي، حمزة الحردان، أن أسعار الحديد ومواد البناء تعتمد على التغيّر الحاصل في سعر صرف الدولار، إذ شهدت جميع البضائع والمواد المستوردة ارتفاعا كبيراً في مستويات الأسعار، بسبب فرق سعر الصرف وعمليات المضاربة بالعملة، مما أحدث حالة من عدم التوازن السعري.
وأكد الحردان، خلال حديثه لـ"العربي الجديد"، أن هناك ركودا اقتصاديا حقيقيا تعاني منه الأسواق المحلية، وحالة من اليأس أصيب بها معظم التجار مع وجود تلاعب في وضع الأسعار، مما ولّد حالة مخاوف كبيرة لدى المستهلكين.
وأشار إلى أن قطاع إنتاج الحديد ومواد البناء معطل تماماً والنظام الصناعي الوطني متخلف جداً قياساً بالتطور الصناعي والتكنولوجي الذي يشهده الكثير من الدول، بينما يعتمد العراق على الاستيراد دون التوجه إلى تطوير ونمو القطاعات الإنتاجية على الرغم مما يمتلكه من موارد وثروات طبيعية.
وأوضح أن القوانين الاقتصادية والبيروقراطية التي تسير بموجبها القطاعات الوطنية متخلفة تماماً، ولا تشجع على الاستثمار والنهوض والتنمية، فضلاً عما يشهده البلد من عدم استقرار سياسي وأمني واقتصادي.
وبيّن أن الاستيراد العشوائي ترك آثارا وانعكاسات سلبية خطيرة على نشاط اقتصاد البلاد، وأدى إلى تزايد مستويات البطالة وتراجع إيرادات الصناعة والزراعة والتجارة، مشيرا إلى أن الأضرار في تزايد إذا بقيت السياسة الاقتصادية تعتمد على الاستيراد العشوائي بهذا الشكل.
وختم الحردان حديثه بأن الحد من ارتفاع الأسعار يرتبط بالحفاظ على قيمة الدينار العراقي مقابل العملات الأجنبية، وثبات سعر الصرف والتخلص من عمليات المضاربة بالعملة، والحد من الأزمات التي تستنزف الاقتصاد العراقي وتتسبب بخروج أموال طائلة من البلاد.