لا تُبشر أوضاع المياه في محافظة ديالى شرقي العراق بموسم آمن لبساتين المحافظة التي ظلت لعقود طويلة تتصدر سلة الإنتاج الزراعي العراقي، إذ يضرب الجفاف مساحات واسعة من ديالى بعد الخطوات الأخيرة لإيران بتحويل عدد من مجاري الأنهار الحدودية إلى داخل أراضيها ومنع وصولها إلى العراق، فضلاً عن انخفاض مناسيب نهري ديالى ودجلة وبحيرة حمرين.
وبدا الجفاف على بساتين الرمان واضحاً بشكل مبكر، إذ يؤكد مزارعون موت آلاف الأشجار خلال الأسابيع الماضية وفشل محاولات إنعاشها.
ووفقاً لمسؤول محلي في ديالى فإن خسائر القطاع الزراعي جراء الخطوات الإيرانية الأخيرة في حجب المياه عن العراق كبدت المزارعين مئات ملايين الدنانير وتهدد بتصحر مناطق زراعية كاملة.
وقال المسؤول لـ"العربي الجديد" إن "المحافظة تتنظر إجراءات فعلية من قبل الحكومة الاتحادية في بغداد إزاء حالة الجفاف التي تضرب ديالى وفي حال لم ينزل مطر مبكراً هذا الشتاء فإن الحال سيكون أسوأ من المتوقع".
خسائر القطاع الزراعي جراء حجب إيران المياه عن العراق كبدت المزارعين مئات ملايين الدنانير وتهدد بتصحر مناطق زراعية
وأشار إلى أن بساتين الرمان كانت الأكثر تضرراً لأن الشجرة لا تحتمل ملوحة الأرض التي ارتفعت بعد انحسار المياه وتراجع مستوياته وضعف السقي، لافتاً إلى أن الخسائر الكبيرة تدفع المزارعين إلى الهجرة نحو المدن بحثاً عن رزق آخر.
غانم غيدان (62 عاماً) أحد أصحاب البساتين في ديالى قال إن مدينة شهربان شرقي المحافظة كانت تمتلك سلسلة بساتين ضخمة ترفد كل العراق، بينما اليوم هي مهددة بالموت الكامل بفعل الجفاف.
وأضاف غيدان لـ"العربي الجديد" أن "سلسلة من غابات الرمان تمتد لعشرات الكيلو مترات مهددة، كانت ترفد محافظات العراق بأكثر من 100 ألف طن سنوياً، لكنها هذا العام ليست قادرة على إنتاج 10% من هذه الكمية نتيجة الجفاف الذي جاء ليكمل حلقة الأسباب من نزوح السكان وحرق البساتين، وتحويل مساحات كبيرة من الأراضي من زراعية إلى سكنية، وهجرة الفلاحين وأبنائهم مهنة الزراعة والبحث عن وظائف أو مهن أخرى، فضلاً عن شبه انعدام الدعم الحكومي واستيراد الرمان من جميع البلدان، الأمر الذي أوصل البساتين إلى هذا الحال الكارثي".
وتابع: "قضيت أكثر من 30 عاماً من حياتي في مهنة الزراعة ويمكنني القول إن أشجار الرمان فقدت مذاقها ولونها، وقبل كل شيء وفرة إنتاجها، ولم يعد لغاباتها وجود بسبب الإهمال الذي طاولها خاصة في العقد الأخير كما تسبب جفاف نهر ديالى هذا العام بكارثة زراعية أودت بالعديد من البساتين وأصبح الكثير منها أثراً بعد عين".
وظل رمان ديالى لعقود طويلة الأكثر جودة في العراق. وقال المزارع أنمار عباس (48 عاماً) إن بساتين وغابات على مد البصر تحولت أغلبها إلى أرض قاحلة.
عضو بالبرلمان العراقي:: ديالى تمر بكارثة هي الكبرى من نوعها على القطاع الزراعي، بسبب أزمة الجفاف وفقدان أكثر من 40 ألف دونم من البساتين المثمرة
وأضاف لـ"العربي الجديد": "كنت طفلاً حين كان والدي يصحبني وإخوتي إلى بستاننا في منطقة الصدور السياحي التابع لبلدة المقدادية، كانت أشجار البرتقال والرمان تزين بساتين تلك المنطقة وكان ثمرها يعتبر من أجود أنواع الرمان في العراق، بينما هذا العام وبسبب حرارة الطقس التي تعدّت 52 درجة مئوية، وشح المياه، ماتت أغلب أشجار الرمان حتى التي قمنا بزراعتها من شتلات صغيرة كلها لم تصمد بسبب قلة أوقات السقي الذي لم يكف لربع مساحة بستاننا البالغة 5 دونمات.
ونهاية أغسطس/ آب الماضي، قال عضو البرلمان العراقي فرات التميمي إن ديالى تمر بكارثة هي الكبرى من نوعها على القطاع الزراعي، بسبب أزمة الجفاف وفقدان أكثر من 40 ألف دونم من البساتين المثمرة. (الدونم يعادل ألف متر مربع).
وأشار التميمي في تصريحات صحافية إلى "ضرورة وضع حل لملف الأنهار المشتركة مع إيران واللجوء إلى المنظمات الدولية للحصول على حقوق العراق المشروعة، لأن الأزمة قد تصل إلى مرحلة كارثية، ونفقد بسببها بساتين عمرها قرن في أجزاء واسعة من ديالى".
كذلك حذرت عضو البرلمان إقبال اللهيبي من أن أزمة الجفاف هي الكبرى في تاريخ ديالى وشملت قرابة 70% من مناطق المحافظة الزراعية".
أبرز الأزمات: نزوح السكان وحرق البساتين، وتحويل مساحات كبيرة من الأراضي الزراعية إلى سكنية، وهجرة الفلاحين وأبنائهم مهنة الزراعة والبحث عن وظائف أو مهن أخرى، وانعدام الدعم الحكومي
ويتأسف تجار الفاكهة في بغداد من انقطاع الفاكهة التي تأتي من ديالى، وحلت بدلاً عنها الإيرانية والتركية.
وقال تاجر الفاكهة أحمد خليل (57 عاماً) من سكان العاصمة "كنا في السابق نعتمد على رمان ديالى، وبمجرد أن يعرف المتبضعون أننا نبيع رُمان شهربان كانوا يأتون خصيصاً لشرائه، وإن كان سعره مرتفعاً في بداية موسمه، إذ كان يصل إلى أكثر من ثلاثة آلاف دينار (دولارين)".
وأضاف خليل لـ"العربي الجديد" أن جودة الرمان العراقي تراجعت بشكل كبير خلال العقد الأخير وفقد الكثير من ميزاته ومذاقه، مشيراً إلى أن زيادة الاستيراد زادت من الضغوط التي تعرض لها المزارعون.