سلط قرار تحالف "أوبك+" بتمديد الخفض الطوعي لإنتاج النفط حتى نهاية مارس/آذار، مزيدا من الضوء على تداعيات الحرب المستمرة في غزة، خاصة بعد تصعيد العدوان الإسرائيلي على جنوب القطاع وقطع الهدنة، وتأثيرها السلبي على اقتصادات الدول المنتجة، خاصة دول الخليج العربية.
وأعلنت دول خليجية، إضافة إلى روسيا، في 30 نوفمبر/تشرين الثاني، تمديد خفضها الطوعي لإنتاج النفط، البالغ مليون برميل يومياً، حتى نهاية الربع الأول من عام 2024، فيما أكد مسؤول سعودي أن القرار جاء "بالتنسيق مع بعض الدول المشاركة في اتفاق "أوبك+"، وفقا لما أوردته وكالة الأنباء السعودية "واس".
ووفقاً للقرار، فإن إنتاج السعودية، أكبر مورد للنفط في العالم، سيظل ثابتا عند 9 ملايين برميل يومياً، انخفاضا من 10 ملايين برميل، وهو الانخفاض الذي بدأ تطبيقه في يوليو/تموز 2023، بالإضافة إلى الخفض الطوعي، البالغ 500 ألف برميل يومياً، الذي سبق أن أعلنت عنه المملكة، في إبريل/نيسان من عام 2023، والممتد حتى نهاية ديسمبر/كانون الأول 2024.
وعلى المنوال ذاته، أكد وزير النفط الكويتي، سعد البراك، أن الكويت ستخفض إنتاج النفط طوعياً 135 ألف برميل يومياً لثلاثة أشهر، بدءاً من أول يناير/كانون الثاني 2024، كما أعلنت سلطنة عُمان خفضاً طوعياً لإنتاجها النفطي بمقدار 42 ألف برميل يومياً، اعتباراً من بداية يناير/كانون الثاني 2024 وحتى نهاية مارس/آذار من العام ذاته، ليضاف إلى خفض طوعي سابق بمقدار 40 ألف برميل يومياً، يستمر حتى نهاية 2024، وفقا لما أوردته وكالة الأنباء العمانية.
كما أعلنت الإمارات أنها ستخفض بشكل طوعي إضافي إنتاجها من النفط بمقدار 163 ألف برميل يومياً، بالتنسيق مع بعض الدول المشاركة في اتفاق "أوبك+".
انخفاض الأسعار
يشير الخبير الاقتصادي والمستشار المالي، علي أحمد درويش، في تصريحات لـ "العربي الجديد"، إلى أن قرار تحالف "أوبك+"، بقيادة السعودية بخفض إنتاج النفط طوعيا، وقيام المملكة بخفض آخر بقيمة مليون برميل يوميا، هدفه الرئيسي هو الإبقاء على أسعار النفط في حدود لا تقل عن 80 دولاراً للبرميل حتى يتسنى لهذه الدول أن يكون المردود المالي للنفط قابلا للاستثمار.
وانخفضت مستويات أسعار النفط خلال الفترة الأخيرة، إلى أقل من 80 دولارا للبرميل، إذ بلغت صباح أمس الجمعة نحو 76 دولارا.
ويضيف درويش أن تداعيات حرب غزة لها أثر عملي في هذا القرار، خاصة في ظل تواكبها مع تراجع الاقتصاد العالمي أصلا، وبالتالي تراجع الطلب على النفط، ما أدى إلى تراجع الأسعار، وهو ما يحاول "أوبك+" تجنبه.
ورغم الاعتراض الغربي على هذا الخفض إلا أن السعودية تحديدا لا تزال تراهن عليه، ولذلك تأثير كبير على سوق النفط، خاصة أن الدول المنضوية ضمن "أوبك+" تنتج بحدود 40% من النفط العالمي، وبالتالي لها تأثير مباشر على الأسعار، حسب درويش.
تراجع الأرباح
في السياق، يرى الخبير الاقتصادي، حسام عايش، أن الدول المنتجة للنفط ضمن تحالف "أوبك+" أصبحت أسيرة للتخفيضات، سواء المتفق عليها جماعيا أو التخفيضات الإضافية انفراديا، ومع ذلك لم يفلح ذلك كثيرا في زيادة أسعار النفط، وهو ما تجلى في أرباح الربع الثالث من العام الجاري في الأسواق الخليجية، بحسب ما صرح به لـ "العربي الجديد".
وأضاف أن نتائج الربع الثالث أظهرت أن شركة "أرامكو" السعودية، وهي أكبر منتج للنفط في العالم، حققت أرباحا بحوالي 32.6 مليار دولار، بنسبة انخفاض 23% على أساس سنوي، ما يعني أن شركات الطاقة تعاني من تراجع في الأرباح، وبنسب كبيرة عن أرباحها على أساس سنوي للفترة المقابلة من العام الماضي.
وعلى هذا الأساس، يرى عايش أن التخفيضات النفطية، التي أصبحت الدول مضطرة لها كي تحافظ على بقاء أسعار النفط ضمن حدود الـ 80 دولارا للبرميل، لم تعد مجدية، خاصة بعدما وصل سعر البرميل بالفعل إلى 80 دولارا.
ومع ذلك، فإن دول الإنتاج النفطي مضطرة لمواصلة التخفيضات والمضي فيها للربع الأول من العام 2024، إذ تعتقد أن آفاق الاقتصاد لا تشي بأن هناك تغيّرات إيجابية على المشهد العالمي، ما يعني أن الدول الخليجية قد تمدد هذا التخفيض حتى إلى الربع الثاني وغيره، حسب تقدير عايش.
اتساع العجز
إزاء انخفاض الأرباح على أساس سنوي، تتجه موازنات دول الخليج إلى اتساع في العجز، وعلى رأسها السعودية، التي حققت في الربع الثالث من العام الجاري عجزا ملحوظا، ويشير عايش إلى أن التوقعات تؤشر إلى استمراره حتى نهاية العام القادم.
بل إن وزارة المالية السعودية تبني موازناتها حتى عام 2026 على أساس استمرار العجز، بحسب عايش، لذا فإن التخفيض في إنتاج النفط سيظل مستمرا على الأرجح، لكن دون ارتباط لذلك بالمخاوف من توسع الحرب في غزة إلى حرب إقليمية، وفق تقديره.
فهذه المخاوف ستظل قائمة فقط في حال اتساع الحرب لمدى أوسع مما هي عليه الآن، بما يعني تدخلا إقليميا واسعا يؤثر على إمدادات النفط العالمية، فترتفع أسعار الخام، بحسب عايش.
ويلفت الخبير الاقتصادي، في هذا الصدد، إلى أن الاقتصاد العالمي لا يبدي تحسنا يدفع لزيادة الطلب على الطاقة، ما قد يؤدي في مرحلة لاحقة إلى زيادة تخفيضات الإنتاج، للمحافظة على حد معقول من الأسعار، الأمر الذي يؤثر على دول الخليج بالدرجة الأولى، ويتجلى ذلك بتخفيض صندوق النقد، وغيره من المؤسسات الدولية، للنمو المتوقع بتلك الدول للعام الجاري.
تتجه موازنات دول الخليج إلى اتساع في العجز، وعلى رأسها السعودية
فدول الخليج كلها حققت نتائج نمو جيدة جدا في العام 2022، لكن بعضها تراجع بمقدار الربع أو الثلث أو النصف في العام الجاري، حسب عايش، مشيرا إلى أن صندوق النقد الدولي يتوقع أن تتحسن معدلات النمو في العام القادم، على وقع تحسن أداء الاقتصاد العالمي، "لكن من الواضح أن المعطيات لا تعطي مصداقية عالية لمثل هذه التوقعات".
ويعزو عايش تقديره إلى أن الولايات المتحدة ما زالت ضمن أعلى مستويات أسعار الفائدة، وما زال الاقتصاد الصيني يعاني من مشكلات واسعة تؤثر على طلبه على النفط والطاقة بشكل عام، إضافة إلى المؤشرات على أن التوترات العالمية ربما تصبح أكثر شدة.
ويعني ذلك أن الاقتصاد العالمي يتجه لأن يكون أقل طلبا للنفط، وأكثر دافعية للدول نحو تخفيض المزيد من الإنتاج، حسب عايش.
وإزاء ذلك، يتوقع عايش أن يؤدي التأثير على دول الخليج، من هذا الباب، إلى عجز في الموازنات، وزيادة في المديونيات، وبالتالي التأثير على قدرة تلك الدول على الوفاء بالمواعيد المحددة لإنجاز مشروعاتها التي وردت في رؤاها الاقتصادية المختلفة.