دخل اعتصام عناصر الفصائل المسلحة العراقية المنضوية ضمن هيئة "الحشد الشعبي" شهره الثاني على الشريط الحدودي العراقي مع الأردن، تحديداً عند معبر طريبيل بين البلدين، تنديداً بالعدوان الإسرائيلي ضد المدنيين في غزة، مطالبين الأردن بالسماح لهم بالدخول، وصولاً إلى حدود الأراضي الفلسطينية المحتلة.
وبالرغم من تراجع أعداد المعتصمين نسبياً، فإنهم لا يزالون يمثلون عائقاً أمام استئناف الحركة التجارية ونقل المسافرين بين العراق والأردن.
ويقيم المعتصمون خياماً منذ 20 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، ويتظاهرون بتوجيه من قادة فصائل مسلحة ضمن "الحشد الشعبي"، وينظمون بشكل شبه يومي فعاليات للاحتجاج والهتافات المساندة لغزة، وتدعمهم هيئة "الحشد الشعبي" غذائياً، كذلك اعتمدت الفصائل المسلحة آلية المناوبة، أي إن المعتصمين يُستبدلون بآخرين وفقاً لنظام "الوجبات"، بعد حصولهم على قرار إعفاء من واجباتهم الأمنية والانتقال إلى ساحات الاعتصام.
ويشارك عناصر في فصائل حركة النجباء، وكتائب حزب الله، وكتائب سيد الشهداء، وحركة عصائب أهل الحق، وجماعات مسلحة أخرى، في الاعتصام.
ومنع المتظاهرون في البداية مرور شاحنات النفط العراقية المتجهة نحو الأردن، لكنهم عادوا وسمحوا بذلك بعد يومين من السيطرة على الطريق المباشر لمعبر طريبيل، لكن الحكومة الأردنية مستاءة من الوضع على الحدود مع العراق وفق مصادر شبه رسمية، ولا سيما أن الحركة التجارية وشاحنات نقل النفط ونقل المسافرين، كل ذلك يتعرض للاعتداء والمضايقة.
وكان زعيم "التيار الصدري" مقتدى الصدر أول من دعا إلى الاعتصام على الحدود، من دون تحديد موعد لذلك، لكنه تراجع عن موقفه بعدما توجهت جموع من عناصر الفصائل المسلحة الموالية لإيران إلى الحدود العراقية الأردنية.
وقال حساب على "فيسبوك" يديره المتحدث باسم التيار على مواقع التواصل الاجتماعي صالح محمد العراقي، إن "الذهاب إلى الحدود الأردنية من دون تحديد موعد من قبل الصدر يعتبر عصياناً وخروجاً عن المركزية، ومن يشارك الفاسدين في التجمهر عند الحدود فليس جزءاً من التيار الصدري".
وأفاد مصدر مقرب من مكتب رئيس الوزراء العراقي، محمد شياع السوداني، بأن "مسؤولين أردنيين أبلغوا السلطات العراقية في أكثر من مناسبة خلال الأسابيع الماضية، بأن الفصائل المسلحة العراقية تستغل الحرب على غزة للضغط على الأردن بوسائل مختلفة، من بينها إعاقة العلاقات الاقتصادية بين البلدين، فضلاً عن إيقاف مرور شاحنات النفط العراقي للأردن".
وأضاف المصدر، الذي طلب عدم الكشف عن اسمه، أن "السلطات في عمّان على تواصل مستمر مع بغداد، من أجل حل مسألة توقف توريد النفط العراقي للأردن، خصوصاً أن نقل النفط توقف منذ نحو شهر بسبب الاعتصامات، فضلاً عن توقف نقل البضائع والمنتجات الغذائية، فضلاً عن انقطاع خط سير السفر البري بين البلدين".
وأضاف لـ"العربي الجديد"، أن "وزارة الطاقة والثروة المعدنية الأردنية لم تتوصل إلى نتيجة مع الحكومة العراقية بشأن إبعاد أنصار الفصائل المسلحة عن الحدود مع الأردن".
ومنذ سبتمبر/أيلول الماضي، يصدر العراق 10 آلاف برميل نفط يومياً إلى الأردن، وفق اتفاق جديد، بسعر تفضيلي يقل عن سعر برميل برنت بـ 16 دولاراً، لكن الفصائل المسلحة التي دفعت أنصارها إلى منطقة طريبيل الحدودية منعت وصول شاحنات نقل النفط إلى الأردن، بحجة أن كميات النفط المنقولة تُنقل في ما بعد إلى إسرائيل.
وسبق أن وصف وزير الإعلام الأردني الأسبق سميح المعايطة، في تصريحات لوسائل إعلام أردنية، وجود المليشيات العراقية الموالية لإيران، قرب الحدود الأردنية بأنه "تحرك عدائي، يتستر بغطاء نصرة فلسطين"، معتبراً أن "لدى إيران عقدة نتيجة فشلها في صناعة أتباع لها في الأردن، ولذلك تحاول عرقلة أي تعاون يجمع بين العراق والأردن".
وتواصلت "العربي الجديد" مع عدد من أنصار الحشد الشعبي المعتصمين في طريبيل، وقال أحدهم إن "أعداد المعتصمين تراجعت خلال الأيام الثلاثة الماضية، بسبب التحذيرات من احتمال قصفهم بواسطة الطيران الأميركي، فضلاً عن التطورات الأخيرة التي حصلت في الوضع الفلسطيني، وتحديداً في غزة، وبوادر التوصل إلى هدنة بين الطرفين".
وأوضح أن "بعض قادة الفصائل أمروا أتباعهم بتقليل أعداد المعتصمين، وتحديداً التابعين للفصائل التي باتت مُهددة فعلياً من قبل الأميركيين، مثل حركة النجباء وعناصر كتائب حزب الله".
وقال معتصم آخر، وهو يتبع فصيل بدر الذي يقوده هادي العامري، إن "المعتصمين لم يستهدفوا أي شاحنة نقل بضائع من العراق أو الأردن وبالعكس، ولا حتى المسافرين عبر الطريق البري، لكنهم أوقفوا عدداً من شاحنات نقل النفط، لأن هناك معلومات عن أنّ النفط قد يصل إلى الكيان الصهيوني".
وشدد المعتصم لـ"العربي الجديد"، على أن "الاعتصام ليس هدفه عرقلة العلاقات التجارية بين العراق والأردن، بل التوصل إلى طريقة من أجل مساعدة أهالي غزة، الذين يتعرضون لهجمة وحشية من قبل الإسرائيليين".
من جهتها، أشارت الخبيرة بالشأن الاقتصادي العراقي سلام سميسم، إلى أن "العمل التجاري أو الاقتصادي أساسه الاستقرار الأمني والاطمئنان، وما يتهدد الأمن بفعل احتجاجات، أو اعتصامات، أو حرب صغيرة، أو كبيرة، فإن كل ذلك قد يتوقف".
وأكدت لـ"العربي الجديد" أن "العلاقة التجارية مع الأردن كانت مستقرة، لكنها تتأثر بأي طارئ قد يحدث، وبكل تأكيد فإن الاعتصامات على الحدود مع الأردن تزيد من مخاوف التجار ونقل النفط، وتضعف من حركة المسافرين".
وخلال 3 أسابيع، نُفذ أكثر من 60 هجوماً بطائرات مسيّرة وصواريخ كاتيوشا على قاعدتَي "حرير" و"عين الأسد" ومعسكر "فيكتوريا" الملاصق لمطار بغداد، غربي العاصمة العراقية، رداً على الحرب الإسرائيلية المتواصلة على غزة والدعم الأميركي لها.
وتضم تلك المواقع الثلاثة المئات من العسكريين الأميركيين وقوات تابعة للتحالف الدولي بقيادة واشنطن، أبرزها البريطانية والفرنسية. وتبنت "المقاومة الإسلامية في العراق" هذه الهجمات.
لكن الولايات المتحدة ردت بقصف الفصائل المسلحة الحليفة لطهران، تتقدمهم كتائب حزب الله، التي سقط منها أكثر من 10 قتلى من عناصرها، في منطقة أبو غريب وقرب الثرثار وفي جرف الصخر ومنطقة حصيبة الغربية، على الحدود مع سورية، واستهدفت ثلاثة مواقع، مباني ومنشأة ورتلين لكتائب حزب الله وحركة النجباء.